وسط جدل حاد بين الاطراف و القوى السياسية المنظوية تحت قبة مجلس النواب العراقي اقر قانون هيئة الحشد الشعبي بتاريخ (26/11/2016) هذا القانون الذي صوت الاغلبية الشيعية لأقراره في سبيل وضع اطار قانوني لمليشيات لبت نداء المرجعية الدينية بعد استشعارها بخطورة الوضع الامني و سيطرة الجماعة الارهابية (داعش) على مساحات شاسعة و تهديده بالسيطرة على بغداد و المحافظات الجنوبية و ان القانون قصير بمواده و كبير في مغزاه لانها تعتبر تحولاً في المسيرة الديمقراطية العراقية نحو انهيار الدولة المدنية المنشودة و تحمل بين جنباتها الابعاد الخفية للسياسية الايرانية في المنطقة التي باتت تحكم العراق بصورة مباشرة بل و تنطلق منها الى المناطق الاخرى و ان اقرار مثل هذا القانون تعني :
– انتصار النزعة الايرانية و خططها ببسط نفوذها على المنطقة بل هي انتقال للنموذج الايراني (الثورة الاسلامية) بعد الانقلاب عام (1979) حيث تم تأسيس الحرس الثوري مع بقاء القوات العسكرية الايرانية السابقة على حالها و يوما بعد اخر تم تجهيز الحرس الثوري (الجيش النقي التقي الموالي للثورة و الداعم لها) بأحدث المعدات العسكرية و التدريب مقابل اضعاف الجيش إلا ان تم حله بالكامل و اعتمدت الثورة الاسلامية على الحرس الثوري في كل حروبها الداخلية و الخارجية والدفاع عن أمنها الوطنى و ان اقرار هذا القانون تعني الاقرار بقوة عسكرية شيعية تستطيع الدفاع عن الوجود الشيعي و الدولة الشيعية في العراق و تم دعمها بشتى الاشكال في مقابل اضعاف الجيش العراقي و تكرار هزائمه في الجبهات المتعددة لاثبات قدرة الحشد على دحر الاعداء و حدد القانون (داعش) و كل من يتعاون معهم كمهمات رئيسية للحشد .
– هذا القانون طائفي بامتياز لانه جاء استجابة لمكون شيعي ذات الاغلبية في البرلمان العراقي فالقوانين تشرع لصالح الجميع و من اجل تنظيم امور المواطنين دون تميز في الدين او العرق او القومية و تحديد حقوق و واجبات الناس, صحيح هناك قوانين خاصة لشريحة معينة (كالطفل او المرأة او فئة معينة) لكنها تشمل جميع مواطني البلد اما هذا القانون فانه يخاطب المكون الشيعي فقط و يحدد واجباتهم و حقوقهم .- منح القانون صفة الاستمرارية للحشد الشيعي مع الاحتفاظ بخصوصيتها و هويتها بشرط عدم تهديد الامن الوطني العراقي وهذا يعني بانه لاينتهي دوره بنهايه داعش و انما كل الابواب مفتوحة امامهم لمحاربة كل من يقف في طريق تحقيق اهدافهم من الكورد او السنة العراقيين .
– يبدو ان المشرع العراقي يتنبأ بعقله الباطن بان الحشد الشعبي سيشكل يوماً ما تهديداً للأمن الوطني العراقي لأنه منح صلاحيات امنية واسعة و كثيراً ما اطلقت في الفترة السابقة عبارات تهديدية للكورد و السنة و بملئ الافواه من قبل قيادي الحشد لذا اشترط عدم تهديده للأمن الوطنى العراقي لديمومته .
– ان القانون نص على ارتباط هيئة الحشد الشعبي بمجلس الوزراء في حين ان المنظومة العسكرية العراقية تتبع وزارة الدفاع و تتلقى منها الاوامر و هذا القانون جعل من الحشد بمكان اعلى و لا ارتباط لها مع وزارة الدفاع و انها تملك صلاحيات امنية و عسكرية واسعة أي انها لا تحتاج الى قوات اخرى بل لا تقبل بوجود قوات عسكرية اخرى في مناطق تواجدها بالاضافة الى ارتباطها بمجلس الوزراء يكون في المسائل المالية و الادارية لان تعبير القانون جاء (بايعاز و طلب من رئيس الوزراء و ليس (بأمر) و هذا ما يجعل رئيس الوزراء في موقف الحرج لانه طلب و ليس بأمر و ان المسائل العسكرية تكون بتنفيذ الاوامر ويبدو انه هناك حهات اخرى تتلقى منه الحشد أوامره .
– ان اقرار القانون تعني الاعتراف بحكم الاغلبية في العراق و ان التوافق السياسي و المصالحة الوطنية و الشراكة او العيش سوية و العدالة الاجتماعية و الاقتصادية و التعامل على اساس المواطنة مصطلحات باتت في مهب الريح و لاوجود لها وفق ما خطط له المالكى و ينفذه و ان المكون الشيعي مهما اختلفوا فيما بينهم تجمعهم وحدة الموقف من المكون السني و الكوردي و اظهرهم على حقيقتهم و افرغوا ما بجعبتهم و يقفون امام كل المشاريع السنية و الكوردية و تنظيم احوالهم و رغم الدعوات المستمرة و مشاريع القوانين المتتالية لتنظيم قوات البيشمةركة الا انها ذهبت سدى امام الفكر التسلطي للغالبية .لذا فان القانون اشار بوضوح الى :-
1. على الكورد ان يعلموا جيداً بان الحشد الشعبي هو الخطر القادم عليهم اذا سنحت لهم الفرصة على الرغم من امتلاك الاقليم لقوات عسكرية ضربت اروع الامثلة في التضحية و الفداء و هم البيشمةركة لانهم ينفذون اجندات و سياسات مرسومة لها خلف الكواليس .
2. انهيار العراق الديمقراطي المدني المنشود بل ان هذا القانون هو المعول لهدمها و قلعها من جذورها لان الديمقراطية ظهر غريباً و سيبقى غريباً عن الواقع العراقي رغم الشعارات المتلئلئة و الدعوات المنطلقة من حناجر البعض و المظاهر البراقة لها إلا انها تفتقد الى ايمان المواطن العراقي بهذا المفهوم عند الاغلبية مع تقديرنا للأفكار النيرة و العقول المبدعة .
3. ان القانون هي بداية نهاية الدولة العراقية و الاعلان عن التقسيم الواقعي لأرض العراق لأن العيش بين مكوناته بات ضرباً من الخيال و يوماً بعد آخر تزداد الهوة بين هذه المكونات و تنمو الكراهية و الطائفية و تجري مجرى الدم من عروقهم .