23 ديسمبر، 2024 12:15 ص

العراق بلد أل 1400 دينار لكل دولار

العراق بلد أل 1400 دينار لكل دولار

الدولار في العراق ليس كلمة عابرة وإنما العملة التي يتم التعويل عليها في بيع وشراء السلع والخدمات في الأسواق المحلية , فكل شيء مقوم بالدولار وبسطاء الناس رغم إنهم لا ناقة لهم ولا جمل في الدولار إلا أنهم يعرفون أسعار الصرف أولا بأول , وبسبب الاعتماد الكبير جدا على الاستيراد من الخارج بدلا من الإنتاج المحلي , فقد أصبحت أسعار العقارات والسيارات والأثاث والمواد الغذائية والسلع بمختلف تصنيفاتها مرتبطة بأسعار الصرف , فترتفع فور ارتفاع أسعار صرف الدولار وانخفاض أسعار صرف الدينار العراقي , وتبقى على حالها الأسعار أو تنخفض ببطء شديد عند حصول العكس , مما يؤشر إن الدولار في العراق لا يخضع تماما إلى النظريات الاقتصادية المتعلقة بالعرض والطلب , وإنما ترتبط بعوامل ومسببات أخرى والكشف عنها لا يحتاج إلى ذكاء كبير , وهو معروف لدى الغالبية العظمى من المهتمين بأمور البلد لأنه يشير إلى سيطرة ( متنفذين ) على الأسواق المحلية , وقد اكتسبوا المناعة شبه الكاملة من الإجراءات المتخذة للحد من سطوتهم , فبعضهم أصبح مثل الحشرات التي لا تتأثر بأي مبيد بل إن قسم منها أخذت تتغذى على تلك المبيدات .

قبل أكثر من شهرين صدرت تحذيرات عديدة أشارت إلى خطورة وتداعيات انخفاض أسعار الدينار على معيشة الفقراء , فالفقراء الذين يشكلون غالبية الشعب يتضررون من تذبذب أسعار الصرف لان بعض التجار يستغلون ظروف التذبذب لرفع الأسعار إلى أضعاف التغير في سعر الصرف , فالبارحة كان سعر صرف الدولار 137 ألف لكل 100 دولار وكان سعر بيع علبة الكولا 1000 دينار , وفي هذا اليوم تحول سعر الصرف إلى 140 ألف والذي حصل هو أن سعر الكولا أصبح 1250 دينار , ويعني ذلك من الناحية العملية إن ارتفاع الدولار بمقدار 30 دينار لكل دولار كلف المواطن 250 دينار أي قرابة العشرة أضعاف وينطبق ذلك على جميع السلع والخدمات , والمشكلة الأخرى إن التجار بمختلف أصنافهم ( الجملة والتجزئة والوسطاء وغيرهم ) يقومون برفع أسعار سلعهم عند ارتفاع قيمة الدولار بغض النظر عن تاريخ الشراء , فمن اشترى البضاعة والدولار ب 1200 دينار يبيعها بنفس سعر التاجر الذي يشتري الدولار ب1400 دينار , والبعض يعدون ذلك ربحا رغم إنهم لا يخفضون الأسعار عند ارتفاع قيمة الدينار وتغير أسعار الصرف .

هناك الكثير ممن يسأل هل تستطيع الدولة التدخل ومعالجة الموضوع وإعادة أسعار الصرف إلى شكل يتناسب مع سعر الصرف السائد في البنك المركزي العراقي والبالغ 1166 دينار لكل دولار , ولهم نقول كيف لا تستطيع الدولة من المعالجة وهي ( أم الدولار ) فكل ما يتم التعامل به من عملات أجنبية في العراق هي من مبيعات النفط العراقي باعتباره المصدر الأساسي في ميزان المدفوعات ودخول العملات الأجنبية , فتجارنا لا يجلبون الدولار بل يخرجون الدولار أما من مزاد العملات أو من مبيعاتهم في الأسواق , وهم عندما يشترون الدولار من البنك المركزي يدفعون الدينار ويقبضون الدولار وعندما يستوردون البضائع ويبيعوها للتجار العراقيين فأنهم يبيعونها لهم بالدولار وليس بالدينار , أما من أين يأتون بالدينار العراقي لكي يشتروا الدولار مرة أخرى من مزاد البنك المركزي , فذلك هو اللغز الذي لم يشأ الكثيرون الخوض فيه وردم فجوته , فالمرجح أنهم يشترون الدينار العراقي من مكاتب الصيارفة بالأسعار التي يفضلونها , وبذلك تتحقق لهم أرباحا تزيد بكثير عن أرباح استيراد السلع , احدهم اخبرني أنهم حتى وان خسروا في تجارتهم فان يربحون من مضاربات الدولار أضعافا وأضعاف .

لقد وصلت أسعار صرف الدولار اليوم إلى 1400 دينار وهذا الرقم ليس نهائيا , فمن الممكن أن ترتفع أسعار الصرف إلى أبعد من ذلك بكثير مادام هناك طلبا على الدولار , والطلب عالي فبعضه للاستيراد وبعضه للمضاربة والبعض الآخر لتهريب الثروات للخارج كما لا يستبعد وجود أهدافا سياسية من التلاعب بالدولار , فالبلد يخوض حربا ضروس للدفاع عن وجوده وحياة شعبه والعدو له ألوانا متعددة وليس لونا واحدا لأنه ( كيان ) وليس دولة , ونقولها لمن يمتلك القرار وبكل وطنية ومهنية , إن لم تضرب الدولة بيد من حديد على دواعش الدولار فستكون أغلبية شعبنا بموقف محرج , ولنا نوع من الثقة بأن الدولة تمتلك أدوات قادرة على حل جميع المشكلات بحضور الأيادي النظيفة والكفاءات الحقيقية , فجميع المشكلات ( الاقتصادية ) التي يمر بها بلدنا العزيز هي مشكلات نقدية ومالية ويجب مقابلتها بذلك لحين إحضار الحلول من خلال الإصلاح الاقتصادي , لان العراق غني عندما تدار ثرواته بالشكل المنطقي والصحيح , ولنعتبر أل1400 دينار لكل دولار إحدى العلامات الصفراء التي يجب تحويلها إلى اللون الأخضر بسرعة فائقة , فمن أسهم بوضعها للوصول إلى هذه العلامة استخدم التوقيت مع قرب رمضان الكريم وإصرار شعبنا على مقارعة الأعداء .