23 ديسمبر، 2024 2:14 م

العراق بين الفكين ….!

العراق بين الفكين ….!

تنتقل الثوابت الى متغيرات في العلاقات الدولية طالما أن هذا الخضم المتلاطم في بحر الأحداث يتنامى ويفضح المسكوت عنه من جرائم موت جماعي ، والمصالح الوطنية تنكفأ على إنتماءات طائفية –عرقية ، بدواقع تهمل المصالح العليا للوطن ومستقبله، ولامفاجأة هنا حين ينقلب الحليف الإستراتيجي الى عدو يفضل إزاحتك على إصلاحك أو بقاءك القلق .
نحن هنا أزاء دول ومنها العراق تسيرها سياقات عمل ومواقف سياسية استثنائية ، غير مستقرة ولاتحمل هوية ثبات وطني ، أو إتجاهات لبناء تجربة قومية مستقلة ، منتفعة من عناصر قوتها الداخلية الإقتصادية والإجتماعية ، إنما تخضع لتابعيات أو قطبيات أو حتى أمزجة شخصية وعاطفية لزعماء هذه البلدان المتشبثين بالسلطة على نحو يائس، يبيح لهم ارتياد ابشع مسالك الإنحراف والجريمة والفساد على حساب الوطن والمواطن .
روسيا تتدخل عسكريا ً في سوريا لإنقاذ النظام السوري ، بعد اربع سنوات من مقاومة نظام بشار الأسد ، أهدرت من أجل بقائه وحمايته مليارات الدولارات والآف الضحايا من السوريين والعراقيين والإيرانيين وغيرهم ، ناهيك عن تشريد وضياع نحو عشرة ملايين سوري ، ونشوء بيئة ارهابية كونية وتنظيم ” داعش ” وخراب أقليمي شامل يبدأ بتدمير المواطن والمدن وانتهاءا بتدمير الآثار والحضارة والثقافة ، والأمر يمتد من سوريا الى العراق في جزئه الشمالي والغربي .
التحالف اللروسي الإيراني السوري استدعى تدخل عسكري روسي ، بينما كان روسيا تعترض وتعلن الفيتو ازاء اي تدخل امريكي في سوريا ، وهنا نرصد تواطئ بين الدول الكبرى في تجميد مايسمى بالفيتو وشروطه ، تدخل روسي تقف وراءه جملة اهداف استراتيجية لروسيا وتواجدها في الشرق الأوسط على ضفاف البحر المتوسط ، كما يدخل في حسابات التوازن مع امريكا .
هذا الحلف يقابله وجود امريكي بتحالفات استراتيجية لها ثوابت في الشرق الأوسط وابرزها الحلف مع اسرائيل، ومع تركيا، ومع دول الخليج العربي، هذا الواقع الجيوسياسي وتقاطع المصالح والنفوذ ، يجعل العراق محشوراً بين كماشتين أو اكثر من تحالفات، لايعرف العراق أين موقعه منها …!
العراق يرتبط بمصالح ومعاهدة مع امريكا صاحبة مشروع التغيير السياسي للنظام بالعراق ، ومن طرف آخر فأن العراق أوسع واوثق ارتبطا ً استراتيجيا مع ايران على خلفية الإستقطاب الطائفي ..!
وفي الوقت الذي تعبر فيه امريكا عن رفضها وامتعاضها لاستخدام الطائرات الروسية الأجواء العراقية لنقل الأسلحة والمعدات والجنود الى سوريا ، تجد العراق يبحث عن قروض في أروقة البنوك الأمريكية لتسديد معاشات الموظفين والجنود وتكاليف الحرب ضد داعش .
تدرك امريكا تماما أن الواقع السياسي في الداخل العراقي يميل نحو ايران وسطوتها ونفاذ قرارها في كل الأمور الرئيسة في البلاد ، بذات الوقت فأن التهديدات التي تمثلها “داعش” لوجود النظام السياسي العراقي المتهرئ اصلا ، يستدعي تدخل وحماية امريكا ، ومن هنا فأن النظام السياسي العراقي الموالي لإيران لايستطيع البقاء دون حماية امريكية.
اسلوب الإستنزاف والمراوغة السياسية لايصمد طويلا وفق الرؤيا الأمريكية وتسارع الأحداث ، والثمن الدسم للعراق والخشية من انفلاته من القبضة الأمريكية ، فأن التقديرات تذهب الى ثمة اجراء جراحي قد تضطر له امريكا ، لتصحيح بنية وتشكيل النظام السياسي في العراق قريبا ً.