نصت المادة الثالثة من دستور المكونات السياسية اللاوطنية لسنة 2005 ، على أن ( العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهو عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها ، وجزء من العالم الإسلامي ) . ولعل تفاصيل تسميات البلد المتعدد الصفات قد إحتوتها ديباجة دستور الفتنة الكبرى ، عندما لم يتعظ المشرع الطارئ بما وقع فيه هو أو غيره من عتاة التفرقة المكوناتية للشعب العراقي الأصيل ، من خطأ وصف العراق كما ورد في نص الفقرة (ب) من المادة (7) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية ، من أن ( العراق بلد القوميات والشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية ) ، وكأن القوميات غير العربية تشكل نسب متساوية أو متقاربة فيه ، وليس مثلما هي عليه لا يتجاوز مجموعها (20%) العشرين بالمائة من مجموع السكان العرب الأصليين على أكثر تقدير ، مع كل إحترامنا وتقديرنا العالي والغالي لكل واحد منهم ، لأنهم النظراء في الخلق والإنسانية ، الشركاء في الوطن والعيش والمصير ، إلا إن هدف إلغاء هوية العراق العربية بدوافع ولأسباب سياسية قومية عنصرية لا تنطلي على سليم الفكر والمعتقد ، فإذا كان الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية ، فإلى أي الأمم تنتسب القوميات غير العربية فيه أو تكون جزءا منها ؟، وهل يجوز وصف الدول المتكونة من قوميات أكثر أو أقل عددا مما هو في العراق بذلك الوصف ، أم إنها كلمة الباطل التي لا يراد بها ومنها إلا الباطل ، المحقق لحلم المراهقين والطامعين السياسيين في الإنفصال عن الأم والأب العراق ، أو تقسيمه بإسم الفدرالية المستوردة بعلب قوات الإحتلال على حساب أمن وإستقرار وسلامة أخوة الدين والحياة والمصير المشترك .
لقد زاد دستور التبع سوءه بإضافة جملة ( والأديان والمذاهب ) إلى عبارة ( العراق بلد متعدد القوميات ) ، وكأن المشرع السياسي لم يكتف بتقسيم العراق إلى قوميات متعددة ، ليضيف إليها أديان ومذاهب متعددة أيضا ، بل عمد إلى إعلان تقسيم القوميات ذاتها إلى أديان ومذاهب متعددة ، تجسيدا وترسيخا لتجزئة المقسم ، فذلك عراقي لكنه عربي أو كردي أو تركماني ، وإن كل منهم مسلم أو مسيحي أو يزيدي أو صابئي ، ومنهم السنة والشيعة والسريان والأرمن … إلخ من الملل والنحل ، التي كانت من ألوان النسيج العراقي المتميز بوحدة العيش والمصير المشترك ، لعدم النظر إليها والتعامل بها ومعها على أساس التفرقة والتمييز بين أبنائها ، لتصبح في ظل الإحتلال الأمريكي وسلطات المحاصة الطائفية ، من أسباب قتل وتهجير العراقيين بعضهم للبعض الآخر ، وغيرها من توجهات التناحر والبغض والكراهية والحقد الأعمى ، وما يبنى على كل منها من مواقف وممارسات وتصرفات غير سوية ولا حضارية ولا إنسانية ولا أخلاقية ولا دينية قيمة .
إن وهن وصف الشعب العربي في العراق كجزء من الأمة العربية ، إستدعى أن يصبح العراق في هذا الدستور ( عضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها ، وجزء من العالم الإسلامي ) ، ومع جل إعتزازنا في أن يكون العراق جزء من العالم الإسلامي بحكم دين الدولة الرسمي فيه وهو الإسلام ، إلا إنه لا ينسلخ عن أرض العرب وأصول أنساب معظم ساكنيه ، الفخورين بما يشكله وطنهم من وعاء لرحم العديد من الأديان والرسل والأنبياء الكرام ، كما إن عضويته التأسيسية لجامعة الدول العربية تؤكد إنتماءه للعرب أولا ، وكونه جزء من الأرض والدول العربية ثانيا ، كما هو في عضويته التأسيسية لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تمنحه صفة كونه جزء من دول العالم الإسلامي ، ومثله في ذلك إكتسابه صفة الجزء من الدول المكونة لأي منظمة عربية أو دولية ، وليس الإنتماء إليها كليا وذوبانه وخصوصياته التأريخية والحضارية فيها ، والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه من ذوي التوجهات السياسية الساذجة : إن العراق عضو مؤسس لمنظمة الأمم المتحدة وحركة عدم الإنحياز ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ، وملتزم بميثاق كل منها كبقية الدول الأعضاء فيها ، فإلى أي أجزاء العالم ينتمي من لا يجمع أو يجمع بين عضوية المنظمات المذكورة كلا أو جزءا ؟!، أم إنها نوايا إعتبار العراق جزء ممن يطمع في ضمه إليه ، أو يحاول إخضاعه أو السيطرة عليه سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا ودينيا بدوافع منفرة ومقززة للأنفس والأبدان ، وفي حالة حل جامعة الدول العربية أو إنتهاء دورها ووجودها كمنظمة عربية جامعة ولو شكليا ، فعلى العراق أن يعدل دستوره ريثما يجد منظمة أخرى تسد فراغ المحذوف منه حكما .
