23 ديسمبر، 2024 7:12 م

العراق بين إرهاب داعش وإرهاب السياسة الخارجية للامبريالية الامريكية

العراق بين إرهاب داعش وإرهاب السياسة الخارجية للامبريالية الامريكية

في العراق محور الصراع وقلبه بين أمريكا وحلفائها من جهة  وايران  وحلفائها من جهة أخرى حيث يشكل إرهاب داعش والصراع السياسي على السلطة فيه أدوات الصراع التي أظهرت بوضوح ان  اميركا تصنع أعداءها فضلا عن ان هناك قوى دولية يمكن لأوضاعها، ومصالحها، وعلاقاتها بالقضايا الدولية، وبالعالم الاسلامي،  والعالم العربي وتاريخ وطبيعة علاقاتها بأميركا، ان  يتم ترشحيها ، لامكانية ان تضطلع بدور خاص في عملية بلورة لـمركز دولي مضاد لاميركا، والذي من شأنه مد خيوط وشبكات دولية  لهذا المركز، بمعزل عن المؤسسات والمواقف الرسمية ، ولأي دول اخرى تمتد اليها هذه الخيوط والشبكات.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة ومنذ ذلك الحين تحولت اميركا الى زعيمة العالم الامبريالي الغربي بدون منازع. يأتي التساؤل الان هل تمكنت الامبريالية العالمية من اقامة نظام “دمقراطي انساني” عالمي، خال من الازمات والحروب، كما كانت تنبح وتدعي ابواقها البروباغندية خلال “الحرب الباردة”؟

كلا أبدا! بل على العكس تماما: ان ازمة الرأسمالية ـ الامبريالية العالمية تحولت من ازمة دورية الى ازمة دائمة مستعصية على الحل.وفشل الامبريالية العالمية في اقامة نظام “دمقراطي انساني” عالمي لا يعود الى عجزها الاقتصادي والسياسي والستراتيجي، بل يعود الى طبيعتها ذاتها التي تتناقض جذريا مع الدمقراطية الحقيقية والعدالة الانسانية. والادارة الاميركية، ومعها الصهيونية العالمية، تحاول ان تطمس هذه الحقيقة الجوهرية، وأن تطمس البحث في اسباب الصراع، وأن تحصر المواجهة فقط في النتائج: الارهاب، ومحاربة الارهاب.

