22 ديسمبر، 2024 11:08 م

العراق بين غزو الكويت وغزوة سنجار!

العراق بين غزو الكويت وغزوة سنجار!

لقد عانت شعوب العالم من ثقافة الغزو وسلوكياته البدائية وخاصة في منطقتنا الشرق أوسطية ولمئات السنين بين القبائل والعشائر، وتسببت في انهر من الدماء والدموع، وكوارث مرعبة اختلطت فيها الانساب وتاهت بين الغازي والمغزي، ورغم كل اشراقات الإسلام وبقية الأديان وسماحتها لكنها لم تنجح لمئات السنين في ايقافها بالمطلق فاستمرت بين كثير من تلك العشائر والاقوام حتى الى ما قبل اقل من مائة عام، حيث تقلصت مساحاتها بين القبائل بانتشار المدنية والتعليم والوعي الإنساني، لكنها انتقلت الى اشكال وأنماط أخرى تمارسها دول وأنظمة سياسية أو منظمات دينية او قومية او عرقية تحت عناوين واهداف عديدة، معتمدة ذات النهج والسلوك في الغزو البدائي، فتقتل الرجال وتستعبد الأطفال وتسبي النساء، ثم تمارس تجارة البيع والشراء!
ولعل العراق كان واحد من تلك الساحات التي مارست الغزو على مستوى العشائر والقبائل ثم بعد أن انحسرت، أخذت طابعا آخرا تمارسه السلطة الحكومية او منظمات دينية متطرفة، وفي كل الحالات كانت نتائجها كارثية يدفع فاتورة حسابها الأهالي، ورغم أن كوارث العراق كثيرة ولا تحصى إلا إن أكثرها إيّلاماً ومأساةً، هي تلك التي وقعت في شهر آب من عام 1990 وآب 2014، حيث دفع فواتيرها شعب العراق مالاً ودموعاً ودماء، والعجيب أن الكارثتين تنبعان من ذات النهج والتفكير الشمولي والعقائدي الإقصائي، ففي الأولى قرر شخص واحد أن دولة بأكملها شعباً وتاريخاً وحضارةً يجب إلحاقها كمحافظة من محافظاته التي كانت تأنُّ تحت وطأة العبودية، وخلال ساعات ورغم أنف كلّ الحكماء والعقلاء وتهديدات الأعداء ونصائح الأصدقاء، غزا الكويت بشكلٍّ همجي بربري، وضمها إلى مملكة الفقر والرعب والإرهاب في سابقةٍ لم تحصل منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أدّت عملية غزو الكويت إلى تدمير العراق ومنشآته الصناعيّة والزراعيّة والثقافيّة والعلميّة والبُنى التحتية من الطرق والجسور ومحطات الكهرباء والماء وكل المعامل المنتجة على مختلف اختصاصاتها، ناهيك عن مقتل مئات الآلاف وتدمير الجيش العراقي كلياً وإخراجه عن الخدمة الفعلية، خاصةً في قوّاته الجويّة والمدرعة والصاروخيّة، وقد دفع العراق منذ ثلاثين عاماً أكثر من خمسين مليار دولار تعويضات للكويت وما يزال يدفعها مقطوعة من أفواه أبنائه وبناته!
ولأن نهج ذلك النظام، الّذي تسبب بتلك الكارثة كان مزروعاً في عقول من اتبعوه أو أيدوه، خاصةً أولئك الذين استقدمهم قبل إسقاط نظامه، وهم عدّة آلاف من الإرهابيين العرب والمسلمين من كلّ أصقاع العالم وجلّهم من تنظيمات القاعدة والفرق المتطرفة والمتشددة دينياً أو قومياً، حيث أنشأ لهم معسكرات وتدريبات لمساعدته في مقاومة التحالف الدولي والعمل خلف خطوط العدو، وحينما سقطَ (داحت) تلك المجاميع من المنحرفين ونظمت نفسها تحت قيادات قاعدية الأصل، انشقت لتؤسس عصابة جديدة أصبحت فيما بعد تُسمى بــ” تنظيم الدولة الإسلامية داعش “، التي انضم إليها الكثير من الضباط وعناصر المخابرات والاستخبارات والأمن الخاص للنظام وبقايا فدائيو صدام.
