منذ انتخابات 2005 وانتاج اول مجلس نواب على الطريقة الغربية بنكهة قبلية قومية طائفية، والمؤسسة التشريعية العراقية ناقصة التكوين، حيث نص الدستور في مادته 48 على ان البرلمان يتكون من مجلسين هما مجلس النواب ومجلس الاتحاد، ورغم الحاح القوى الكوردستانية ومنذ الدورة الاولى لمجلس النواب على اصدار قانون مجلس الاتحاد والمباشرة بعمله استكمالا قانونيا، الا ان الاطراف المهيمنة على مراكز القرار استخدمت اسلوب المماطلة بحجج واهية منذ ذلك الحين، على خلفية مشروع آخر لم يعلن لتلك القوى غايته استخدام بعض اليات الديمقراطية للوصول الى الهدف الاساسي في مركزة الدولة وتكثيف السلطات وحصرها بمكون واحد، وفي هذا السياق يرى كثير من المراقبين والقانونيين ومتخصصي الدستور، ان كل ما صدر من مجلس النواب يعتبر باطلا في ظل غياب مجلس الاتحاد، وهذا ما اجمع عليه اغلب فقهاء الدساتير في الدول العربية والاقليمية.
هذا السلوك في عدم تأسيس مجلس الاتحاد والمحكمة الدستورية يؤشر الى محاولة فرض نظام شمولي باستخدام هياكل ديمقراطية عرجاء كما في مجلس النواب والمحكمة الاتحادية التي لا تعتبر محكمة دستورية بل محكمة عادية اوكل اليها مهمة (الدستورية)، كما اوكل لمجلس النواب في تشريع قوانين منذ 2005 وحتى الان حسب مقاسات ما يسمى بالأغلبية، واخرهما قانون اخراج القوات الاجنبية وقانون الاقتراض الذي تسبب في تعقيد الوضع السياسي والعلاقة مع الاقليم بشكل خطير، والأنكى من كل ذلك تغول مجلس النواب واستحواذه على صلاحيات السلطة التنفيذية وارباكها بتدخلات ومشاريع طائفية بحتة تهدد المصالح العليا للعراق وكيانه السياسي، وما يحصل الان في محاولة تحجيم الاقليم وصولا لفرض النظام المركزي الشمولي التي تتضح سماته اليوم، ما هو الا خرق للنظام الاتحادي وصيغة التوافق بين المكونات لحساب مكون واحد، ومن خلال تفحص ما يجري منذ 2005 وحتى ظهور الميليشيات الولائية وتعملق نظام اللا دولة بدأت الدولة بالانحسار التدريجي لصالح ما يسمى بالأغلبية السياسية لطائفة معينة مع ملحقاتها التي تمت صناعتها او تدجينها لصالح تلك الاغلبية، خاصة وان احتلال داعش وما ترتب بعدها من هيمنة تلك الميليشيات على معظم محافظات المكون السني، لم يبقِ امامها الى الجدار الكوردي وحصريا جدار مسعود بارزاني، الذي بقي صامدا رغم ما تفعله هذه الاغلبية التي امتدت اذرعها الى كافة مراكز القرار العسكري والامني والاقتصادي، ناهيك عن النفط بكل مراحله من البئر وحتى التصدير، والمعابر الحدودية ومعظم العصب الاقتصادي والمالي في البلاد.
من هنا ندرك تماما لماذا بقي البرلمان بجناح واحدة، والنفط والغاز بدون قانون والمادة 140 لم تطبق، وشركة سومو حكرا لأصحاب الاغلبية، ناهيك عن 55 مادة دستورية وقانون متوقفة تماما أو مخترقة من قبل الذين يرفضون أي طلبات لتحويل محافظة او ثلاث محافظات الى اقليم، بل باشروا حربهم على الاقليم باجتياحهم للمناطق المشمولة بالمادة 140 باستخدام القوات المسلحة والميليشيات الطائفية في اكتوبر 2017م، فارضين حصارا اقتصاديا كبيرا على الاقليم وقطع حصته لخمس سنوات متتالية وتخفيضها فيما بعد من 17% الى أقل من 13% في محاولة لتحجيمه وزعزعة كيانه، مستغلة انخفاض اسعار البترول والازمة المالية الخانقة بسبب الوباء وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، ولذلك اؤكد بان الانتخابات القادمة إن تحققت لن تختلف عن سابقاتها الا بجديد اخطر وهو هيمنة التيارات المتشددة في البيت الشيعي السياسي وتحويل مجلس النواب الى سلطة تشريعية تنفيذية مركزية، مع وجود حكومة ضعيفة مُسيرة، ومؤسسة عسكرية اضعف، يقابلهم نظام اللا دولة ومؤسساته الميليشياوية التي احتوت معظم المؤسسة الامنية وتشكيلاتها على غرار التجربة الايرانية وربيباتها في لبنان واليمن.
* مثل شعبي مفاده ان رجلا تزوج بامرأتين الأولى صغيرة اسمها حانة والثانية كبيرة اسمها مانة والشيب لعب برأسها، فكان كلما دخل الى حجرة حانة تنظر الى لحيته وتنزع منها كل شعرة بيضاء وتقول يصعب علي أن أرى شعرا شائبا بهذه اللحية الجميلة، ثم يذهب الى حجرة مانة فتمسك لحيته وتنزع منها الشعر الأسود وهي تقول له يغيضني أن أرى شعرا اسود بلحيتك وأنت رجل كبير السن والقدر، ودام هذا الحال على هذا المنوال الى ان فقد لحيته تماما، فرأى بها نقصا وقال: بين حانة ومانة ضاعت لحانا!