مؤكد إن الزيارات (المفاجئة) والتي لم يعلن عنها للمسؤولين من ذوي الدرجات العليا لا تأتي إلا على هامش وجود تهديدات حقيقة على الساحة التي يشهدها مكان الزيارة ‘ وبما إن بغداد خاصة والعراق عامة هو مكان أمن بتضحيات الجنود الأمريكيين حسب زعم السيد بانيتا وزير الدفاع الأمريكي الذي احتفل بانتهاء مهمة جنوده المحتلين لهذه الأرض العربية المقهورة والتي أضحت أمنة حسب زعهم ‘ فلماذا لم يعل عن زيارته التي أتسمت بطابع السرية.
والتي قال فيها أن الولايات المتحدة ستستمر بالتعاون مع الحكومة العراقية نحو بناء عراق مستقر ‘ أي أن العراق إلى اليوم الذي غادرت فيه قوات الإحتلال أراضي البلاد لم يشهد الاستقرار ‘ وهو ما يؤكد فشل السياسة الأمريكية التي انتهجتها في العراق منذ ثمان سنين حتى موعد انسحابها‘ فيما رحب أوباما بحديثه لمجموعة من الجنود العائدين من العراق مشيرا أن انتهاء الصراع في هذا البلد يعد ( إنجاز غير عادي) ‘ وهو ما يعكس مدى الورطة الكبيرة والمأزق الذي كانت تعانيه تلك القوات خلال تواجدها في العراق وما لحقها من أضرار أثر ضربات المقاومة العراقية الباسلة تركت أثرها على أداء القوات المحتلة ما أضطرها إلى الانسحاب وإنهاء المهمة حسب زعم أوباما ‘ وما لم يكن هذا التفسير صحيح لقال السيد أوباما ‘ (أنجزنا المهمة التي تكللت بالنجاح والنصر المؤزر)‘ وهو ما لم يشعروا به في العراق على مدى سني احتلاله ولم ينعموا به .
ورغم الإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين ودخول القوات الغازية المحتلة إلى العراق والسيطرة عليه وتقويض نظامه وتدمير كل مؤسسات الدولة العراقية على أيدي قوات الإحتلال والمليشيات التي تتبعها من جهة والتي تتبع إيران من جهة أخرى ‘ إلا أن العراق بعد الإنسحاب لازال يعاني انقسامات طائفية وتشويشا داخليا واختلالا سياسيا ناتج عن عمق تخلف المؤسسة السياسية التي أرادت لها الإدارة الأمريكية أن تتحكم بكل مفاصل الحياة العراقية والتي تديرها المليشيات ‘ وسط مخاوف عديدة تساور العراقيين من احتمالات اندلاع حرب أهلية طائفية جديدة كما حدث في عام 2006 أبان حكم الجعفري وما لحقها والذي كانت حكومته تغذي أتون تلك النزاعات بل تديرها في كثير من الأحيان.
لقد ترك الأمريكان البلاد ربما ومشاهد العنف قد انحسرت عما كانت عليه في السنين الماضية إلا أنها موجودة ويذهب ضحيتها يوميا ما يقرب من الثلاثين إلى أربعين شخصا على أقل تقدير ‘ ثم أن هناك تحديات أخرى لا تقل شانا عن القتل تتمثل في انعدام منظومة الخدمات واستمرار التمرد نتيجة فشل سياسة الحكومة وانفرادها بالقرار لصالح فئة معينة مقابل تهميش المجتمع بالكامل وبكل طوائفه‘ وما يمثله الفساد الذي ينخر جسد العراق والانتهازية والنفعية والوصولية التي تتعامل بها الحكومة فيما يخص المناصب والوظائف من أثر على الآخرين‘ وصولا إلى الاقتصاد الذي بات مدمرا بالكامل ويعتمد على النفط دون غيره ‘ وسط غياب الصناعة والقطاع الزراعي واللذان كانا يشكلان بعض من مصادر الدخل القومي‘ ناهيك عن الكهرباء التي باتت مشكلتها تؤرق الشعب بأكمله ويعاني جراء انقطاعها الأمرين.