وعلى أساس ذلك الفهم السقيم ، ولغرض التعتيم على نوايا السوء المكوناتي السياسي الدفين ، فقد تمت ترجمة ذلك النص بمفردة ( مكونات ) اللاوطنية ، التى نراها محتلة بعض مواضع نصوص مواد الدستور للتمويه بالتورية السياسية الخبيثة الباطلة ، ومنها (المادة-9- أولا- أ- تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي ، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء … ) و (المادة-12- أولا- ينظم بقانون علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي ) و (المادة 49-اولا – يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله ، يتم إنتخابهم بطريق الإقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه ) . والتي لم تنتج غير توجهات مرتبكة وغير مستقرة ، يسودها ويسيطر عليها ثالوث الخراب الدائم للعراق عرقيا وطائفيا ومذهبيا ، المتمثل بتوجهات أعضاء مجلس النواب الطاردة لكل صفة وتوجه وطني خالص ، إذ لا ينسجم نص تكوين مجلس النواب بعبارة ( يمثلون الشعب العراقي بأكمله ) مع ما لحقها من نص عبارة ( ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه) ، إلا إذا كان الشعب العراقي هو غير مكونات الشعب فيه ، لإقتصار تمثيل المكونات السياسية وليس الشعب أمام الحكومة ، مما شكل إنحرافا في مسارات آليات إختيار أعضاء مجلس النواب بالشكل الصحيح والسليم ، بهدف تكرار إعادة إنتخاب ذات الأشخاص لعدة دورات ، لغرض تحقيق غايات سياسية سيئة وفاسدة ، إتضح بطلانها فيما بعد ، ودفع ثمنها الشعب المغرر به عرقيا وطائفيا ومذهبيا وإثنيا ، خلال سبعة عشرة سنة من الفشل والفساد الإداري والمالي والسياسي ، وما رافقها من آلام ومعاناة الكوارث والنكبات والفواجع التي لم يشهد لها تأريخ العراق مثيلا من قبل ، مع قصور واضح في إجراءات المعالجة والإصلاح ، إلى الحد الذي جعل بلد الحضارات والرافدين والخيرات من أوائل الدول فسادا ، وعاصمته أسوء مكان للعيش في العالم ، وإقتصاده منهار إلى حد إعلان الإفلاس ، وكما هي تفاصيل الواقع المعاش ، حين نجد النائب لا يمثل أيا من أبناء الشعب ، بسبب إنسياقه وخضوعه صاغرا لإشارة من رئيس كتلته أو زعيمه مزدوج الجنسية ، مما جعل الناخبين أدوات ودمى شطرنج يتلاعب بإختياراتهم وتحركاتهم على رقعة صراع الأحزاب والكتل والكيانات والتيارات ، من قبل من يسعى إلى فرض إرادته وتوجهاته الخاصة ، البعيدة عن آمال وأمنيات أبناء الوطن والشعب الواحد والأصيل ، وسواء إتفقنا أو إختلفنا مع سياسيي مكونات الصدفة الهجينة ، فإن نتائج الإنتخابات القائمة على أساس المكونات العرقية والطائفية والمذهبية والإثنية ، تؤكد حقيقة عدم تمثيل النائب لأي من أبناء الشعب ، لإنتخابه أصلا على أسس المكونات والتوازنات السياسية المطلوبة ، الخارجة عن قواعد الولاء الوطني والإنتماء الشعبي الواحد ، مادام البرلمانيون بكل توجهاتهم يعملون من أجل مصالحهم الشخصية ، متظاهرين ومعتصمين ومنشقين جالسين وواقفين ومتشاجرين فيما بينهم ، ومتحدثين من قاعة وبهو (كافتيريا) مجلس النواب وفضائيات الترويج السياسي المضاد لمصالح المواطنين . الذين يخشون إنتقال أمراض العملية السياسية إلى صفوف الحراك المدني الشعبي المستقل ، وذلك ما دفعنا إلى التحذير من مغبة إعتماد (المكونات) في رسم مستقبل العراق ، بعدما رأينا تسلل ذات التوجهات السياسية المكوناتية الضيقة في ترشيح بعض الأشخاص لرئاسة مجلس الوزراء ، بإعتبارهم من المستقلين الذين يمثلون أغلبية الشعب ؟!. تماشيا وإنسجاما مع حرص ورغبة وإصرار أركان العملية السياسية على مراعاة تمثيل مكوناتهم السياسية الهزيلة ، التي فرضها واقع الإحتلال البغيض سنة 2003 ، قبل تشبعها بالحس الوطني الجليل والأصيل ، وقبل إمتلاكها عناصر مقومات القدرة المهنية على إدارة شؤون الدولة وتحقيق مصالح المواطنين وللأسف الشديد ؟!.