مقدمة لابد منها:برزت القوتين الإقليميتين تركيا وإيران بعد الانهيار المدوّي للاتحاد السوفيتي، وبحكم الذهول الدولي من شان الانهيار المفاجئ، تسللت تلك الدولتين لمنطقة القوقاز تحت شعارات شتى أولهما الادعاء التركي بحماية الشعوب الآذرية التي تشكل نسبة عالية من سكان المنطقة، وشعار الدولة الإيرانية بحماية مصالحها القومية ومحاصرة النفوذ لمكامن الطاقة في بحر قزوين ولكلا الدولتين مصالح انية في بسط سلطانها لسوق الدول الفقيرة ببنيتها الاقتصادية لما بعد التفكك، لتكون سوقا تجارية رائجة لتحقيق الأرباح الآنية.ولانريد الغور في قراءة الصراعات القومية والدينية والتاريخية التي استنهضها الاتراك والايرانيين في المنطقة … على سبيل المثال توظيف إبادة الارمن انموذجا .. وما نتج من تلك الصراعات التي عمت المنطقة بوضوح جليّ هي ايقاد شعلة الصراع بين ارمينيا المسيحية بدعم إيراني ضد اذربيجان الشيعية بدعم تركي حول اقليم كاراباخ.
ونظرًا لانشغال القوى العالمية المؤثرة في ترتيب تقاسم النفوذ مابين الدرع الصاروخي وتمدد حلف النيتو ومحاصرة روسيا .. ظل الصراع التركي – الايراني بدعم المافيات واستمرار القتال في اقليم كاراباخ وما يلفت النظر بتلك القضية هو الدعم الايراني للأرمن لقتال الشيعة الآذريين الذين عقدو العزم للانفتاح وترصين قاعدة العلاقات الدولية مع الغرب والولايات المتحدة الامريكية بغية حماية مصالح شعوبهم دون البقاء كأدوات بوحل الصراع التركي – الايراني.
نعود للاستحواذ الايراني لمصادرة الإرادة العراقية تحت غطاء الطائفية السياسية ونهب المال العراقي تحت عناوين شتى وتوظيف الموارد البشرية العراقية تحت شعار طائفي لزجها بمحرقة الموت في صراعات تمددها الإقليمي، كما حدث تحت شعار الدفاع عن المقدسات الشيعية في ريف دمشق واستقدام الشباب لمحارق الموت في حلب انموذجا.
وما قامت به ايران من تاسيس الميليشيات الشيعية بالمال العراقي وفق المثل الشعبي الدارج “من لحم ثوره وأطعمه” وارتباطها بوضوح بسياسات طهران التوسعية والتأسيس لاستنساخ تجربة الحرس الثوري بالعراق مرتبط روحيا وفقهيا بادارة الولي الفقيه.
وما كان للتصريحات الاخيرة للرئيس التركي اوردغان الا صرخة يأس في تقاسم النفوذ مع الإيرانيين في العراق .. لان محطة النفوذ الاخيرة لتركيا في العراق هي الموصل .. لقد كانت صيحة متشنجة لا تمت للرصانة الدبلوماسية ومظاهر الهيبة التركية التي هزمت امام النفوذ الايراني في العراق بسبب دعم الأتراك لشريحة أشباه القادة ممن تبنو شعار الاسلام السياسي لحركة الاخوان المسلمين تحت مسميات خجولة شتى .. “متحدون او الحزب الاسلامي العراقي وما اكثر المسميات”.
ولكن لا يعني الاستخفاف بمخالب القوة التركية، من خلال تحكمها في شريان الموارد المائية وبناء السدود التي تتحكم من خلال بواباتها بمصير الأمن المائي للعراق.
الدهاء الامريكي للسياسة الخارجية جاء عبئا ثقيلا على بغداد ليجعل التحالف الشيعي في الزاوية الحرجة اما تقبل الاهانة التركية ببقاء قواعدها قبالة الموصل بعد الإعلانات الغبية والغير مدروسة العواقب لغياب النهج الواقعي .. وأما الدخول في صراع غير متكافيء مع الأتراك، وكذلك احراج ايران التي ضمت رأسها كالنعامة في الرمل واكتفت بتحريك ذيولها في بغداد بتصريحات لاتغني ولا تسمن من جوع.
