كثر الحديث عن ألارهاب دون تشخيص خريطته ومعرفة مصادره , وكثر الحديث عن فوضى ألاحزاب دون معرفة خريطتها وتسمية أسمائها , وسبب عدم التشخيص يكمن في أرباك عام في عملية التفكير يستوي فيها الرجل والمرأة المدني والعسكري , الحزبي وغير الحزبي , المعمم وغير المعمم , السياسي وغير السياسي , المثقف وغير المثقف , المسلم والمسيحي , العربي والكردي والتركماني , المتدين والعلماني .
وخريطة عدوانية ألارهاب : تمتد من البدايات ألاولى للآنحراف , ولذلك فهي موغلة في التاريخ , يمثلها قابيل الذي قتل أخاه هابيل حسدا وغيرة , ويمثلها نمرود الذي قال : أنا أحيي وأميت ” ثم كان أخوة يوسف ممن أسسوا للآرهاب بنفوس يملآها الحسد وحب ألانتقام , وكانت زليخة زوجة عزيز مصر ” بوتيفار ” من رواد ألارهاب الجنسي , ثم ظهر فرعون الذي قال ” أنا ربكم ألاعلى ” فأصابه الغرق ولم يفلح , وقارون الذي كان من قوم موسى فبغى عليهم نتيجة المال والثروة , فخسف الله به ألارض , ثم جاء دور الذين أرادوا بعيسى بن مريم سوءا فرفعه الله اليه وكان الله على كل شيئ قدير , وشهدت مكة المكرمة بيت الله الحرام أرهاب القبائل فكان : أرهاب ” جرهم ” وطياغنهم الذي قال شاعرهم :-
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ثم كان أرهاب ” خزاعة ” التي عشقت الخمرة ولم تراع حرمة البيت الحرام , فكانت الحرب بينها وبين جماعة ” قصي ” من الغساسنة من أطراف الشام ومن عرب مكة الذين عرفوا لاحقا بقريش , ثم طغت ” قريش ” ومارست أرهابا أمتدت ذيوله لتحارب نور محمد بن عبدالله وماجاء به من البرهان الساطع في كتاب يدعو للحق ونزل بالحق .
وأستمرت لوثة الفكر تؤسس لآرهاب يتطاير شره في بلاد الروم وألاغريق وألاكاسرة عبر خريطة ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ” وأجتمع أرهاب تلك المحاور عبر المرعوبين من الحق , الناكرين للصدق وماجاء به وحي السماء , فكان اليهود ممثلين لذلك ألاتجاه الذي تمثل في قتل أنبياء الله أما جسديا كما حدث لنبي الله ” يحيى ” الذي يعرف عند المسيحيين بيوحنا المعمدان , أو قتل مبادئهم كما فعلوا مع موسى وعيسى والنبيين من قبلهم .
وتركز محور ذلك ألارهاب بالكراهية التي قوبل بها دين ألاسلام ” لتجدن أشد عداوة للذين أمنوا اليهود ”
وكان كعب ألاحبار ممثلا لنمو الكراهية ورعاية الفكر ألارهابي من خلال أندساسه وأختلاطه بمجتمع المدينة , فكان هذا الخط مراقبا ومحرضا في معركة ” بدر ” وشامتا في معركة ” أحد ” ومنازلا مهزوما في معركة ” خيبر ” ومعركة ” الخندق ” وألاحزاب , وناشرا للفتنة والنفاق في كل المواقف وألاحداث , وعندما خسر المواجهة , كانت له محاولات في تشويه المفاهيم عن ” الله ” و ” المعاد ” والجنة والنار ” وألانبياء ” و” المؤمنين ” وأخبار ألارض والسماوات ” و” العصمة ” و” التقية ” و ” الشفاعة ” و ” الغيب ” و ” العرش والكرسي ” و ” الملائكة ” فتأثر البعض بتلك المفاهيم المشوهة مما جعل البعض منهم لايستوعب ثقافة ” ألاصطفاء ” و ” الذرية الصالحة ” وعندما ظهرت مجموعات لم تكن قد أمنت حقا وصدقا برسالة محمد بن عبد الله , لذلك وجدت في مجموعة المفاهيم المشوهة ضالتها فأنحازت اليها ووظفت ذلك التشويه لصالح وصولها الى السلطة , فكانت جماعة الناكثين , والقاسطين , والمارقين الذين خرجوا على بيعة ألامام علي بن أبي طالب هي البيئة الحاضنة للآفكار المشوهة والتي أسست لمرحلة جديدة من ألارهاب الدموي الذي عبر عن نفسه عمليا في معركة كربلاء التي قادها ألامام الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله “ص” والقمع الدموي وألارهاب الفكري الذي مورس ضد ثورة ألامام الحسين أصبح محطة تأسيسية لكل ألارهاب الذي نراه اليوم والذي يدفع ضريبته أهل العراق ومعهم أهل سورية واليمن ولبنان وباكستان وأفغانستان وبعض مناطق القوقاس وتركيا .
