23 ديسمبر، 2024 6:27 ص

العراق بين القبلة والقنبلة

العراق بين القبلة والقنبلة

إذا أريد للعسل أن يُراق بين أجمل شفتين ، فليس هناك سوى العراق ، شفتان لضفتين من اللهفة ( دجلة والفرات ) وإذا أُريد للقبلة أن تطبع أجمل لحظات لقاء المودة فأرض العراق لها حظوة العناق ، لآن العراق مؤسس لعاطفة أول شوق حين حرك النسيم ضفائر اللهفة في عشق شبعاد لتعزف اول قطعة موسيقية لقبلةٍ طبعتها عشتار على خد انكيدو وهو يفارق جلجامش خله بموت أسطوري ليواجه ملك أوروك لحظة مصير البحث عن الخلود لوحده.

ويبدو إن هاجس (وحدهُ هذا) ظل لصيق الذاكرة العراقية وأقدارها منذ شعور الإحباط بضياع حلم جلجامش يوم اكلت الافعى العشبة .

لهذا بقيَّ العراقيون يمتلكون الشعور الذاتي بأنهم يستطيعون دوما تجاوز محنهم من خلال تلك العشبة التي ستأتي بمعجزات لا تحصى ومنها تخليص البلاد من أزماتها .

والأن أفترضُ أن جلجامش عاد الآن ، ولديه طريقين لبحثهِ الجديد من أجل أزل وخلود وطن تحيط به أعاصير العنف والتقسيم  والتظاهرات وشبح الفوضى (لا سامح الله ) .

واحد مؤشر بإشارة قبلة ، وآخر إشارته قنبلة .

الآن يأتي الخيار التأريخي للجلجامش الجديد ( بين القبلة والقنبلة ) .

فالأولى رقيقة ولايمكنها ان تهزم داعش المعتوه الذي يتربع على صدر الدبابة سرقها من محنة ضياع الموصل .وبالرغم من هذا فالعراقي ومنهم الملك السومري يدركون أن القبلة مساحة لصناعة الأمل وعليها أن تسلك بعاطفتها الطريق الأجمل لزرع مواسم ربيع عراق خالٍ من مفخخات الموت والخراب ( والنعي ) لهذا توكل على الله وأبي الحسنين وأشراف طرائق المدرسة البغدادية ومضى يحمل قيثارات الحب ويصنع منها القبلات والأمنيات ، وجال مثلما إبن بطوطة في رحلته الموسومة ( تحفة النظار في غرائب الاسفار وعجائب الأمصار ) ليرى العراق ويصفهُ : ( بلاد زينها الله بالحسن الغريب وأعطاها كل شيء )..

ومشى يوزع قبلاته في مظاريف الرسائل وعلى باقات الورد ، في بطاقات التموين وقوائم الراتب وأرغفة الخبز وحتى على دموع الأمهات المغدورات ، ومرات تجرأ وأستسمح وزراءً وقادة شرطة ومترجمين ليطبع على خدودهم رغبته التي حملتها القبلة بمعنى أن يبقى الوطن وطن للجميع وليس ( بطيخة للمحاصصة والفساد والبيع ) .

جال ومشى ..زار الزبير وعين كاوه والشنافية والحي وبيجي وسوق الشيوخ والفلوجة والمقدادية ووصل حتى آخر دكة حدودية في قضاء بنجوين .

وعاد ليكتب تقريره الى الالهة وليس الى بان كي مون ، وكان في العين دمعة وفي الحلق غصة إن القبلة لم تعطي مفعولها

ولهذا أُقترحَ عليه أن يبدلها بالقنبلة .

 ولأنه لم يتعود على عنف الديناميت ، إلا إنه جربها مغلوبا على حسرته فرآها تقتل الأمريكان والعراقيين معا ، ولأنه يرى في الجسد العراقي ( راسمالاً لايعوض ) .ودع القنبلة وجلس مع حيرته .

أغمض عينيه لينام تحت سدرة آدم  ع في القرنة ملتجأً الى حكمة من ولدنا من صُلبه ..

آدم ع سرب طيفه خياراً لحلم الأنبياء وهمس اليه بالعودة الى درب القبلة فهو الأمل الذي قد يوصل أمنية الإنسان ليكون تحت ظل خيمة وطن ، لا تحت ظل خيمة بدن ممزق بالمفخخات.

مرة أخرى تعود القبلة خياراً لجلجامش الجديد ولكنه زرع فيها هاجسين .واحد للربيع ، وآخر للصيف ..وسيظل يجرب حظه مع الفصلين لحين يفرجها الله على الناس والوطن .

 فإن كان الهوى ربيعيا عند أهل الشورى والامر أعطاهم الربيع بقبلاته ووروده وسماحته وتقواه ..وان أحس بأن العراق مع القبلة والورد سيظل ناعساً كل عمره وموزع بين الدبابة   ودشاديش قندهار فأن الصيف سيكون لهبا على كل الذين يريدون في العراق شراً ومسخاً لذاكرته وحضارته وتأريخه ..