الخوف يلاحق الإنسان العراقي منذ بداية تشكيل أول حكومة عراقية بشكل خاطىء من مكونات غير متجانسة وغير متفاهمة فيما بينها وغير راغبة في العيش معاً تحت مظلة واحدة، يخذله ويرغمه على عدم التحدث دوماً عن مشاعره، ويفتح أمامه باب الشقاء والفزع. وخلال الأحداث الكبيرة والمتكررة بوتائر مقلقة، كان ( الخوف) يلتهمه دون النظر الى وجهه المتوتر، ودون الاستماع لمناجاته وبعثرته بين الكوابيس والكوارث التي تبدو شبيهة بالمتاهات التي لن تنته .
من يتابع التطورات على أرض الواقع خلال السنوات العجاف القليلة السابقة في العراق يرصد أن ما يحدث معاكس تمامًا لما ورد في الدستور العراقي الحالي والدساتير السابقة. وأن الجحيم يحاصر العراقيين من كل الجهات، والمخاطر على حياتهم تتضاعف بشكل كبير، ويجد في إقليم كوردستان، والمناطق العربية السنية، والمناطق الشيعية، تفسيرات ورؤى وتحليلات مختلفة لأسباب الإخفاقات العراقية المتوالية، وتعثر مسيرة التعايش والتوازن الحضاري والانسجام الوطني وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في بلد يتعرض لانهيارات متتالية. ولكنه يجد أيضاً أن هناك إجماعاً، بالذات بين المنصفين والموضوعيين، على أن تعدد الولاءات للدول والتيارات الخارجية تثير الحفيظة من باب الموضوعية أو من باب ردّ الفعل، وأن اللعب المكشوفة والممجوجة والمناورات غير الصادقة لخداع الآخرين وإلهائهم، سقطات أخلاقية لا تليق استخدامها بين مكونات تدعي إنها تريد تثبيت قاعدة للقانون والتعايش والمساواة والاعتدال والانفتاح والتكامل.
الحديث الممل والمكرر عن الدستور في العراق وتهميشه وضربه بعرض الحائط وخرق أكثرية مواده، حديث ينشر الخوف ويقلق الكثيرين، ويغيب الأمن والأمان ويسهم في تصاعد دخان الخلافات، خصوصاً أن الخارقين للدستور، والذين ابتدعوا بدع كثيرة في الخطاب والتطويع والمحاججة والاتفاق أو التحرّك السياسي والتمظهر وحتى أساليب التذكر والتذكير، ونشروا الفساد والإفساد وارتكبوا خطايا كبرى، مازالوا يمثلون مراكز للقوة ويمتلكون السطوة والنفوذ، ولهم أجندات تتعارض مع أجندة غيرهم ومن الصعب التوفيق فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين الآخرين من جهة أخرى، ومازالوا يفرضون هيمنتهم ويبسطون سيطرتهم على المشهد السياسي ويريدون أن يلعبوا دور اللاعب الأساسي في التعامل مع الحلفاء والداعمين لأفكارهم، ويتوعدون خصومهم وكل المتحدثين عن فسادهم وخروقاتهم التي أوصلت البلاد الى حافة الانهيار التام، ويتهمونهم بشتى التهم، مع ذلك يعيشون في خوف دائم على حياتهم ومصيرهم ومصير أبنائهم وثرواتهم.
أما المكونات العراقية التي دفعت ثمنا باهظا من أجل الحرية، فإنها (تعيش في خوف مزمن)، لذلك إبتعدت عن إطلاق مفردات الأمل والتفاؤل والتغيير المنشود، وترقيع الأخطاء والانتهاكات، أوحتى تقديم الاعتذارات. وقد أصبحت تعتبر (عدم الخوف) انعداماً للرؤية الملموسة وفقداناً للبصر والبصيرة، لذلك تخاف من بعضها وتتبادل فيما بينها التهم الجاهزة والمعلبة وتسعى الى تسويقها في الأفق عبر تسويقات وسرديات نظرية وسلسلة تلويحات وأخبار وادعاءات، بعضها صحيحة وموثوقة، وبعضها لا أساس لها من الصحة تتعمّد التلاعب بالألفاظ وخلط الأوراق، والترويج العنيف إعلامياً وسياسياً بلغة منفصلة عن الواقع لموضوع يثير الحفيظة ويتماهى مع أهواء الراغبين في التحايل والإلتفاف على القانون وبتصعيد التوتر والإحراج والإرباك لإستغلال للأوضاع وصبّ الزيت على النار لمنافع خاصة لا تدوم طويلا.
وأخيرا نقول: الكوارث والفواجع التي حلّت بالعراقيين، كشفت أن الخوف لايسقط في العراق.