لا يخلو المشهد السياسي من التقلبات ، كما لا يخلو من التساؤلات آلتي اثرت الجدل بين الكيانات السياسية ، حتى وصل الحال الى اعلان المواقف التي تهدد تهدد وحدة البلاد أرضاً وشعباً ، فكثر الجدل حول معركة الموصل ، والتي بدأت نلقي بظلالها على المشهد السياسي ، إذ تعد مدينة الموصل لوحة متنوعة ، تضم الاطياف والالوان والقوميات والمذاهب ، وتعبر عن عرق مصغر ، كما ان مدينة الموصل ليست كالانبار أو صلاح الدين ، بل هي ساحة صراع داخلي وإقليمي ودولي ، لهذا نجد ان جميع الأطراف المحلية والقوى الإقليمية وحتى الدولية حاضرة في المعركة ، فنرى الدول الخليجية بمالها الداعم لداعش ، ونشاهد الدعم اللوجستي التركي لعصابات داعش ، كما ونتابع صولات الغرب وهم يناورون هنا وهناك ، من اجل خلط الأوراق واشعال المنطقة ، ومن ثم اعادة ترتبيها بما يحقق نتائج اتفاقية سايكس بيكو “المعدل ” ومعاهدة ” لوزان ” ، والتي استطاعت من رسم سياسة المنطقة لمئة عام مضت .
معركة الموصل ، ليست معركة عسكرية وحسب ،بل هي معركة نفوذ على الارض ، وإعادة رسم الخارطة التي توسعت على يد التنظيم الإرهابي الذي كان يعمل على جس نبض المنطقة ، عبر مجسات مخطط لها ومعد سلفاً في الدوائر المغلقة ، كما ان ملامح المعركة بدأت تدور رحاها على أطراف الموصل بالتغير، ولم تكد تكمل ويبقى أحد أهم العوامل التي غيرت المشهد العسكري في معركة الموصل ، هو عدم التنسيق بين القوات المهاجمة ، الامر الذي اثر في سير العمليات في بعض مناطق التماس مع داعش .
ان من المتوقع أن تدافع “داعش” عن الموصل ، من خلال العمليات الانتحارية ، والمفخخات ، وربما بحسب المشهد الامني فان عملية تطهير المدينة ستكون عملية سهلة ، ولا تحتاج إلى أعداد كبيرة من القوات البرية لشن حرب شوارع على” داعش” ، ولإنجاز هذه المهمة، ربما يحتاج الى توافر قوات برية مدربة تدريباً عالياً، وهذا ما سيقوي فرصة الاستعانة بقوات الحشد الشعبي للمساعدة في هذه المهمة، ما يعني أن حرب الشوارع التي سوف تندلع فيها ربما يطول أمرُ حَسْمِها، وفي الوقت نفسه، فإن هذا الدفاع المستميت من قبل “داعش” ، الامر الذي يجعل الحكومة العراقية هي اللاعب الأساسي في حسم المعركة ، وربما سيكون هناك انسحاب كلي لداعش من الموصل باتجاه الرقة السورية، وسوف يخلق هذا الانسحاب المفاجئ انطلاق سباق بين القوات المهاجمة على اختلافها، للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من المدينة، لكي تعزز موقفها التفاوضي مستقبلاً مع الآخرين، وسنرى بعد ذلك مدى جدية تنفيذ تلك الأطراف تعهداتها قبل المعركة، فمن غير المرجح أن تنسحب القوات الكردية إلى خارج الموصل بعد نهاية المعركة كما هو متفق مع بغداد،كما سوف يخلق الانسحاب السريع لـ”داعش” من المدينة باتجاه الرقة تدخلاً دولياً آخر، وهذا ما أعلنته روسيا حين قالت إنها لن تسمح لمعركة الموصل بدفع قوات “داعش” باتجاه الرقة السورية، وأنها سوف تتدخل عسكرياً لمنع ذلك ، كما أن انسحاب “داعش” إلى الرقة سوف يفاقم الأمور أيضاً على تركيا ويصعّب من جهودها لتحرير مدينة الرقة مثلما تخطط له تركيا حالياً.
اعتقد وكما يراه المحللين ان معركة الموصل ، ستكون نواة الصراع على النفوذ في المدينة ،والذي سيجعل فرص الصراع والاقتتال الداخلي هي الأعلى ، خصوصاً وآن هناك الكثير من عناصر داعش هم من أهل المدينة ، وهناك الكثير من الحواضن التي كانت سبباً في سقوط المدينة بيد داعش ، الى جانب بروز التدافع الإقليمي والدولي في المدينة ، الامر الذي يجعلنا امام مشاهد جديدة متغيرة ، تكون هي الاصعب من تحرير المدينة .