ومع ضعف النظام السياسي الجديد ومناكفاته وفساد قياداته وخصوماتهم فيما بينهم، استطاع التنظيم وبالتعاون مع مفاصل مهمة في الحكومة الاتحادية وملحقاتها أن يسيطر على محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من كركوك واقترب من ثغور كوردستان، لكي يوقع واحدة من أبشع جرائم العصر في سنجار أو شنكال كما يطلق عليها أهاليها، وهي مدينة تقع في الشمال الغربي من مركز الموصل بحدود 120 كم، وتضم غالبية إيزيدية كوردية، حيث وقعت الكارثة الثانية والتي تعدت في تفاصيلها ومآسيها كل ما حدث من حروب في التاريخ المعاصر، حيث غزّت مجاميع من شذاذ الآفاق والأخلاق والأديان مدينة آمنة، تضم بين ثناياها أكبر الديانات في العراق وكوردستان بعد الإسلام والمسيحية، ألا وهي الإيزيدية، وخلال أيّام قليلة من اجتياح المدينة وقرّاها تمّ قتل واختطاف آلاف المواطنين من الرجال والنساء والأطفال، وحسب هذه الإحصائية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة والحكومتين العراقية والكوردستانية، وكنتائج لجريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبتها داعش أو ما يُسمى بـ ( تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ) بحق الإيزيديين بتأريخ 03-08-2014 حيث تمّ توثيق الجرائم والانتهاكات، التي طالت مدينة سنجار وأطرافها وبالأرقام وحسب الجدول الآتي:
– عدد الشهداء في الأيّام الأولى من جريمة الإبادة 1293 شهيداً من الشباب والشيوخ.
– عدد المختطفين 6417، منهم: الإناث 3548 والذكور 2869 وغالبيتهم من الأطفال.
– عدد الأيتام الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم 2745 يتيماً ويتيمة.
– عدد المقابر الجماعية المكتشفة في المدينة وأطرافها حتى الآن 83 مقبرة جماعية، إضافة إلى العشرات من القبور الفردية.
– عدد المزارات والمراقد الدينية التي أزيلت من الوجود من قبل داعش 68 مزار ومعبد.
– عدد النازحين بلغ نحو 360,000 نازحاً، وهم جميعاً من سكان القضاء.
– عدد الذين هاجروا منهم إلى الخارج يقدر تقريباً بمائة ألف نسمة.

وإثر ذلك تمّ تشكيل خلية أزمة من قبل حكومة كوردستان، أطلق عليها مكتب تحرير المختطفين، حيث استطاعت ومنذ 2015 وبمختلف الوسائل إنقاذ الكثير من النساء والأطفال، وحسب الجدول أدناه:
مجموع المحررين والمحررات 3530 منهم 1199 من النساء و339 من الرجال و1041 من الأطفال الذكور و951 من الأطفال الإناث، وما يزال هناك أكثر 1308 من النساء و1579 من الرجال مفقودين ويتم البحث عنهم.
وبين 2 آب 1990 و3 آب 2014 تمتد خيوط الكوارث، التي نسجها الفكر المتطرف والعنصرية القومية البغيضة والطائفية المقيتة، والتي تمثلت بنظام شمولي لا يقبل أحداً غيره، ومجاميع أصولية عمياء كفرت بكل القيم والمعاني السامية للإنسانية لتقترف ذات الجرم أو الغزو الذي قام به صدام حسين في الكويت وقبلها في كوردستان وأنفالاتها، هذه الغزوات التي قادت البلاد والعباد إلى كوارث ستبقى نتائجها وجروحها لعشرات السنين القادمة!
[email protected]