ما اثار حفيظة تركيا هو القرارات العجولة التي اتخذها التحالف الشيعي في حكومة بغداد بشان اجلاء اعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية نزولا عند رغبة طهران، ودون الإشارة لمنظمة PKK المصنفة دوليا بالارهاب والتي تصول وتجول في الشمال العراقي وتهدد الأمن الجنوبي التركي.
تلك حقائق ندرجها امام القاريء ناهيك عن ملابسات النظرة التركية الإيرانية بشان اقليم كردستان وما آل اليه التوظيف الاستخباري لطهران بمنع حكومة بغداد باتخاذ اي موقف تنسيقي بشان PKK وأثرها في زعزعة الأمن التركي.
ويمكن القول ان التصريح الفظ للجانب التركي هو رشقة ماء الوجه الاخيرة امام الطائفة السنيّة في العراق، لتيقن الجميع خروج تركيا بخفي حنين امام النفوذ الايراني في العراق وما تلك الصيحة الا اعلان المواجهة باستخدام صِمَام الأمن المائي كمرحلة اخيرة لاذعان بغداد.
المشهد في المنطقة وفق مجريات الصراع التركي – الايراني في الساحة الشمالية العراقية .. يحتم اتخاذ الخطوات التالية:
اولا: قبل اعلان معركة الموصل يفترض حل البرلمان العراقي أسوة بتجارب عالمية كثيرة في تعرض البلدان لكوارث الاحتلال والازمات الاقتصادية والعراق يغرق تحت وابل الأمرّين .. لكون البرلمان اصبح عقبة كؤود لنجاح اي خطى حكومية على الصعيدين الداخلي والخارجي لاستشراء الفساد في ثنايا قراراته وتوجهاته وتصريحات أعضاءه اللامسؤولة وآثارها في إنهاك متطلبات الدولة التعبوية والاستراتيجية.
ومن هذه الخطوة ستعلن حكومة للانقاذ الوطني تعلن بوضوح سياساتها الخارجية بشان التدخلات الإقليمية وتطمين المجتمع الدولي بالفعل لا بالقول مثلما يحدث الان .. وان أية قوة برية وجوية تدخل العراق يجب ان تكون تحت راية القوات الدولية لمكافحة الاٍرهاب وتحرير مناطق العراق المحتلة من داعش.
وكذلك تحديد التوقيتات لحكومة الإنقاذ الوطني لإنجاز مهامها، وما بعدها ستكون ملزمة بإجراء الانتخابات تحت إشراف الامم المتحدة وبمعايير دولية على ان لا يشارك اعضاء تلك الحكومة بالانتخابات التي تجري بإشرافها.ثانيا: تفعيل المعاهدة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية وإجبارها على مساعدة العراق بتحملها المسؤولية القانونية والأخلاقية من جراء الدمار الذي لحق العراق بسبب الأخطاء الامريكية التي جعلت النفوذ الايراني يسلب المقدرات المالية والبشرية العراقية تحت مرأى المجتمع الدولي ولا من توقف لذلك التدخل وبسط النفوذ.
وان بقي الحال على ما هو سيكون المشهد كالآتي:
اولا: ستكون الموصل كاراباخ ثانية في إذكاء الصراعات المذهبية والقومية بين تركيا وإيران.
ثانيا: سيكشر انيابه الوحش العثماني باستخدام التقنين المائي للعراق وخاصة ان تركيا لم توقع مع العراق اي معاهدة ملزمة بالشان المائي وعدم اعترافها بالحقوق الدولية للبلدان المتشاطئة واستمرارها ببناء السدود في مشروع الغاب وآخرها سد اليسو على منابع نهر دجلة داخل تركيا.
ثالثا: سيكون أبناء العراق حطبا في خضم صراعات المنطقة تحت شعار المسميات المذهبية
رابعا: وهو المشهد الاكثر خطورة ..ستكون منابع النفط تحت سيطرة الميليشيات والمافيات وبذلك تحقق تمويلا جديدا لمحاور الاٍرهاب لنتاج حركات داعشية جديدة تكون اكثر ضراوة من داعش الحالية.
[email protected]