وتجددت خريطة ألارهاب المعاصر بعد ظهور تلميذ خامل من أهل العتيبةفي بلاد نجد والحجاز قبل تسميتها بالسعودية بعد تحالف أل سعود مع أل الشيخ وهم من سلالة محمد بن عبد الوهاب الذي درس في البصرة ولما يكتمل تحصيله العلمي ألتقى بجاسوس بريطاني أدعى أنه رجل دين تركي وأستغل صحبته مع الطالب المبتدئ محمد بن عبد الوهاب ليزرع عنده الشك في الكثير من العقائد والمفاهيم ألاسلامية فأخذ محمد بن عبد الوهاب من هذه الشكوك ومن ترسبات تاريخية مثلها أنحراف الرواية وما حملته من مفاهيم مغلوطة تمتد لمرحلة ” كعب ألاحبار ” والذين أدعوا التصدي قبل أكتمال تحصيلهم والذين عبر عن معاناة الناس معهم الشاعر أبو العلاء المعري عندما قال :-
أجاز الشافعي فعال شيئ .. وقال أبو حنيفة لايجوز
فضاع الشيب والشبان منا .. وما أهتدت الفتاة ولا العجوز
ثم كان أبن تيمية الذي خالف علماء أهل السنة والجماعة في ” 15″ فتوى وقضية وهو صاحب شعار ” عليهم السيف المسلول الى يوم القيامة ” ويقصد بهم الشيعة كما جاء في كتابة ” منهاج السنة النبوية في نقض الرافضة والقدرية ” وأعتبرت مرحلة بن تيمية المتوفي سنة 728 هجرية هي المحطة التي أنطلقت منها وهابية محمد بن عبد الوهاب التكفيرية , ولآن المذهب السائد عند أل الشيخ هو مذهب محمد بن عبد الوهاب الذي لاتعترف به المذاهب ألاربعة لذلك عمد ت السلطة السعودية الى أدعاء أتباع مذهب ألامام أحمد بن حنبل ظاهرا ولكن في الواقع يتم التقاضي والفصل في المسائل الشرعية بناء على فقه بن تيمية ومنهج ودعاوى محمد بن عبد الوهاب الذي قامت تنظيمات القاعدة بناء على توجيهاته , وأسامة بن لادن لم يتح له التصدي لقيادة تنظيم القاعدة لولا حصول عائلته على مقاولة تجديد وبناء الحرمين الشريفين في الثمانينات بقيمة ” 50 ” مليار دولار وبسبب ذلك أسس مصنعا للكيماويات في السودان الذي حاصرته وضربته أمريكا , ولذلك ألتحق بأفغانستان بعد قيام الحرب ألافغانية وعرفت بعدها ظاهرة ألافغان العرب والتي ساهمت بتمويلها السعودية من خلال شركة المقاولات العامة , والتي جعلت رفيق الحريري اللبناني ممثلا لها فيها ومن هنا حصل الحريري على ثروته ولذلك يقيم سعد بن رفيق الحريري في جدة بالسعودية , فخريطة ألارهاب الذي يضرب العراق وسورية ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان هي خريطة سعودية تأسيسا وتمويلا ولكنها حاولت عدم الظهور العلني بعد أحداث ” 11 ” أيلول التي ضربت أبراج التجارة في أمريكا والتي لازالت لغزا لايستبعد الصهيونية منها .
