23 ديسمبر، 2024 11:54 ص

العراق بين الصراعات السياسية ومخاطر التقسيم!

العراق بين الصراعات السياسية ومخاطر التقسيم!

راهنت بعض الاوساط الداخلية والخارجية على الانتخابات النيابية الأخيرة، وصوّرتها على أنها بوابة الحل الواسعة للأزمات المتراكمة في البلاد. ومنذ إعلان النتائج التي اكدت أنها شبيهة بسابقاتها، بل أن البعض يعتقد أنها خطوة للوراء نسبة لما سبقها.. وجاءت جلسات مجلس النواب الجديد لتؤكد هذا الشعور إذ طغت السجالات والتناقضات والصراعات، ومن غير المتوقع أن تستقيم أعمال المجلس دون الاتفاق المسبق بين الكتل المتصارعة على تقاسم المؤسسات، وذلك نتيجة لعمق الخلافات بينها.
       لقد جرت الانتخابات في مناخ أزمة، بل أزمات مستفحلة فقد تفجّر الوضع منذ ستة أشهر في محافظة الانبار وسقوط الفلوجة، وفي ما بعد بعض المنافذ الحدودية مع سوريا ومناطق أخرى بيد القوى الارهابية، وازداد الوضع تدهوراً بسقوط الموصل وإعلان ما يسمى بدولة الخلافة ومن ثم سقطت مناطق أخرى في صلاح الدين وديالى وكركوك.. الخ.
       ونتيجة لعدم القدرة على معالجة المشكلات الكبرى وهشاشة الوضع الداخلي تشجعت قوى خارجية كثيرة وبخاصة بعض الدول الأقليمية لـتأجيج الأوضاع وتفاقمها، ولكن هذا كله لا يعفي الحاكمين والعملية السياسية من المسؤولية الكبرى لوضع البلاد في هذا المنحدر السحيق.
       إنّ السنوات الإحدى عشرة الماضية أكدت بشكل قاطع أنّ الثابت في السياسة العراقية هو المحاصصة والطائفية السياسية، وأن المتغير هو مشروع بناء الدولة، فقد اهتزّت أسس وقواعد العيش المشترك، واصبحت شعارات الأقاليم الطائفية والكونفدراليات طاغية في الساحة، بحيث لم تعد وحدة البلاد من المسلّمات المتفق عليها من قبل الجميع.. ولا نبالغ في التوصيف إذا أكدنا أن البلاد تعيش اليوم في ظل ثلاثة مراكز قوى، بل ثلاث حكومات في بغداد – واربيل- وحكومة الخلافة في الموصل. وبهذا يمكننا القول أن ما يزيد عن ثلث مساحة البلاد أصبحت خارج سيطرة المركز…
       كما أنّ الاحداث الأخيرة تخطّت في عنفها ومخاطرها سنوات العنف (2006-2007) بحيث أخذ يتولد شعور لدى المواطنين بفقدان أسس وقواعد العيش الآمن والكريم في ديارهم، فبدأت أعداد كبيرة من المواطنين تهاجر بحثاً عن ملاذ آمن في بلدان اللجوء، وتزايدت أعداد النازحين بشكل ملفت، فتشير احصاءات الأمم المتحدة الى ان العدد تجاوز (1,2) مليون بعد سقوط الموصل، كما تؤكد المصادر نفسها أن عدد ضحايا شهر حزيران الماضي بلغ (2417) قتيل و (2287) جريح، كما انعكس ذلك على الأوضاع العامة وقطاع الخدمات فتشير وزارة الكهرباء إلى أن (3500) ميغا واط كان من المقرر ان تدخل الخدمة ولكن هذا لم يحصل وذلك بسبب انسحاب الشركة الاجنبية المولجة بهذا العمل، كذلك انعكست صراعات القوى الحاكمة والتدهور الأمني الكبير على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالاقتصاد يعتمد بنسبة لا تقل عن 93% على النفط، وهو الآخر يتعرض لمشكلات كبيرة فهناك خلافات عميقة بين حكومة المركز وحكومة اقليم كردستان حول النفط والغاز، وتعقّد الموقف مؤخراً بشأن نفط كركوك، كما أن الاوضاع الامنية المتردية ستنعكس سلباً على الوضع النفطي وبخاصة على أوضاع الشركات الأجنبية العاملة في هذا الميدان. وان تراجع واردات هذا القطاع سيحدّ بشكل ملفت من قدرات البلاد الاقتصادية وسيزيد من نسبة الفقراء التي تشير الاحصاءات الرسمية الى أن نسبتهم تمثل 16% من السكان..
       إنّ الاحداث الأخيرة كشفت ـ بما لا يقبل الشك- خواء مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسات الأمنية والعسكرية، وكشفت حجم التناقضات والصراعات بين القوى المكونة للعملية السياسية، وبيّنت بشكل جليّ حجم التأثيرات الأقليمية والدولية على أوضاعنا العامة، بل اظهرت أننا بدونها لا نستطيع الحفاظ على أمن بلادنا.. كما برهنت الأحداث الأخيرة أنّ افتقاد العمل العسكري لرؤية سياسية لا يؤدي الى نتيجة وأنّ تحقيق نصر حاسم على قوى الشرّ والإرهاب والتفتيت يتطلب اعادة النظر بمجمل العملية السياسية وتصحيح الأوضاع والاستماع للآخر أو بالأحرى الاعتراف به، لأنّ سياسة التفرد والاستئثار والاقصاء تجعل الآخر يشعر بالظلم وهذا يولد الانفجار.. وأنّ تصحيح المسار في البلاد يتطلب الحكمة واحترام القوانين وقبول الآخر والتمسك بالهوية الوطنية العراقية، وإشاعة مبادئ العدل والمساواة وتعزيز وحدة البلاد، وهذا بمجمله يتطلب نبذ المحاصصة والطائفية السياسية وإطلاق مشروع المصالحة الوطنية وتوفير أسس وقواعد مشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية باعتبارها المنقذ الوحيد لوحدة البلاد وتماسك شعبها..

الامين العام للحركة الاشتراكية العربية