ما من شك في أن تعاطي المخدرات فيه دمار للفرد والمجتمع، حيث تقضي على تمامًا، وتنهك قواه، وتصيبه بالعديد من الأمراض، فيصبح شخصًا لا جدوى منه ” عالة ” على أسرته والمجتمع, كما إنها تفسد معاني الإنسانية فيه، ويفقد الحماسة في الدفاع عن وطنه, بل تكسل نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل, كما إنَّ الإدمان قد يؤدي إلى السرقة، فالمدمن يريد الحصول على المخدر، وإذا لم يتوفر لديه المال، فإنَه يسعى إليه بكل الطرق، حتَّى لو سرق أقرب المقربين إليه، وإذا لم ينجح قد يدفعه ذلك إلى ارتكاب الجرائم، من أجل المال، لدرجة أن الابن يقتل أباه!! لأنَّه في هذه اللحظة مسلوب الإرادة، فاقد العقل، كل ما يسيطر عليه هو الرغبة في الحصول على المخدر.
هذا من جانب أما من جانب آخر فالإدمان على المخدرات له أثر ضار على الدخل القومي نتيجةَ المبالغ الضخمة التي تهرب إلى الخارج بالعملة الصعبة غالباً لاستجلاب تلك السموم الفتاكة إلى داخل المجتمع، فتفترس هذه السموم اقتصادَ المجتمع وتخربه وتكثر في المجتمع عصابات المخدرات وبالتالي يكون هناك تأثير أمني كبير, وما يحصل في العراق اليوم خير شاهد على ذلك فكثرة عصابات التهريب والترويج وبيع المخدرات وبالتالي كثرت المشاكل الأمنية وكثرة عمليات الإنتحار وعمليات الخطف والإبتزاز وما إلى ذلك من أمور أثقلت كاهل العراق المحمل بالأزمات فصارت أزمة المخدرات الآن بمثابة غزو وإحتلال جديد يراد منه تفتيت المجتمع العراقي من جهة ومن أجهة أخرى إرهاق اقتصاده بصورة أكبر, وكأن الأمر أعد بصورة ممنهجة ومنظمة ومقننة من قبل جهات ودول إقليمية ومجاورة.
وما يؤسف له تجد إن القادة والرموز في العراق سواء من رجال دين أومن سياسيين لم يحركوا ساكناً إزاء هذا الغزو الخطير الذي لا يختلف كثيراً عن الخطر الداعشي, وإن كانت هناك أصوات فهي بين خجولة وبين الظهور الإعلامي فقط ولم تقدم على أي خطوة جادة في إيجاد حلول للقضاء على هذا الغزو الفتاك, بل كل ما إتخذه القادة العراقيون هو في صالح الترويج للمخدرات من قبيل إصدار قانون تحريم المشروبات الروحية في المقابل عدم إصدار أي قانون ضد المخدرات والمروجين لها وهذا ما دفع بالشباب المدمن باللجوء إلى المخدر بعد أن منعت عنه الخمور, كما إن المنافذ الحدودية لم تقوم بعملها اللازم في متابعة قوافل المخدرات التي تدخل للعراق ودليل ذلك هو كثرة إنتشارها وهذا أيضاً إن دل على شيء فإنه يدل على إن هناك جهات متنفذة هي من تشرف على الترويج للمخدرات.
كما إن إنشغال أهل الحل والعقد كما يسمون أنفسهم بالركض والجري خلف المكاسب والمناصب الشخصية الفئوية الضيقة جعلهم بعيدون كل البعد عن الشارع العراقي وما يمر به من أزمات هذا إن لم يكونوا هم من سبب تلك الأزمات, وكما يقول المرجع الصرخي في تعليق له على إحدى الموارد التاريخية التي تتناول جانب من حياة الخليفة العباسي المستعصم والتي كانت سبباً في سقوط بغداد بحسب ما ينقله ابن العبري في كتابه ” تاريخ مختصر الدولة ” (( وفي سنة أربعين وستمائة (640هـ) بويع المستعصم يوم مات أبوه المستنصر: وكان صاحبَ لهوٍ وقَصْفٍ – صاحبَ لهوٍ ولعبٍ وافتنانٍ في الطعام والشراب- شَغِف بلعب الطيور – كان كما يسمى الآن مطيرجي – واستولتْ عليه النساء, قليلَ العزم كثيرَ الغفلة عمّا يجب لتدبير الدول, وكان إذا نُبّهَ على ما ينبغي أنْ يفعلَه في اَمر التتار، إمَّا المداراة والدخول في طاعتهم وتوخّي مرضاتهم، أو تجيّش العساكر وملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكنهم واستيلائهم على العراق فكان يقول: {أنا بغداد تَكْفيني، ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد، ولا أيضًا يهجمون عليّ وأنا بها وهي بيتي ودار مقامي} فهذه الخيالات الفاسدة وأمثالها عدلتْ به عن الصواب فأُصيبَ بمكاره لمْ تخطر بباله))…
فكان تعليق المرجع الصرخي على هذا المورد ضمن المحاضرة الثانية والأربعون من بحث ” وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ” حيث قال {{… يا ترى هل تعرض لغزو قبل غزو هولاكو حتى دخلت له المخدرات والحشيشة كما حصل ويحصل الآن في العراق وأفسدت أخلاق البنات والأبناء الشباب والصبيان والأطفال والرجال والكبار، جريمة ما أعظم هذه الجريمة التي حلت بالعراق والشعب العراقي والرموز منشغلة بالمكاسب والأموال والواجهات والمجتمع يسير نحو الانحطاط الأخلاقي والفقر والمجاعة، نحو التشريد والتهجير والإلحاد والارتداد، فلا نعلم هل أخذ الحشيش أو المخدر حتى يتحدث الخليفة بهذه الكلمات وهذه المعاني …}}.
فما حل ويحل بالعراق من تفشي تجارة المخدرات خصوصاً بين الشباب العراقي وما ينتج عليها من أضرار فردية وإجتماعية لها مردود سلبي جداً على الدولة العراقية وكذلك كثرة الأزمات الأخرى هو بسبب إنشغال الرموز بالمكاسب والأموال والواجهات, فكما كان سبب سقوط بغداد هو الخليفة العباسي فإن سقوط العراق الآن هو بسبب القادة والرموز.