17 نوفمبر، 2024 1:31 م
Search
Close this search box.

العراق….الوجه الآخر لتسونامي الإستقالات

العراق….الوجه الآخر لتسونامي الإستقالات

لم يكن مفاجئا قرار السيد الصدر دعوة نواب التيار الصدري لتقديم إستقالاتهم وأي متابع للشأن العراقي كان يتوقع إتخاذ قرار تقديم الإستقالة من قبل السيد الصدر.
لكن هناك إختلاف في ألاسباب الحقيقية وراء إتخاذ قرار مهم وخطير في نفس الوقت مما قد يلقي بظلاله على المشهد السياسي العراقي ويربك الوضع الحالي أكثر مما هو مرتبك ويجعل ساسة الأطراف الأخرى يتحركون في دوائر مفرغة قد لا يعرفون سبل الخروج منها…فكل طرف الآن من الاطراف السياسية التي لا تزال تتحرك على رقعة شطرنج الساحة العراقية تأخذ على الطرف الآخر بإنها كانت تحاول إستثمار الوضع كي تطيح بهم أو الحصول على مكاسب سياسية مستندة على نواب التيار وتأيدهم على حساب باقي الكتل السياسية…كما إن التراشق بالكلامات كان قائم على قدم وساق بين الكتل السياسية الذي بعضها يحس الآن إن خيمة الصدر التي كانت تظللهم وتحميهم قد سحبت منهم دون سابق إنذار وبات عليهم لزاما أن يعيدوا ترتيب أوراقهم كي يجعلهم قادرين على التفاوض معهم بعد ما كانوا يعلنون إن ورقة الطلاق بالثلاث بينهم قد وقعت وهي نافذة المفعول وعليهم اليوم البحث عن محلل يعيد الثقة والتفاهم بينهم وبأقل خسائر.
قلنا إن أسباب إتخاذ قرار إستقالة جميع نواب التيار الصدري من البرلمان لم يكن كما يحاول بعض المحللين السطحين تسويقه للشارع بإنه بسبب حالة الإنسداد السياسي الحاصلة في والبلد وإن الإطار كان السبب الرئيسي في القرار الذي إتخذه السيد الصدر…لكن ينسون إن السيد الصدر نفسه قد رفض هذا المصطلح ولم يعترف به مصطلح الإنسداد السياسي…ومحللين أخرين يسوقون للشارع على ضرورة إعطاء التيار فرصة لحكم البلد كما يريد وبعدها يتحمل التيار مسؤولية هذه الحكومة التي سوف تتكون من تحالفات الصدر مع الأطراف الأخرى بعيدأ عن الإطار أو بعض أطراف الإطار…إن هذا التسويق السطحي والذي يعكس فيما يعكس إساءة بالغة للسيد الصدر حيث يقدمونه على إنه رجل باحث عن السلطة والتسلط… هذه الصورة وهذا المشهد يسوق ليلا ونهارا عبر تقريبا جميع القنوات الحزبية سواء كانت تبدوا مع التيار أو معارضة للتيار…فهو أقل ما يقال عنه إنه تسويق لا يستند على أرضية صلبة ويأخذ الأمور بظواهرها دون البحث عن الوجه الآخر الذي جعل السيد الصدر يتخذ مثل هذا القرار الصعب…لكن لا أحد يشك إن ما تم ذكره قد أثر لحد في قرار إستقالة نواب التيار الصدري لكن هذا التأثير كان محدودا جدا كون الحقائق الموجودة على الأرض لا توحي بذلك…عليه فإذا أستثنينا حالة الإنسداد السياسي وتأثيرها على قرار الإستقالة، لا بد لنا أن نغوص في عمق القضية ونبحث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت السيد الصدر يوجه نواب التيار تقديم إستقالاتهم…
