23 ديسمبر، 2024 10:35 م

العراق بين دعوات الإقليم وفتاوى التخوين والتحريم

العراق بين دعوات الإقليم وفتاوى التخوين والتحريم

بدلا من أن تكون إنتفاضة أهل الأنبار والموصل وصلاح الدين وكركوك، في وجه الظلم والتعسف والتهميش والإقصاء والسياسات الطائفية لحكومة المنطقة الخضراء، بدلا من أن يكون هذا مدعاة لتوحيد صف كل المحبين للعراق والمقاومين للظلم والتجبر، فإننا للأسف بدأنا نلاحظ إسفافاً في بعض البيانات والتصريحات والكتابات. كان على الجميع أن يتناسوا خلافاتهم جانباً ويتوحدوا من أجل إنقاذ العراق نراهم يكيلون لبعضهم الإتهامات بل والتحريض المبطن على القتل.
من المؤسف جدا أن ينزل الجدال الدائر اليوم بين بعض أنصار الإقليم ومعارضيهم حد الإسفاف والسباب والتخوين ونزع رداء الوطنية عن الآخر المعارض. ولا أظن أن هذا الجدل الذي تحزم له البعض بفتاوى استحلبت من علماء أجلاء، نكن لهم التقدير والإعتزاز جميعهم بلا استثناء، وكان يفترض بكل الخيرين من أبناء العراق المعادين للطائفية والظلم أن تتوحد صفوفهم ويكونوا على قلب رجل واحد وبخاصة في مثل هذا الظرف العصيب.
موضوع اللجوء إلى حل (الإقليم) أو الفيدرالية كما نصّ عليه الدستور، هو حل سياسي، يرى كثير من المختصين في الفقه الدستوري أنه ضمانة لتخليص المحافظات من تغوّل المركز وتسلطه، وهو نوع من الإدارة اللامركزية وأنه لايعني البته التقسيم أو الإنشطار أو تكوين دولة جديدة. في حين يرى معارضو الفيدرالية أو الإقليم، بأنها تؤدي إلى تشتت القوى وإضعاف العراق وأن القيود التي وضعها الحكم في العراق من خلال الدستور وقانون الاقاليم لاتعطي سلطات الاقاليم تلك الحرية التي تماثل ما حصل في كردستان.
 أيا كان الأمر، فلكل مبرراته، ولكل حججه، كما أن الكل متفق على أن يبقى العراق واحجاً موحداً وما الإقليم الا طريقة من طرق سياسة الحكم في العصر الحديث. ولكن المشكلة أن بعض السياسيين جندوا البعض من علماء الدين الأجلاء وكلهم نجلهم ونحترمهم ونقدر علمهم ولكن اقحام علماء الدين في شأن سياسي واصدار الفتاوى المسيسة امر لا يخدم وحدة الشعب العراقي ولا يزيد العراقيين إلا تمزيقا.
فتاوى متناقضة من علماء دين وشريعة أجلاء وكل منهم يستند إلى آيات القرآن والأحاديث الشريفة، وكل منهم لديه حججه واسناده، ماكنا نود أن يحشر رجال الدين أنفسهم في شأن سياسي، ونظام حكم للادارة وهي امور خلافية لا تتطلب الفتيا من رجال الدين.
يتناسى هؤلاء بأن متظاهري الأنبار والموصل والفلوجة وصلاح الدين رفعوا لافتات المطالبة بحل الأقاليم لأنهم يرونها الخلاص المؤقت من طغيان المركز، وبالتالي فإن هذه الهجمة هي إهانة للمنتفضين، أو لنقل – بالأصح – لنسبة لايستهان بها منهم. وكم يؤسفنا أن نقرأ مقالات لأشخاص كنا وما زلنا نجلهم ونحترمهم، سواء لعماماتهم أو شهاداتهم أو لكبر سنهم، يؤسفنا أن نقرأ لهم مؤخرا كتابات غير لائقة فيها الطعن بالآخرين وتكفيرهم وتخوينهم وباستخدام أقذع العبارات غير اللائقة، مثل عبارات (النعيق والعمالة للصهيونية ..) بحق كوكبة من خيرة علماء العراق الأجلاء  لمجرد تأييدهم الدعوة لإقامة الأقليم، الذي يقي أهل المحافظات السنية من شرور إيران وعملائها، وكما قلنا ان مسألة الأقاليم مسألة سياسية إدارية تحتمل النقاش والرأي ولا توجد حرمة نهائية وقاطعة في هذا الأمر لأنه كله مرتبط بالمصلحة مصلحة العباد والبلاد.
ﺇﻥ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺘﺤﺮﻳﻢ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻷ‌ﻗﺎﻟﻴﻢ ﻭﺍﻟﻮﻻ‌ﻳﺎﺕ، (ﺃﻭ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰﺑﺎﻟﻔﺪﺭﺍﻟﻴﺔ) ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻻ‌ﺗﺤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ، ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷ‌ﻣﺮ ﺍﻟﻴﺴﻴﺮ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻵ‌ﻳﺎﺕ ﻭﺍﻷ‌ﺣﺎﺩﻳﺚﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﺕ ﻓﻲ ﻓﺘﺎﻭﻯ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺗﻤﺰﻕ ﺍﻷ‌ﻣﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ ﻭﺧﺮﻭﺝ ﻓﺌﺔٍ ﺑﺎﻏﻴﺔٍ ﻋﻠﻰﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﺩﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﺪﻝ، ﻓﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﻧﺤﻦ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﻣﻊ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷ‌ﺩﻟﺔﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻣﻮﺿﻮﻉ “ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻷ‌ﻗﺎﻟﻴﻢ” ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝﻋﻠﻴﻬﺎ ﻇﻠﻤﺎً  ﻭﻋﺪﻭﺍﻧﺎً ﻻ‌ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺗﻤﺰﻳﻖ ﺍﻷ‌ﻣﺔ ﻭﺍﻟﻤﺲ ﺑﻮﺣﺪﺗﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻔﺪﺭﺍﻟﻴﺔ ﻫﻲﻧﻈﺎﻡ ﺇﺩﺍﺭﻱ ﺍﺗﺤﺎﺩﻱ ﻳﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺇﻥ ﺃُﺣﺴﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻻ‌ﺳﻼ‌ﻡﻭﺍﺳﻊ ﻟﻜﻞ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﺖ ﻻ‌ ﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﻧﺺ ﺻﺮﻳﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ. أما الفتوى بقتل من يدعو للاقليم فهي تحريض على العنف والارهاب والاقتتال الذي يمنعه الاسلام.
إن محاولات البعض من أدعياء المقاومة، من مقاومي الفنادق والعواصم البعيدة، من أدعياء الحرص على وحدة العراق، لركوب موجة الإنتفاضة وحرفها عن مساراتها، وتمرير شعاراتهم التي أكل عليها الدهر وشرب، إنما يخدمون المالكي وسياساته ومخططات إيران من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
ليست الشطارة في استخدام الكلمات والعبارات البذيئة بحق كوكبة متميزة وناصعة من علماء الدين في العراق، فليس هناك اسهل من استخدام ذات عباراتهم التي يسوقون بها شتائمهم لكن العراق في هذا الظرف العصيب بحاجة الى التسامي على الترهات وترك السفاسف من الأمور، ووجوب التوحد تحت راية العراق وتخليص العراق من الاحتلال الايراني البغيض.