مراكز الابحاث و الدراسات اماكن لصنع القرارات خلف الكواليس , و الدولة التي تعتمد في قراراتها على مثل هذه المراكز تدل على تطورها و تجاوزها الاسلوب الفردي , و دخلت النظام المؤسساتي البعيد عن النزوات الشخصية و تتسابق هذه المراكز في البحث عن جديد لتقيمه و بيان الجوانب الايجابية و اخرى سلبية , و باتت هذه المراكز تتدخل في كل الامور صغيرها و كبيرها و غالباً ماتؤكد الاحداث صحة ما يذهبون اليها و احياناً اخرى لا يصيبون الهدف المرجو , و هذا هو سر حلاوة الحياة بأن الايام تخفي وراءها اموراً غير ظاهرة للعيان .
العراق بلد الاحداث و الصراعات التي تكاد تخرج من سيطرة التنبؤات و اطار التحليلات لطبيعة ما هو موجود فيها من رؤى مختلفة و ارتباطات خارجية يجعل التكهن للمستقبل الافضل صعباً و ربما مستحيلاً .
الحدث الساخن و الذي ينتظره الشعب و العالم هو الانتخابات القادمة التي بدأت المنافسات تظهر بين من يريد اشراك الحشد الشعبي (الفصائل المسلحة) و بين من يرفضها , و كيف يكون شكل القوائم المشاركة , ففي كل الاحوال لاتبقى الخارطة الحالية على شكلها بل ستجري عليها تغيرات في القوة و العدد و المكون و المذهب , و يهدم على ماتم بناءه منذ عام 2003 من التوافق و الشراكة و التوازن بين المكونات .
اصدر قبل ايام ثلاثة مراكز للابحاث و الدراسات (مركز الدونا السياسي و معهد واشنطن لسياسة الشرق و معهد بيرترام) خارطة للانتخابات العراقية المقبلة حسب توقع الخبراء السياسيين في شؤون الشرق الاوسط , و وفق هذه الخارطة فأن العراق سوف تنقسم الى كتل و تحالفات رئيسية لخوض السباق الانتخابي , و هذه التحالفات هي (قائمة المالكي و قائمة العبادي و القائمة المشتركة) و كل قائمة تضم مجموعة من الاحزاب و التيارات و الشخصيات , هذا التوقع يحمل الخطأ و الصواب و ليس بالضرورة ان يكون خطاءً بتمامه او صواباً بأكمله , و لكنه دليل على اهتمام المجتمع الدولي بشأن العراق و مستقبله و سباق هذه المراكز في بيان تحليلاتهم و دراساتهم .
و وفق هذا التوقع فأنه يظهر :-
ان العراق الذي بني منذ عام 2003 على اساس التوافق و الشراكة و الحفاظ على التوازن بين مكوناته لم تعد قادرة للاستمرار على ذلك , و بموجب هذه الخريطة كل قائمة تتضمن كتل و احزاب شيعية و سنية و كوردية , و بذلك يضع حداً للاقصاء و محاربة المكونات المعينة و تدخل ديمقراطية العراق مرحلة جديدة يكون التنافس على خدمة المواطن دون الالتفات الى قوميته او مذهبه او دينه .
بموجب هذه الخارطة فأن الاتحاد الوطني الكورستاني سيشهد انشقاقاً داخلياً بعد الاحداث الاخيرة في كركوك، و سيكون السيد (كوسرت رسول) على رأس مجموعة يشترك مع القائمة المشتركة ، و (الاتحاد الوطني) مع قائمة المالكي ،و ان جهود الاتحاد الوطني سيذهب سدىً في محاولاته اعادة السيد (برهم صالح) الى صفوفه بعد تأسيسه لقائمة (التحالف من اجل العدالة و الديمقراطية) على الرغم من تمسكه بنهج الطالباني .
استناداً الى هذه الخريطة فأن القوائم الحالية في مجلس النواب مثل التحالف الوطني و التحالف الكوردستاني و القوى الوطنية يتم انهاءها ب، أعتبارها ممثلة للمكونات القومية و المذهبية و استبدالها بقوائم يجمع تحت مظلتها كل المكونات (الشيعة و السنة و الاكراد) مع الملاحظة ان القائمة المشتركة تظم اغلبية السنة و ليس جميعهم مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني .
مشاركة فصائل الحشد الشعبي في الانتخابات على الرغم من محاولات حيدر العبادي الحيلولة دون المشاركة و منع الفصائل المسلحة من الانخراط في العمل السياسي إلا أن فصائل الحشد انظمت الى قائمة المالكي ، مما يعني ان السلطة و القوة لا تزال في يد المالكي وهو العامل المؤثر في ادارة دفة حكم العراق , و يستفاد من الميليشيات للفوز بأكبر عدد من المقاعد ، مما لها تأثير على الساحة العراقية و خاصة الشيعية .
الخارطة المتوقعة للمشهد السياسي العراقي في الانتخابات القادمة لم يتطرق الى الاتحاد الاسلامي الكوردستاني و الجماعة الاسلامية و الاحزاب المسيحية و التركمانية و احزاب اخرى سنية و شيعية دون ذكر الاسباب , و تعتقد بأنه يعد نقصاً في طريقة التحليل، لما لهذه الاحزاب من تأثير على الساحة بما تملكه من تنظيمات و مؤيدين , و في النهاية نقول و نكرر بأنه توقع و ليس الامر الحتمي ، و ان تغييرها وارد، و من المؤكد سيكون للمراكز الأخرى توقعاتها حول الموضوع نفسه مختلفة عن ما ذكرناها .
خلاصة القول المستنتج من الموضوع هو مدى ظهور ضعف المكون الكوردستاني بعد تمزيق صفوفه و اشتراكه في كل القوائم ، و السؤال الذي يحتاج الى الاجابة : هل ان الاحزاب التي اشتركت معها الاحزاب الكوردستانية في القوائم المختلفة ستدافع عن الكورد كقومية ام انها ستتعامل معهم على اساس الاحزاب و عدد المقاعد البرلمانية و هذا ما سنشهده في الايام القادمة .