سؤال يطرح نفسه بإلحاح هذه الايام..بعد انتهاء معركة تحرير نينوى ، وطرد داعش، هل يعد التحالف الوطني نفسه (منتصرا) ، بينما ينظر الى (الشركاء) الآخرين بمثابة (الخاسرين)..ويتعامل معهم على هذا الأساس؟؟
(المنتصر) هو من يفرض شروطه في الحروب بين الدول، في إسلوب (لوي الارادات) ..مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وهو ما يحدث مثلا بين الولايات المتحدة او كوريا الشمالية او بين الاتحاد السوفيتي وتركيا او بين الهند والصين في النزاعات الدولية!!
وليس هناك في الحروب الداخلية ذات الطبيعة الداخلية، من فيها (منتصر) وآخر(مهزوم) لأن الحروب الداخلية تمثل اختبار ارادة شعب بأكمله ، وهو يريد ان يخرج الجميع (منتصرا) من اية حرب سواء كانت مع الداخل او حتى مع الخارج!!
بل ربما يكون منطق السؤال بعد تحرير نينوى وكل بقاع العراق من هيمنة داعش على الشكل التالي : هل هناك من طرف (منتصر) وآخر (مهزوم)…أم أن الجميع بعد نهاية داعش (رابحون)؟؟!!
كان منطق التحالف الوطني قبل أشهر، وبخاصة رئيسه السيد عمار الحكيم، وشخصيات اخرى من التحالف الوطني يتحدثون عن هذا الموضوع، أي (المنتصر) في هذه الحرب مع الارهاب، على ان التحالف الوطني يطرح (تسويات سياسية) من موقع (المنتصر) ،وما على الآخرين الا التجاوب مع هذا الأمر الواقع ، بالرغم من ان السيد الحكيم حاول تدارك الأمر من انه لايعد تحرير نينوى ونهاية داعش، ان هناك طرفا (منتصرا) وآخر(مهزوما)..فالكل من وجهة نظره (رابحون).. وهذا هو المنطق العقلاني الذي يفترض أن يسود!!
لكن نظرة متمعنة في طبيعة تلك التصريحات وتحليل مضامينها، على مدى أشهر ماضية ومن خلال الندوات الحوارية في الفضائيات أو من خلال أعمدة الصحافة ويكون أطرافها في الغالب من التحالف الوطني ، يظهر ان هناك تعاملا فعلا في المستقبل القريب على أساس أن هناك من هو (منتصر) وآخر (مهزوم) بالرغم من أن (الآخر) كان هو أكثر من ناله الأذى من داعش واحتلالها لمحافظاته، بل ان احتلال داعش كان (كارثة كبرى) بكل المقاييس ، حلت على العراق أجمع، وكانت المحافظات التي اتهمت بأنها (حاضنة) لداعش هي من من نالها الأذى الكبير وتحطمت أركان قوتها وتهاوت وتفتت عضدها ، ولم يعد بمقدورها الوقوف على قدميها لسنوات، الى حين ان يكون بإمكانها ان تلتقط انفاسها مجددا، علها يكون بمقدورها إعادة الحياة الى مكونها وشعبها وناسها وعمرانها ، الذي تعرض للابادة والتشريد ، حتى دخل أهلها التاريخ من حيث عدد القتلى والمشردين والنازحين والمهجرين من ديارهم الى داخل وخارج العراق!!
واذا تم التعامل مع العراقيين كشعب ومكونات وفق مقاييس (الربح) و(الخسارة) فأن الجميع (رابحون)..وفي كل الحروب ليس هناك من هو (منتصر) فعليا..فالحروب تؤدي الى هلاك الاف البشر وتدمر بنيات الشعوب التحتية ، وتقوض معالم الحياة وتحطم التمدن ومعالم الحضارة وتصيب الحياة بمجملها بأضرار كبيرة..لهذا لاتعد نهايات الحروب بين أطرافها ان هناك من هو (منتصر) وآخر (مهزوم) حتى وفق حسابات الدول، لأن الكل تضررت، ومن يعد نفسه (منتصرأ) فهو (واهم) حتى وان تغلب في الحرب او كسبها وانهى دور خصمه، لكنه سيبقى يتأثر بمآسيها لسنوات، والحرب الامريكية على العراق منذ التسعينات حتى الان، لم تخرج فيها الولايات المتحدة وكأنها هي (المنتصرة ) على العراق!!
والربح الأكبر او (الانتصار الكبير) هو في كسب الشعب بأكمله وتحقيق طموحاته في العيش الكريم الآمن، والحفاظ على وحدته الوطنية وتماسكه الاجتماعي والتعامل مع أبنائه سواسية بلا تفريق..فالكل أمام مسؤولية بناء شعبهم واعادة نهضته ومواجهة أي عدو شرس يحاول ان يسرق منهم طعم النصر المعنوي، وينبغي ابعاد مكونات الشعب عن شبح التخندقات الدينية والطائفية والمذهبية والقومية وحتى السياسية المتعصبة، فالسياسات السابقة اثبت فشلها بل وكارثيتها ، وما علينا الا الايمان بحقيقة كبرى مفادها ان يشارك الجميع في بناء بلدهم وان حرمان الآخرين من هذا الحق، وبناء تشكيلات مسلحة على اساس طائفي وعسكرة الحياة ، سوف يقوض أية محاولة للشعور بالاطمئنان، وسيبقى تحقيق الاستقرار المنشود حلما بعيد المنال!!
نكرر مرة أخرى ان لا (غالب) ولا (مغلوب) في أية حروب، وليس هناك من هو (منتصر) وآخر (مهزوم)..و(المنتصر الأكبر) هو من يتعظ من تجارب الماضي القريب والبعيد..ولا يكرر أخطاءه ويعيد تصحيح بناء دولته المدنية البعيدة عن مفاهيم (العسكرة) ، لكي يشارك الجميع في الحفاظ عليها، بروح المواطنة الصادقة الأصيلة..وكل إنتماء آخر ، لايضع إعتبارا لـ (المواطنة) و (حق العيش) سيكون بناء أي دولة من قبيل المستحيلات!!