ولكن وضع الرأس في الرمل، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال حجة “الشيوعية الهدامة”، (التي كانت من خارج الاطار الامبريالي بزعامة اميركا)، واستبدالها بحجة “الارهاب العربي ـ الاسلامي”، (الذي هو من داخل الاطار الامبريالي)، لن يؤدي الا الى حلقة جهنمية مفرغة من العنف والعنف المضاد. وهذا لا يلغي، بل يؤكد اكثر من اي وقت مضى، ضرورة البحث عن اسباب الارهاب والحرب، وجميع الظاهرات العالمية السلبية الاخرى، وطرق معالجتها، في تناقضات النظام الامبريالي العالمي ذاته.واخيرا  وبعد ان خسرت الامبريالية الاميركية حصانتها الستراتيجية القارية، حينما تلقت في 11 ايلول 2001 ضربة في عقر دارها من الصعب عليها التعافي منها في عشرات السنين  واي كانت هي “القوة الدولية” التي تقف ضد اميركا حاليا فهي، اولا، قوة ناشئة من داخل النظام الامبريالي، وبفعل تناقضاته ذاتها. وهي، ثانيا، تستفيد، وتجد “المساعدة”، مباشرة وغير مباشرة، من مختلف أشكال هذه التناقضات، ومن قبل أطراف مختلفة، متحالفة ومتعادية، داخل اميركا وخارجها. وهذا ما قد يدفع اوساطا دولية  معينة لأن تقوم، من وراء الستار، بكل ما من شأنه المساهمة في رفع “اللعنة الاميركية”، في الهيمنة الدولية عن طريق “تشجيع” الصراع بين اميركا وحلفائها الاسلاميين، فتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد بابعاد الإرهاب الإسلامي عنها وبالتحرر من الهيمنة الامريكية. ومن اهم  تلك الدول  والقوى الناشئة الصين المنكبـّة على بنائها الذاتي، وتطمح للتحول الى القوة العظمى الثانية، فالاولى، في غضون عقود. ولذلك، وبالرغم من تناقضاتها التاريخية مع الغرب، وخصوصا مع اميركا، فهي تعمل للتوصل الى “تسويات تاريخية”، من موقع “الدفاع الستراتيجي” البعيد عن التهور. وتطمح الصين للوصول الى إلزام اميركا بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإيقاعها بالتدريج في “فخ” التحول الى “الشريك” الاقتصادي الاول لها، بحيث تصبح الكلمة الاولى في الاقتصاد الاميركي “كلمة صينية”. وليس من المنطقي ان تقوم الصين بأي عمل من شأنه التعارض مع هذا الخط العام لها. الا انها “تفرح” ضمنا لأي تورط لاميركا، و”تساعدها” على التورط، وتعمل لاستغلال كل ما من شأنه إضعاف مواقع اميركا، دون ان تنجر هي الى معركة مكشوفة معها. وطبعا لا يمكن الحديث عن “معارضة صينية” معادية لاميركا. ومن هذا المنظور يمكن للصين ان تقدم من وراء الستار بعض الخدمات الاستخبارية وغيرها، لبعض القوى المعادية لاميركا، الا انها ليست في وارد ان يكون هذا عملا اساسيا لها.اما روسيا والتي  لها تاريخ عريق في العلاقة التنافسية والتناحرية، مع اميركا. فالاتحاد السوفياتي السابق التي كانت روسيا قلبه الا إن انهيار “الشيوعية” السوفياتية، والانفتاح على الغرب، وحتى انبطاح القيادة الروسية “الدمقراطية” الجديدة امام الاميركيين، لم “يشفع” لروسيا. بل على العكس استمر استخدام عامل “الارهاب الاسلامي” ضد روسيا “ما بعد الشيوعية”، وعمدت الدول الغربية، بزعامة اميركا، الى محاصرة روسيا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وتخريبها ونهبها بشكل لا مثيل له، بالتعاون مع الماسونية والصهيونية ومافيات التيار الرأسمالي الموالي للغرب. فتم تدمير الاقتصاد وتجويع الشعب الروسي في بضع سنوات، وانتقلت ثروات اسطورية روسية الى الدول الغربية، وخاصة اميركا، التي اصبحت “الوطن الاول” للمافيا الروسية.وأصبح واضحا جدا ان الاميركيين القابعين خلف المحيط، لم يكونوا يريدون فقط فشل الشيوعية في روسيا، ولم يكن هدفهم اقامة علاقات تعاون وحسن جوار مع “روسيا دمقراطية!”، بل كان ولا يزال لهم هدف ابعد واخطر، هو تحطيم الكرامة القومية للروس، وتدمير الكيان القومي للدولة الروسية، وتحويل روسيا من دولة عظمى الى دولة “تابعة” لاميركا.  لذا فان الروس يسعون الى “تجديد” حرب البدائل القديمة ايام الحرب البادرة، و”قلب اللعبة” على الاميركيين، ومحاولة التفوق عليهم في “اللعبة المزدوجة”، اي المشاركة من وراء الستار في “المقاومة” ضد الاميركيين، ومشاركة الاميركيين من امام الستار في “مكافحة الإرهاب إرهاب القاعدة وداعش” اما الاتحاد الأوربي  فمنذ قامت أمريكا  بمشروع مارشال لمساعدة اوروبا الغربية وبواسطة هذا المشروع، حولت اوروبا الغربية، ، الى تابع اقتصادي لها. ولا تزال اوروبا الغربية الى الان، بعد اكثر من ستين سنة، تسعى جاهدة للتحرر من الهيمنة الاقتصادية الاميركية.وفي المرحلة الأخيرة بعد قيام الاتحاد الأوربي ، وبعد ان اصدرت اوروبا الغربية عملتها الموحدة “اليورو”، لتعزيز وحدتها واستقلاليتها الاقتصاديتين، وكان سعره الاسمي أغلى من الدولار، عمدت الاوساط المالية الاميركية لكسر سعر “اليورو” الى ما دون سعر الدولار، كصورة من صور تأكيد الهيمنة الاقتصادية الاميركية. ولم تتم اعادة تعويم اليورو، الا بعد انفجار الازمة المالية سنة 2008، التي كسرت ظهر الاقتصاد الاميركي. في اميركا كتلتان محوريتان لصالح الصهيونية العالمية هما: الماسونية، و المافيا العالمية، ويعد تكتيك استخدام الحركات، والانظمة الإسلامية الإرهابية  كان قد اصبح خطا “تقليديا” راسخا في الستراتيجية الغربية، والاميركية خاصة، في العقود الماضية. ولا غرابة أن تلجأ الكتلة اليهودية الاميركية الى هذا التكتيك(الإرهاب الإسلامي) في صراعها ولتوطيد مواقعها ومواقع اسرائيل المزعزعة، عن طريق تحريك لعبة الحرب و”السلام”. ولكن هذا لا يمنع “انقلاب السحر على الساحر”،كما حدث في استخدام الاميركيين لـ”الافغان العرب” و”طالبان” في افغانستان، او كما حدث في “داعش”. لأن الطرف العربي ـ الاسلامي، في هذه “اللعبة الدولية”، ليس  سوى مجموعة من المرتزقة، تؤمر فتأتمر، بل هي مجموعة قد تخرج عن السيطرة والخضوع لانها  هو بشكل عام ترى نفسها  طرف اصيل منسجم مع نفسه، وله مصالحه وحساباته وعلاقاته الخاصة. وقد ثبت في التجربة أنه يدخل في العلاقة مع الاطراف الغربية على طريقة “مَن يستفيد مِـن مَـن؟”.