18 ديسمبر، 2024 8:12 م

منذ سنوات وهذا السؤال ماثل أمام أنظار العراقيين، وقد ازداد الحاحاً ومشروعيةً بعد تغول الارهاب، وتعاظم الخلاف، بل الصراع بين أطراف العملية السياسية، التي أصبحت “ولادة أزمات” وأجهزت على ما تبقى لدينا من دولة..

لقد اصاب أبناء شعبنا الذهول والدهشة عما جرى ويجري في محافظة نينوى، ففي الوقت الذي كنا فيه نمني النفس بتحرير الفلوجة ونأمل بخلاص أبناء الانبار من الارهابيين والدواعش معتمدين في ذلك على تصريحات المسؤولين التي تؤكد على قرب اليوم الموعود بتحرير الفلوجة وتحدد التوقيتات بالأيام، بل بالساعات في كثير من الاحيان، وإذ تُفاجئنا الانباء بسقوط الموصل، هذا الحدث الذي صعق العقول وأدمى القلوب.. إنّها حقاً كارثة تضاف الى ما تعرضنا له من كوارث..

كما أن بلادنا أصبحت تعج بالصراعات وتكالبت علينا قوى الشرّ وتعاظم احباطنا لدرجة أننا أصبحنا عاجزين عن استشراف غدنا، وأصبحنا ـ كما يقول محمد الحناشي، مؤلف كتاب افغانستان: جمهورية بلا نصر وإمارة بلا هزيمة!

لقد أصبحنا أسرى الطائفية السياسية وسقط من قاموسنا اسم الوطن ومعنى المواطنة ودخلنا في اتون حروب داخلية وصراعات لا نهاية لها، وأخذت أزماتنا تتراكم يوماً بعد آخر، وقد بُحّت أصواتنا وانكسرت أقلامنا لكثرة ما نبهنا وحذّرنا من مخاطر هذه العملية السياسية المنافية لروح العصر والتي هندسها الحاكم المدني الاميركي عام 2003.

إنّ الشعوب الحيّة تستفيد من تجارب الآخرين وقادتها يفتشون عن التجارب الناجحة، فقد أهملنا نحن التجارب التي وحدّت بلدانها ووضعتها على طريق التقدم والتطور. فجنوب افريقيا مثلاً كانت تعاني من الانقسامات والصراعات العنصرية فجاء نيلسون مانديلا وألغى الصراعات العنصرية وأطلق المصالحة الوطنية وأقام دولة مدنية ديمقراطية تساوي بين الناس بديلاً لدولة الفصل العنصري قأصبحت مثلاً يحتذى، فبدل أن نستفيد نحن من هذه التجربة الرائدة، أخذنا بالتجربة اللبنانية القائمة على الطائفية السياسية والمحاصصة هذه التجربة التي جعلت من لبنان يعاني من الصراعات والانقسامات والحروب الأهلية طيلة تاريخه الحديث، ولم نوفر أيضاً تجربة البوسنة حيث تحاصص الصرب

والمسلمون والكروات وأصبحت صراعاتهم شبه دائمة منذ تسعينات القرن الماضي..

إن الاصرار على نهج المحاصصة والطائفية السياسية سيقسّم بلادنا- حتماً- الى دويلات بغض النظر عن المسميات، وسبق لنا أن حذّرنا في أكثر من مناسبة وأكدنا بأنّ سياسة الاقصاء والتهميش ستدمّر البلاد وشددنا على أهمية إدراك المخاطر ووضع الحلول الصحيحة. واليوم نلاحظ اللامبالاة لما حلّ ببلادنا فبعض اقطاب العملية السياسية يلتقون فيما بينهم ويتجاهلون الآخرين من دون أن يفكروا ملياً ان تحالفاتهم هي بمثابة لقاء (الأصدقاء الالدّاء) وانها لم تأتِ بثمار خلال أحد عشر عاماً من عمر العملية السياسية..

إنّ البلاد تتعرض لمخاطر جسيمة وداهمة وكفانا عناداً وإصراراً على الخطأ.. ولا يعتقدنّ أحد أنه قادر للنهاية على تجاهل وتهميش القوى الوطنية والديمقراطية غير الممثلة بالسلطة، وكذا الأمر لا يمكن إلغاء القوى القومية العربية التقدمية فهؤلاء أسسوا العراق الحديث ومن يتجاهل هذه الحقائق عليه إعادة قراءة التاريخ.

كما أن الحل والقضاء على الارهاب لا يتأتى من خلال الاستجارة بالأجنبي حيث كنا بالأمس القريب نطالب برحيل قوات الاحتلال واليوم نطالبهم بالتدخل لنصرتنا وأصبحنا (كالمستجير من الرمضاء بالنار..).

لقد تفاقمت المخاطر التي تتعرض لها بلادنا، فالانقسامات الداخلية على أشدها ولم يعد أحدنا يثق بالآخر، فالوضع في كردستان العراق وبعد تصاعد الخلافات أصبح يتجه نحو الكونفدرالية وهي تعني في الغالب التعاون بين دولتين! وسبق أن حذّرنا من الخلل في التعاون مع (السنة) وحذرنا من تقسيم عرب العراق تحت ستار إقليم سني وآخر شيعي، فهذه كلها تعني تقطيع أوصال الوطن الواحد وان حصلت – لا سامح الله – فستأتينا مرحلة جديدة عنوانها تجزئة المجزأ..

إننا نعتقد أن الحل يكمن في تسوية تاريخية نحافظ من خلالها على وحدة بلادنا ومنح كل ذي حق حقه، وهذا يتطلب لقاءً وطنياً شاملاً لا تُستثنى منه سوى قوى الإرهاب ومن يريدون العودة بالبلاد للوراء. وإن الهدف من هذا اللقاء هو بعث الروح في المصالحة الوطنية الحقيقية والمستقلة وغير التابعة للسلطة، ووضع أسس وقواعد بناء دولة مدنية ديمقراطية يتساوى فيها أبناء العراق ويحكمهم القانون وتُلغى فيها قواعد المحاصصة والطائفية السياسية في جميع

المجالات. إنه حلٌ لابدّ منه إذ أثبتت السنوات المنصرمة ان لا حلّ غيره فهو القادر على تعضيد وحدة البلاد وإشاعة المساواة وخلق دولة لكل العراقيين لا تميز بينهم الطائفة او القومية او المنطقة.. وبهذا النهج نحمي وحدة بلادنا ونقيها شرور التفكيك والتقسيم والإرهاب.