لا أحد يشك في إخلاص نواب التيار للسيد الصدر وطاعتهم له طاعة عمياء ولا أحد يشك في ولائهم للسيد الصدر ولكن في الوقت الذي يكون هذا الولاء مطلق وغير محدود قد يتحول إلى عبىء على السيد الصدر وجعله يتحمل المسؤولية الكاملة عن تصرفاتهم وهو بريء منها وإجتهد نواب التيارعلى وصول رسالة للشارع العراقي بإنهم مسيرين وليس مخيرين أما إنهم كانوا يجهلون بإن تصرفاتهم هذه تسيء للسيد الصدر أو كان تصرفهم نابع عن تحقيق مكاسب شخصية لهم معتقدين من خلال أظهارهم هذا الولاء المطلق…
لقد تحمل السيد الصدر ما تحمل من أقرب المقربين له وكان ذلك واضحا في التغريدات المتعاقبة للسيد الصدر والذي يشير فيها إلى وجود خلل ما بين صفوف التيار ووجود فساد وهناك الكثير من البيانات التي تؤشر وجود حالات إنتحال الإنتماء للتيار الصدري لتحقيق مكاسب وحالات إبتزاز كثيرة أشار إليها السيد الصدر…لقد تحمل السيد الصدر الكثيرالكثير بعد ظهور نتائج الإنتخابات ففي الوقت الذي عكست نتائج الإنتخابات فوزا كبيرة للتيار الصدري لكن كانت الصورة على أرض الواقع مختلفة فقد عكست نتائج الإنتخابات إنخفاض حاد في عدد الذين صوتوا للتيار إلى أقل من مليون ناخب وفي التحديد تسعة مائة ألف نائب بعد ما كان العدد قد وصل في الإنتخابات السابقة إلى اكثر من مليون وستمائة الف ناخب صوت للتيار…هذا التراجع الحاد في شعبية التيار جاء نتيجة التصرفات غير المسؤولة لمن يقدم نفسه مدافعا عن التيار التي طالما أشار إليها السيد الصدر، ومن ضمن الإفرازات الأخرى للإنتخابات وبالتحديد نواب التيار هو تقاطعهم في التصريحات التي أساءت للسيد الصدر فمنذ اللحظات الأولى لظهور النتائج سمعنا تصريحات أعتبرت مستفزة للشارع العراقي عندما وقف أحد الفائزين ليقول إننا سوف نتحكم بكل مفاصل الدولة وكل التعينات وغيرها سوف تكون بيدنا، بعد ذلك تبعها تصريح مضحك لنائب أخر من خلال تحميله أمريكا مسؤولية الخراب في مدينة الصدر، ثم جاء تصريح أخر لأحد معتمدي السيد الصدر عندما أراد حصر المرجعية الدينية والدنيوية بيد السيد الصدر….وغيرها الكثير والسيد يراقب سلوك اتباعه ويضطر إلى توبيخهم سرا وعلنا، ومنعهم من التصريح أو إجراء اللقاءات المتلفزة، أو توجيهم للأعتذار عن ما يقولون…كما إن بعض سلوكيات بعض نواب التيار تحت قبة البرلمان لم تعكس صورة توحي إننا أمام رجالات دولة مما أثارت الكثير من السخط كما كانت مادة دسمة لكي تستغل من الأطراف الأخرى…
لقد تضرر السيد الصدر كثيرا من أتباعه وهو يعرف جيد إن حب آل الصدر من قبل العراقيين جميعا لم يكن وليد الساعة إنما يستند إلى ارث نضالي عريق لآل الصدر وضربهم أعلى الأمثلة في تفانيهم ودفاعهم عن الوطن ومحاربة التطرف والطائفية والمحتل فبالتأكيد كانت معناة السيد الصدر كبيرة جدا من سلوكيات المحسوبين عليه…وبالتأكيد السيد لا يمكن أن يسمح لبعض المتسلقين والنفعيين أن يشوهوا هذا الإرث النضالي لعائلة الصدر من خلال سلوكيات لا تنم عن رجاحة العقل أو رصانة التفكير…وعندما انتقد السيد ممارسة بعض المحسوبين عليه وقال بالحرف الواحد لكن هناك كبير يستطيع ضبط الإيقاع لم يكن ذلك من فراغ وكانت هذه رسالة واضحة أولا لنواب التيار وثانيا