19 ديسمبر، 2024 7:23 م

العراق الى أين وسط هذه الظروف

العراق الى أين وسط هذه الظروف

يٓمُر العراق في الوقت الحاضر بمرحلة معقدة جداً قديصعب على الكثيرين من الساسة والمحللين التكهن بما ستؤول اليه الأحداث المتسارعة في المنطقة وفي مقدمتها الصراع المستدام ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية في إيران . والسبب في هذا التعقيد يعود الى عدة أسباب ومعطيات أهمها ما يلي :
أولاً: إن الصراع الأمريكي الإيراني هو صراع تاريخي منذ عام ١٩٧٩ عندما جاء خميني الى سدة الحكم ولحد الآن حيث إمتد تأثير هذا الصراع على مر الزمن على عموم منطقة الشرق الأوسط نتيجة النهج الإيراني بتصدير ما يدعى ” بالثورة الإيرانية الإسلامية ” الى عموم المنطقة .
ثانياً: تغيير نظام حكم البعث في العراق عام ٢٠٠٣ وإعتماد نظام المحاصصة والمذهبية والقومية في إدارة شئون البلاد وتشويه تطبيقات النظام الديموقراطي مما أدى الى إرتباك النظام السياسي عموماً ومن ثم خلق قوى فئوية متعددة ومتناقضة أعتمدت وتبنت المبدأ العام ثلاثي الأبعاد وهو ( موس ) ، أي العناصر الثلاث : مال (م) ويعني جني الأموال من خلال السيطرة وسرقة موارد البلد ، وولاء (و) ويعني الولاء لخارج الوطن ، وسلاح (س) ويعني القوة للسيطرة على مقاليد الحكم وإبادة المعترضين .
ثالثاً: سيطرة أحزاب الإسلام السياسي بمليشياتهم المسلحة على نظام الحكم وتوغل المؤسسة الدينية في الكثير من مفاصل الدولة بصيغ وأشكال مختلفة بحيث أصبحت معظم القرارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية خاضعة بشكل مباشر أو غير مباشر لرجال الدين المعممين والمرجعيات المحلية والخارجية وبعض الرموز الأخرى من ذوي الثقافة المحدودة ، ومعظم قيادات تلك الأحزاب والمرجعيات والرموز هم من محدودي الثقافة والتعلم والتحضر والمعرفة والإدراك مما جعل العراق بلداً متخلفاً من جميع النواحي بالرغم من الموارد الإقتصادية والطبيعية الضخمة التي يملكها. يضاف الى ذلك انتعاش دور العشائر وتأثيرها في المشهد السياسي عموماً مما جعل العراق يُدار من قبل أشخاص ورموز جهلة لا يرتقون حتى الى مستوى ” أنصاف رجال دولة ” ويكفي مراجعة الخلفية التعليمية والثقافية والحضارية والإجتماعية والأخلاقية لكل من تولوا إدارة شئون العراق للتأكد من مستواهم وأهليتهم لقيادة بلد مثل العراق .
رابعاً: إنتشار وتعميق المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والأمنية على مدى أكثر من عقد ونصف دون أي معالجة نتيجة سوء الإدارة وتفشي ظواهر الفساد الإداري والمالي مما أدى الى تخلف جميع القطاعات وزيادة معدلات البطالة وتخلف البنى التحتية وتراجع القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والماء والكهرباء والطرق والمواصلات ، الى جانب غياب مبدأ العدالة الإجتماعية وتفكك الترابط المجتمعي .
خامساً: إنتشار السلاح في المجتمع وعسكرته مما أدى الى قيام قيادات المليشيات المسلحة الى التهديد المباشر أو غير المباشر الى إستخدام السلاح في إدارة شئون الدولة وإتخاذ القرارات المصيرية كما حدث من تهديد مباشر أو مبطن لبعض أعضاء مجلس النواب العراقي للتصويت على قرار إخراج القوات الأجنبية من العراق نتيجة إغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس .
خامساً: إن الصراع الإيراني – الأمريكي سيستمر وسيكون العراق ، تحت إدارة هذه السلطة المتخلفة ، ساحة لتصفية هذا الصراع . وسوف يدفع الشعب العراقي فاتورة غباء السلطة في كيفية التعامل مع هذه الأحداث المتسارعة . وبالرغم من مسرحية الرد الصاروخي الإيراني على مقتل قاسم سليماني وإكتفاء الجانب الإيراني بالثأر بهذا الرد وقبول أمريكا به ما دام لم يسقط قتيل أمريكي فإن القيادة الإيرانية ستوجه قيادات الحشد الشعبي ” الغبي جداً ” في العراق وكذلك حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن الى إستهداف مصالح ومقرات الجيش الأمريكي لإشعار الداخل الإيراني بأن إيران قد إنتصرت في مواجهتها مع أمريكا وأخذت الثأر لمقتل قاسم سليماني وفق مبدأ ” نحن بدأناها وعليكم إكمالها “.
سادساً: إن ما لا يعلمه معظم الساسة العراقيون ممن يتحكمون بالقرار السياسي ، سواء نتيجة غبائهم أو غير ذلك ، هو إن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تغادر قواتها العراق وتتركه مرة أخرى تحت السيطرة الكاملة للنظام الإيراني لجملة إعتبارات من أهمها إن أمريكا غير مستعدة مطلقاً من تقليل تواجدها وتأثيرها في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً تواجدها في العراق أمام بداية التوغل الروسي غير المتوقع في منطقة الشرق الأوسط والتي إبتدأته بمساندة النظام السوري للبقاء والإستحواذ على هذه المنطقة ، أي سوريا ، لتصبح قاعدة روسية في المنطقة لمدى زمني غير محدود . ولذلك يتحتم على الولايات المتحدة الأمريكية أن تَخَلَّق نوع من التوازن مع روسيا في المنطقة تحت مبدأ ” سوريا لك والعراق لي ” . وعليه على الساسة العراقيين الأغبياء إبتداءً من رئيس الوزراء ” المعزول بأمر الشعب” الى مجلس النواب برئيسه ونوابه وأعضائه ” ومعظمهم جهلة ” الى رئيس الجمهورية ” الحائر ما بين (س) و (ص) ” أن تستوعبوا حقيقة واحدة وهي إن الولايات المتحدة الأمريكية تكبدت تكاليف باهضة بشرية ومالية ضخمة من أجل إقامة نموذج ديموقراطي للحكم في العراق ليصبح نموذج يُهتدى به في منطقة الشرق الأوسط . ولكن بسبب غباء إدارة الرئيس السابق أوباما فقد سمحت لإيران لأن تنفرد بالعراق من خلال أتباعها الذين يؤمنون بولاية الفقيه . وعليه فإن الأوضاع الدولية سوف تفرز حقيقة واحدة وهي إن العراق من حصة أمريكا وسوريا من حصة روسيا ، وإن الصراع مابين أمريكا وإيران هو فقط لتثبيت هذه الحقيقة ، وهذا يعني خروج العراق من السيطرة الإيرانية التي سوف تعمل بكل الوسائل من خلال أذرعها أن تغير هذه المعادلة . على كل حال سوف يدفع العراق ثمن تلك الصراعات بسبب غباء من يُديرون شئون البلاد .
النتيجة النهائية من هذا التحليل هو إن القوات الأمريكية ستبقى في العراق وسوف يتم تحجيم دور إيران في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً وسوف يتم إسقاط النظام السياسي في العراق وانتهاء دور أحزاب الإسلام السياسي المتخلف لخلق نظام ديموقراطي حقيقي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية وذلك من خلال إعطاء دعم واضح للحكم الذاتي في شمال العراق وتشجيع إقامة أقاليم للحكم الذاتي في غرب العراق ، إضافة الى دعمها للتظاهرات الشعبية ، والأهم من كل ذلك سوف تسعى الولايات المتحدة الأمريكية الى ممارسة كل أشكال الضغط على إنهاء دور المليشيات المسلحة في العراق وسوف تنجح في ذلك وسوف يخضع جميع المليشيات للمسائلة القانونية على دورهم في قتل العراقيين المسالمين العُزَّل .

أحدث المقالات

أحدث المقالات