الانسحاب الأمريكي المزمع انتهاءه نهاية الشهر الحالي خلق حالة من الترقب لدى جوار العراق الذين لايعلمون كيف ستواجه حكومة بغداد كل تلك المشكلات التي كرستها هي والاحتلال على السواء بغياب الدور العسكري الأمريكي ‘ والذي كان يعد بمثابة الضمانة أو صمام الأمان لكي لاتنفلت الأمور أكثر مما كانت عليه ولتعود الكرة من جديد بيد اللاعب الإيراني الذي عاث فسادا طيلة الوجود الأمريكي على أرض العراق ‘ فما الحال وأن تلك القوات باتت على قاب قوسين أو أدنى من ترك الساحة خالية فارغة تتحكم فيها مليشيات تحركها عقائد خارجية ترتدي لباس الأمن وتتحرك باسم الحكومة ‘ ناهيك عن ما تشهده الساحة السورية من تقلبات قد تعود تأثيراتها على العراق في المستقبل القريب إن تمت إزاحة النظام السوري من الحكم وسيطرة قوى متطرفة على زمام الأمور في هذا البلد والذي يعد بمثابة الحديقة الخلفية للعراق.
لقد فشلت الولايات المتحدة في إقامة نظام ديمقراطي تعددي حسبما زعمت ‘ وأرست بوادر الأزمات المستدامة في هذه الأرض التي كانت مستقرة آمنة ‘ وسوف لن يستطيع العراقيون تامين حكم رشيد على مدى عقود طويلة من الآن ‘ وأن الكلام الذي يتفوه به السيد بانيتا أو الرئيس أوباما عن أن ألتضحيات الأمريكية خلقت عراقا جديدا قادرا على حكم نفسه بنفسه ماهي إلا هرطقات لإدارة مهزومة لم تستطع تحقيق النصر الذي جاءت من أجله ‘ لكنها استطاعت أن تنهي مهمتها ‘ وحسب اعتقادي إن هذا الانسحاب لم يكن ليتم لولا وجود صفقة بين الجانب الأمريكي والإيراني حتى تؤمن تلك القوات عملية انسحابها من العراق بسلام وصولا إلى البوابة التي دخلت منها عبر الأراضي الكويتية.
التساؤل الملح اليوم بعد أن ينهي جيش الإحتلال انسحابه من ارض العراق ‘ لأي الاتجاهات سيكون مسير هذا البلد المضرج بدماء الضحايا ‘ سواء ضحايا إرهاب المحتل أو الإرهاب الحكومي أو الإيراني ‘ وماهي بوصلة المرحلة القادمة ‘ فهل سيعاد سيناريو حكومة الجعفري أم أن المليشيات ستسيطر على المشهد وتعود عمليات الخطف والقتل والتهجير وستشهد البلاد هجرة أخرى للخارج والى أين سيما أن سوريا مضطربة اليوم ‘ هل ستهيمن طائفة على أخرى ‘ أم ترى أن القاعدة التي تديرها إيران هي من سيتحكم بمصائر الناس‘ وما مصير عمليتهم السياسية ‘ وماهو الدور الكردي في كل هذا سيما وإنهم لاعبون رئيسيون على المشهد العراقي اليوم.
إن قراءة المشهد العراقي على أعتاب السنة الجيدة وبعد انسحاب قوات الإحتلال سيكون غاية في الصعوبة سيما وأن جميع من أتى مع الإحتلال قبل ثماني سنين قد أثرى اليوم على حساب الشعب المسكين وبات يمتلك سطوة المال والحكم ‘ وهم اليوم ليسوا على استعداد لمغادرة هذا الجاه والمنصب المغمس بالسحت ودم الأبرياء إلى التوبة والغفران والاعتذار إلى مجاميع هذا الشعب المغلوب على أمره.
العراق في نهاية المطاف وبعد أن تحكمت فيه أقوى دول العالم وسيطرة عليه الدولة التي لا تنافس بالعلوم والتكنولوجيا هو عبارة عن دولة فاشلة تحت الهامش وليس عليه ‘ ولن يعود إلى سابق عهده إلا بامتلاك أهله الإرادة الحرة للتغيير كما فعل الشعب هناك في مصر وتونس ‘ وليس في ليبيا فهي على أعتاب خطى العراق وهي فاشلة أيضا كونها اعتمدت على الأجنبي ‘ وهذا لا يخلف خيرا ابدأ.