يدفعني الشيب وكبر السن الى اللجوء الى المستشفيات وعيادات الاطباء احيانا، فكم من ليلة باردة قادتني الى مستشفى ابن النفيس القريبة من مكان سكني، وكان لشهري تشرين الثاني وكانون الاول من كل عام القدح المعلى في عدد هذه الزيارات ولا اعرف السبب في ذلك. اهو حبي و عشقي لوطني حيث وصفني احدهم باني (وطني اكثر من اللازم) وقال لي اخر وبوجهي (هل العراق مال ابوك؟) نعم ان العراق ملك ابي وملك كل الشرفاء. ان حبي و عشقي لوطني يكلفني صحتي فيهيج علي صديقاي (الضغط و السكر) وما يتبعهما من امراض من قمة الراس الى اخمص القدم ، حتى بدوت شيخا (قد حنى الدهر الدهر ظهره).
كانت والدتي رحمها الله ورحم امواتكم جميعا تردد (مكَرود يالتعمى وتعتاز الطبيب) حيث كنت اشاهد معاناتها ومعاناة والدي من كثرة ترددهم على الاطباء حتى بات الحاجز النفسي بيني وبين الاطباء صفرا. ولكن زياراتي كما اسلفت عكست الصورة لدي واعطتها اطارا ذهبيا رائعا. صباح الخميس 22-11-2012 زرت مستشفى ابن النفيس بعد ان رتبت سلفا موعدا لفحصي (الايكو والدوبلر)، كانت المستشفى تغص بالمراجعين من جميع الاعمار، تغص بحالات تبكي اي انسان مثلي، فهذه امراة مبتورة الساق وهذا شيخ يُدفع على كرسيه المتحرك وهذا شاب إصفرَّ وجهه فبات كقشر الليمون وكان الدم قد هجر جسده هجران الشعراء من متردم وهذه امراة اصابها (فايروس) وهي تشتكي عظامها وهذا اربعيني قد افترش الارض لعدم قدرته على الجلوس وهذا يكلم امه وكانها معشوقته ويدلك لها ظهرها وقدميها فغبطته على هذه الطاعة ودعوت له ولامثاله، وهذا رجل يشكو قلبه وبدى عليه الاعياء وهذا المرافق لابيه يردد باسف واسى (هل عجزت الدولة عن توفير اجهزة ايكو فالمستشفى تعمل بجهاز واحد) ومن حقه ان يقول ذلك فاننا اغنى دولة في العالم، واتساءل كما يتساءل غيري كم هو سعر جهاز (الدوبلر) او (الايكو) ؟
بمثل هذه الظروف العصيبة بمثل هذه الظروف التعيسة التي تدمع العين وتدمي القلب تبدد كل حزني حين جاء دوري بالفحص حيث وجدت ملاكا يُسرعُ هنا وهناك قائلا تفضلي (يوُم) ثم (ها اخي تفضل) و (تفضل حجي استريح) ثم تهمس لاخر قائلة (اخي روح لابو الاشعة رجاءا) (تفضل اخي القطن لتمسح ساقك) ثم لمستها متعاطفة مع الجميع وخصوصا المراة التي اُصيبت ب(فايروس) قائلة لها (يوم لتخافين هذا الفايروس سياخذ وقتا قصيرا و يروح) سالت نفسي هل انا في العراق؟ وهل انا امام طبيبة؟ هل انا في حلم؟ هل انا في مستشفى عراقي؟ استفقت على صوت الدكتورة الانسانة البارعة الدكتورة الملاك الدكتورة المخلصة الدكتورة المضحية والتي استقبلت هذه الاعداد باحلى واعذب لسان وبابتسامة لا تفارق محياها قائلة لي (اخي لا يوجد مكان وهذا كرسيي استرح عليه) قالتها بجرأة وبثقة عالية انا اعمل لله والوطن. ثم جرت اناملها الرقيقة الناعمة لتكمل لي (الدوبلر والايكو) ثم تنصحني وتشجعني على الصمود بوجه الامراض. وقبل مغادرتي غرفتها سالت المعينة التي كانت مثل سيدتها الدكتورة خُلقا واخلاقا (اختي ما اسم الدكتورة؟) فاجابت (عفاف مصطفى كامل) .
خرجت من المستشفى وانا ادعو الله لها وادعو لكل الشرفاء في هذا البلد وحين وصلت داري اخبرت عائلتي بما شاهدت وكنت اكرر ان العراق بخير ما دام فيه شرفاء مخلصون انقياء اتقياء نبلاء مضحون متفانون مثل هذه الدكتورة البارعة.
[email protected]