أن ثقافة حزب ألاخوان المسلمين تستمد من ثقافة بن تيمية بينما يستمد حزب التحرير من ثقافة بن تيمية أكثر مما يستمد ألاخوان , ولآن فكر أبن تيمية هو التأسيس لفكر محمد بن عبد الوهاب , لذلك يشترك ألاخوان مع الوهابية في مشتركات ثقافية عقائدية , ولكنها غير كافية لولاء أل سعود الذين جعلوا بروح قبلية مشتركاتهم في السلطة مع الوهابية لذلك لايميل أل سعود الى ألاخوان , بينما ظل تحالف أل سعود مع أل الشيخ ولاء سلطة ومصير عبر عنه نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي الذي أوصى عند وفاته بأن يدفن في مقبرة بن باز تعبيرا عن ولائه للوهابية , فخريطة الوهابية التي تشمل كل المسميات التي ظهرت مثل ” دولة العراق ألاسلامية ” وجبهة النصرة , ثم لواء التوحيد , وكتبية الفاروق , وكتيبة الصديق , وكتيبة عبد الرحمن بن عوف , وأحفاد الرسول , وأحرار الشام , وكتائب ثورة العشرين , وجيش الخلفاء , وأحفاد عائشة , وكتيبة خالد وأسماء غيرها كثيرة هي تشكيلات لخريطة ألارهاب الدموي التكفيري الذي يضرب العراق وسورية واليمن ولبنان وباكستان ومناطق أخرى , وهذه التشكيلات التي يفجر بعضها في العراق في اليوم الواحد عشرات السيارات وعشرات العبوات وألاحزمة الناسفة وهذه تحتاج الى الكثير من المال , وهذا المال لايمكن أن يكون جاهزا لولا وجود المال الخليجي ” قطر – السعودية – الكويت – ألامارات – البحرين – سواء كان مالا من أجهزة رسمية ومسؤولين مثل بندر بن سلطان , ومحمد بن سلطان المقيم في ألاردن , وسعود الفيصل وزير خارجية السعودية الذي أعلن أكثر من مرة بضرورة ضرب سورية وتجهيز المعارضة المسلحة وهذه المواقف بالضرورة هي المسؤولة عما يجري من عنف وأرهاب في العراق لآن خريطة ألارهاب واحدة .
أما فوضى ألاحزاب في العراق , فهي التي لم تجعل الدولة العراقية قادرة على مواجهة المجموعات المسلحة بكفاءة وخبرة , فهذه لبنان مثلا على صغرها وقلة مواردها المالية وهذا حزب الله في لبنان أستطاعوا أكتشاف من يقف وراء تفجيرات الضاحية في بيروت بسرعة قياسية , وقتل مفجر الرويس ” زياد ألاطرش ” في جرود عرسال ” بعد فترة قصيرة , بينما لم نشهد مثل ذلك في العراق رغم كثرة التفجيرات وتعددها , مما يعني أن فوضى ألاحزاب التي تقود الدولة والحكومة تقف وراء ذلك , فالمحاصصة قضت على الكفاءة والخبرة ومفهوم الرجل المناسب في المكان المناسب .
وأحزاب العراق التي تشكل خريطة العمل الحزبي هي كل من حسب الظهور :-
1-الحزب الشيوعي : فكر خاطئ + منتمين أتباع لمن هو من خارج الوطن .
2-حزب البعث : أنعدام الفكر + أتباع مقهورين
3-أحزاب قومية : فكر مشوش + أتباع مشوشين
4-حزب الدعوة ألاسلامية : فكر صحيح + رجال صالحون في مرحلة التأسيس , أما في مرحلة الحكم ألان – فكر مغيب + رجال فاسدون .
5-الحزب ألاسلامي ” أخوان ” : فكر يخلط بين السلفية والفكر الديني التقليدي + رجال تتقاسمهم الطائفية والعشائرية .
6-المجلس ألاعلى ألاسلامي – فكر هجين + أتباع مرتزقة
7-التيار الصدري : فكر صحيح مصحوب بمغالاة + تجربة لم تكتمل + قيادة تنقصها الخبرة
8-حزب الفضيلة : مرجعية مشكوك في وثاقتها + أتباع مصالح وأهواء .
9-ألاحزاب الكردية : فكر عنصري + قيادات متخاصمة + أتباع خليط من القوميين والعنصريين والمتدينين .
10- العشائر : أنتماء وجودي تكويني + أهواء ومصالح .
11- المرجعيات الدينية : فكر صحيح + ممارسات تنقصها التقوى .
هذه هي خريطة المعاناة التي تشكل أبتلاء العراق والعراقيين والخلاص من ذلك : يستلزم العودة الى الهوية الوجودية ” ألانسان + الوطن ” فقد ثبت بالتجربة فشل كل ألاحزاب وفشل كل الحاضنات ” مرجعيات وعشائر ” في أيجاد الحلول والخلاص مما يعانيه الشعب العراقي .
وألانتخابات القادمة هي مدخل مناسب للخلاص ولكن بعد العمل على توعية جادة وحقيقية بأستبعاد الفاشلين والفاسدين وأنتخاب أصحاب الكفاءة والخبرة وهم موجودون , ولكن خريطة ألاحزاب غيبتهم قصدا وعمدا , حتى ليكاد عمل ألاحزاب عملا مدانا يقترف فعلا من أفعال الخيانة , فهل ينجح العراقيون في مشروع من هذا المستوى حتى يدخلوا التاريخ كما دخلوه سابقا , وكما دخلته شعوب وأمم معاصرة