27 ديسمبر، 2024 3:14 م

العراق بين الوسطية وسياسة المحاور

العراق بين الوسطية وسياسة المحاور

 

إن السياسة الدولية الناجحة؛ إحدى عوامل الاستقرار العالمي، إذا ما استثمرت بشكل جيد، يخدم المصالح العليا لكل الإطراف، وفقاً لمواثيق حسن الجوار، والاتفاقيات المشتركة بين الدول، بعيداً عن التأثيرات السلبية، والتمحور على أساس مصالح دول معينة دون الأخرى، ما يولد صراعاً دولياً، يفرض هيمنته ببروز أقطاب كبرى على حلبة الصراع.

من هنا تأتي أهمية النظر لمصلحة العراق كدولة إستراتيجية على المستوى العالمي، كانت وما تزال تشكل نقطة الصراع بين القوى المتصارعة سابقاً، والمحورين الشرقي والغربي حالياً، ما أضر بمصالحه السياسية والأمنية والاقتصادية والتنموية، وانعكس بشكل كبير على حياة المواطن، الذي أصبح عاجزاً عن رسم مستقبله، بعيداً عن هواجس التبعية، والتدخلات الخارجية، ذات التأثير السلبي على العراق، خاصة بعد عام 2003.

رغم محاولات بعض الإطراف الوطنية، للخروج بالعراق من عنق الزجاجة، والابتعاد عن دخوله ضمن سياسة المحاور، إلا إن تلك المحاولات لم تحقق حالياً أهدافها، لأسباب كثيرة أهمها؛ إن الكثير من القوى السياسية العراقية الفاعلة لا تريد إن تنهض بالمسؤولية الملقاة على عاتقها، وتتخذ القرارات المصيرية؛ التي تنطلق من مبدأ وحدة العراق وسيادته، واستقلال قراره، بعيداً عن علاقاته الخارجية؛ العقائدية والتاريخية.

العراق ما بعد تغيير 2003؛ أخذ منحى واضحاً بالانحياز لجهات إقليمية، وفقاً لارتباطاته العقدية بالخارج، إذ لا ننزه الأنظمة السابقة، وما جلبته للوطن من ويلات، بسبب دخولها تحت مظلة الانتداب والوصايا، والاحتلال والتحالفات الإقليمية، والمعسكرات الجهوية، لكن لكل مرحلة ظروفها الخاصة، فعراق 2017 يختلف جذرياً عن؛ عراق 1921 و1936 و1958 و1980، ونعتقد إن الجميع بحاجة لفهم واقعي لمستقبل المنطقة عامة.

الكل مقتنع؛ إن ما يحصل في العراق من تراجع أمني، ودمار اقتصادي، وخراب بنيوي، نتيجة تدخل بعض دول الجوار في شأنه الداخلي، وفرض أجندة عليه من خلال ارتباط بعض الأحزاب والشخصيات بدوائرها السياسية، فقد لعبت منابر الفتنة، وأموال النفط دوراً كبيراً في عدم استقرار البلاد، وجره لمعارك طائفية، أخرها دخول عصابات داعش الأراضي العراقية، وما اتبعها من كوارث بشرية ومادية.

نجد إن الظروف الحالية، والرؤى المستقبلية، توجب البحث عن الحلول الممكنة لإنقاذ العراق، لاسيما بعد انتهاء مرحلة داعش، فوحدة الموقف الوطني، والخروج بقرارات حاسمة، يعطي انطباعاً بالرغبة الجامحة، لأن ينأى العراق بنفسه عن الصراعات الجانبية، وعدم الاصطفاف ضمن محور معين على حساب علاقاته الأخرى، فالوسطية والاعتدال اللتان يتبناهما تيار الحكمة الوطني؛ أفضل المعطيات المرجحة لدرء الخطر عن العراق بالمرحلة القادمة.

لذا إن التصريحات غير المدروسة لبعض القيادات السياسية؛ بالضد من هذا الطرف أو ذلك، وبالمقابل ستكون هناك تصريحات مشابهة، تدافع عن الإطراف الأخرى، دليل إن أغلب ساسة العراق؛ دخلوا ضمناً أو سيدخلون مباشرة في سياسة المحاور الدولية، التي ستبقي العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، على حساب دماء أبنائه، وتبديد ثرواته.