23 ديسمبر، 2024 10:21 ص

العراق بين التقسيم وتقبل الاخر 

العراق بين التقسيم وتقبل الاخر 

ان مشكلة داعش والمنتمين له هي مشكلة كل من يؤمن بثنائية القطب ، بمعنى اننا مسلمون جيدون ، والمقابل غير مسلم وسئ ، بل انه عدو يجب القضاء عليه واستاصاله . وهذا مانراه في القبائل الافريقية ايضا . حيث يعتقدون ان قبيلتهم جيدة ومقدسة . والقبيلة الثانية سيئة بل حيوانات ، او صراصير ( حسب ادعاء قبائل الهوتو والتوتسي في المجازر التي حصلت في رواندا مثلا ) . وهذه المشكلة ليست مشكلة داعش والشعوب المتخلفة فقط . وانما هي مشكلة كل الحركات والافكار المتطرفة . فالنازيون يعتبرون انفسهم فوق الجميع ، والاخرين يجب ان يكونوا عبيدا لهم .ومثل هذه النظرية عند اليهود الارثذوكس ، الذين يدعون بانهم شعب الله المختار ، وما عداهم ليسوا من البشر . وكذلك عندنا في العراق ، عندما يقول السيد المالكي ، اننا معسكر الحسين وهم معسكر يزيد . بمعنى ان معسكر يزيد يجب ابادتهم ، والابقاء على معسكر الحسين . . ونحن هنا لسنا في معرض مناقشته عما اذا كان هو حقا يمثل معسكر الحسين . او من شيعة الامام علي عليه السلام كما يدعي . او ان الطرف الاخر هم من انصار يزيد فعلا ويجب القضاء عليهم . . ان هذا الفكر الثنائي القطب ، هو اساس مشاكلنا ، اي اننا نرى فقط ابيض واسود . ان هذا يمثل منتهى ضيق الافق ومحدودية التفكير . فما نراه اسود هو بالحقيقة مجموعة من الوان الطيف الجميلة اختلطت وبدت لنا سوداء . ولو كان لنا افق واسع لنظرنا الى الجميع بنظرة الالوان المختلفة والمتجانسة في نفس الوقت . نحن لا ندعو الى ان تتطابق افكارنا مع افكار الآخر ، ولكن هناك نقاط التقاء ونقاط خلاف . فاذا نظرنا الى نقاط الخلاف فقط فاننا سنكون مثل داعش ، اي نؤمن بقطب صالح وقطب طالح . 
ان هذا الموضوع غير متعلق بالجينات الوراثية ، اي اننا لا نتوارثها ، بل نكتسبها . . نكتسبها اولا من العائلة ، ثم من المدرسة ، وبعدها من المسجد او الحسينية او الكنيسة . . والقادة السياسيون لهم دور فاعل في هذا الاتجاه . فالناس على دين ملوكهم . واذا كان رب البيت بالدف ناقر ، فشيمة اهل الدار الطرب .! . اننا يجب ان نتصالح مع انفسنا ، قبل ان نتصالح مع الآخرين . فنحن اذا كنا جيدين ، سنرى الناس جيدين ايضا .ان عنصر الارتياب ، ياتي من الحرمان ، والشعور بالاضطهاد . ان كثير من الناس يحلو لهم ان يكونوا مظلومين ، حتى يبرروا تصرفاتهم الشاذة تجاه الاخرين . 

والآن ننتقل الى العراق ، ان الكورد يشعرون بانهم مضطهدين من الاخر العربي . والسنة يقولون مثل هذا الكلام تجاه الحكم الشيعي . والشيعي يعتقد بانه لا يستطيع التعايش مع السني ، لانه لم يستطع تدجينه او اخضاعه . 
ان المسألة ايها السادة ليست مسألة اما انا ، او ليكن الطوفان . . المسالة مسالة تعايش . . ان من بيده الحكم هو الذي يجب ان يضرب المثل الاعلى بالتعايش . لان من يمسك بالحكم تكون له السلطة الفعلية على الاخرين ، كل الاخرين ، ومتى ما شعر هؤلاء بالاضطهاد او التهميش ، فانهم سيتبنون مفهوم القطب الثنائي ، اي اما نحن ، او هم . وهذا ما حدث فعلا عندنا في العراق . ان التفكير بتقسيم العراق بين دول شيعية وسنية وكوردية ، سوف لن يحل المشكلة . لاننا سنظل نفكر باننا احق من الآخر ، وان المقابل يستغلنا ، ومن هنا تأتي مشاكل المناطق المتنازع عليها ، او الاماكن المختلطة . ان انفصال الباكستان عن الهند قد ادى في الاشهر الاولى الى ان انتقال الآلاف بل الملايين من البشر من مكان الى آخر . وكانت القطارات تنقلهم من الهند الى الباكستان ، وبالعكس . . ولكن هل حلت المشكلة . بالتاكيد لا . . لاننا لحد الان نرى الحروب بينهم مستمرة وبصورة دورية .
ان الواجب يحتم علينا ان نتقبل الآخر ، لان الآخر له حق العيش مثلي ، فانا لست بشرا فقط ، والآخر اقل من بشر . كما ان عقيدتي ليست افضل من عقيدته ، هي مجرد افكار واجتهادات قابلة للتغيير والتطور . كما ليست هناك قومية افضل من قومية . اننا يجب ان نزيل كل انواع الشعور بالتهميش او بالاقلية ، مثل المنبوذين في الهند ، فليس بيننا في العراق قومية او طائفة منبوذة . وبالمقابل فان منطق دكتاتورية الاغلبية يجب ان يغادرنا ، لان ليس من حق الاغلبية استعباد الاقلية . الكل يعيشون بحرية وبحقوق متساوية في كل مجالات الحياة . ان دكتاتورية الاغلبية لايمكن تصورها في الديموقراطية الحقيقية ، المستندة على مفهوم المواطنة ، والولاء للوطن وليس لدين اوطائفة معينة . وهذا لايتم الا عن طريق احزاب وطنية ، لها مشاريع للنمو والنهوض بالمجتمع . وان الانتخاب يتم على وفق برامج هذه الاحزاب والمفاضلة بينها . وليس على اساس الولاء للعائلة او الدين او المذهب او القومية ، كما هو جاري في لبنان والعراق . لقد وضح بما لا شك فيه ، ان الصراع عندنا في العراق هو صراع بين مستغِل ومستغَل . وقد غلفت العملية كلها بغلاف طائفي او قومي . . ان التركيز والتاكيد على المفاهيم الدينية المزيفة ، قد دفعت الناس الى الجهل ، وبالتالي يكون المواطن كالاعمى ، لا يرى الا مايراه قادته الانانيون والوصوليون ، فمتى سندرك هذه الحقيقة ونثور على الواقع الشاذ والمؤلم الذي وضعنا فيه بغفلة من الزمن ، ولا زلنا كالعميان يقودنا من بيده السلطة الى الخراب والتهلكه . . لنفرط في وطن يجمعنا ، واخوة يشدون من ازرنا عند الشدائد .