شارك إقليم كردستان في بناء الدولة الجديدة للعراق عقب سقوط النظام البعثي عام 2003 وساهم في كتابة الدستور والقوانين التي تنظم المؤسسات وتسير البلاد وفق نظام اتحادي فيدرالي تعددي ، ودخل في العملية السياسية واصبح جزءا أساسيا من المعادلة الاستراتيجية في العراق والمنطقة ، فاضطرت الدول الإقليمية الى التعامل السياسي والتجاري معه كأمر واقع لايمكن تجاهله..
ولكن بدأ شركاء الحكم من الأحزاب الشيعية التي شكلت الحكومات المتعاقبة التوجه نحو إعادة الحكم المركزي الشديد الى البلاد على ألاساس الطائفي والتملص من العهود والمواثيق وتطبيق الدستور وخاصة المادة 140 التي تنهي الصراع التاريخي على المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد ، وقد سعى قادة إلاقليم جاهدين لإيجاد حلول للمشاكل الكبيرة العالقة مع بغداد وفق الدستور، ولكن لا فائدة ، اذن من طين واذن من عجين!
ارسلت سلطات الإقليم عشرات الوفود بل المئات وعلى اعلى المستويات لوضع حد للمنكافات والصراعات السياسية التي لاتنتهي ، ولكن دائما ما يعود الوفود بخفي حنين ، دون التوصل الى أي اتفاق عملي ينهي المشكلة. واذا ما اقترب الطرفان الى حل ، جاء من يدق الاسفين بينهما ويعيد العلاقة المتدهورة الى مربعها الأول! ونتيجة ذلك تراكمت الازمات حتى وصلت الى طريق مسدود تماما ، الامر الذي أدى بالاقليم “مجبرا”الى اجراء استفتاء للانفصال عن العراق والتخلص من ازماته ومشاكله التي لاتنتهي ، بينما فرض الجانب الحكومي المزيد من العقوبات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الصارمة ضده.
وقد حاول رئيس الإقليم “نيجيرفان بارزاني” من خلال جهود دبلوماسية استثنائية حل تلك الازمات المفتعلة وفق نصوص الدستور ، ومن اجل ذلك زار بغداد وعواصم الدول الأوروبية والإقليمية والتقى الرئيس الفرنسي والإيراني والتركي وجلس مع قادة الأحزاب الشيعية والسنية لتطبيع الأوضاع مع العراق والدول الإقليمية وتذليل العقبات لاقامة علاقات طبيعية مع الكل وانهاء الازمات عن طريق الحوار ونبذ الكراهية المذهبية والعنصرية. ولكن مع الأسف كلما يخطو الاقليم خطوة الى الامام ويكاد يصل الى حل ما مع بغداد حتى يتراجع خطوات الى الوراء وتبوء محاولاته بالفشل بفعل الدسائس والمؤامرات التي تحيكها بعض دول المنطقة واذيالها داخل العراق حتى غدت الزيارات والجهود الدبلوماسية التي تبذلها الوفود الكردية ضرب من العبث واهدار الوقت!
ولاشك ان ثمة ايادي خفية وغير خفية إقليمية ودولية يعرفها العراقيون تعبث بمصير العراق ومقدراته ولا تريد له ان يتعافى ويستقر ويزدهرويعيد ترتيب بيته من جديد!
واهم واخطر المشكلة التي يعانيها العراق على الاطلاق هي ؛ ازمة الحكم ، من يحكم العراق هل هو البرلمان ام الحكومة ام الميليشيات ام الأحزاب؟ لا توجد روابط متناغمة بين مؤسسات الدولة ، كل مؤسسة مستقلة بذاتها تتحكم فيها كتلة سياسية معينة ، وزراة الدفاع يتولاها الكتل السنية والداخلية يتحكم فيها الشيعة والخارجية للكرد والمؤسسات الأمنية تتنافس فيها الميليشيات وهكذا مع بقية مؤسسات الدولة!
فلا عجب بعد ان يتفشى الفساد في هذه المؤسسات بمليارات الدولارات وتعرض للبيع والشراء كأي ملكية خاصة في سابقة خطيرة لم تحدث في العالم!
العراق على مفترق الطرق اما ان ينهض وينفض عن نفسه غبار الطائفية والعنصرية ويعيد الأمور الى نصابها الصحيح على أساس الدستور الذي ركن جانبا ولم يطبق بند واحد من بنوده الرئيسية او ان يموت ويتفتت ويتشظى الى دول متفرقة ، الدولة الشيعية والدولة الكردية والدولة السنية وتنتهي اسطورة علي بابا وأربعين حرامي الى الابد!