للشارع الصدري لكن للأسف نواب التيار لم يفهموا الرسالة ثم جاءت حادثة مغادرة الصدر منزعجا من الإحتفال المقام بمناسبة إستشهاد والده والتي كانت هذه الحادثة القشة التي قصمت ظهر البعير والتي أوصلت السيد إلى قناعة تامة على ضرورة إعادة هيكلة التيار والتخلص من كل الوصوليين والنفعيين والمنافقين وبات واضحا إن هناك قرارا واضحا سوف يتخذ والمسألة مسألة وقت ليس إلا. حيث بات السيد مقتنعا بإن التيار بهذه التشكيلة من النواب التي تفتقر إلى رجالات دولة حقيقيين إلا ما ندر لا يمكن أن تكون قادرة على مواجهة المرحلة…السيد بعد قراره المهم في إبعاد نواب التيار في التأثير على مسار الأحداث في البلد وما تبعه من حل كافة التشكيلات التابعة له والإحتفاظ بالقليل منها أعطى لنفسه فسحة زمنية يكرسها لإعادة بناء التيار من جديد بلإعتماد على عناصر جديدة تتحلى بالمسؤولية والكفاءة وقدرتها على إدارة شؤون البلد…ففي العراق هناك من الكفاءات التي تتحلى بنكران الذات ودرجات عالية من الوطنية القادرة على أن تكون سندا قويا للسيد الصدر وتنفذ إمنياته في تحقيق إصلاحات جذرية في الدولة وإزاحة ما شاب العملية السياسية من شبهات كثيرة أقلها تبعياتهم للدول الإقليمية…
لو يعي نواب التيار الصدري الطريقة التي دعاهم فيها السيد لتقديم إستقالاتهم وبالإسلوب التي تم فيها قبول هذه الإستقالات والتي كانت بمثابة سحب اليد منهم وتجريدهم بكل ما تمتعوا به تحت مظلة السيد وجب عليهم إعادة حساباتهم فهم أصبحوا ورقة محروقة ليس على صعيد التيار فقط إنما على صعيد الشارع العراقي عامة والشارع الشيعي خاصة…وهذه الإستقالات تعني في ما تعنيه إن تاريخهم السياسي قد إنهى وسوف يعود التيار من جديد بواجهات أخرى تعطي لآل الصدر مكانتهم الصحيحة في المجتمع العراقي بدون مزايدات أو مكاسب أو فساد…هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يتوهم البعض إن خروج الصدر من العملية السياسية سوف يوفر له جوا مريحا في التحكم في شؤون البلد والإستحواذ على المغانم وتقاسمها وحدهم وهذا التصور أقل ما يقال عنه إنه تصور قاصر فعليهم أن يستوعبوا الدرس جيدا وأمامهم فرصة لإثبات عكس ما يتصفون به أو يصفهم به الشارع العراقي…لقد أعطاهم السيد الفرصة الذهبية التي ما كانوا يحلمون بها على الإطلاق فإذا لم يتم إستثمار هذه الفرصة بصورتها الصحيحة فإن الشارع العراقي كفيل في سحب يدهم في الإنتخابات القادمة…ولعل الخاسر الأكبر في لعبة تحريك بيادق الشطرنج هذه هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني بسبب الرفض واسع النطاق في الشارع العربي لهيمنة هذا الحزب على مصادر القرار في بغداد وضربه عرض الحائط لمواد الدستور العراقي وعدم أحترامه لقرارات المحكمة الإتحادية…فهو اليوم عاجز عن التفاوض مع الآخرين من منطلق فرض الإرادات وعليه تقديم الكثير من التنازلات لكي يعود لاعبا مقبولا في الشأن العراقي ولن يكون أساسيا من جديد لكن ذلك يعتمد على الآخر الذي أعتقد قد استفاد من الدرس واستوعبه جيدا.

أحدث المقالات