أعجز الدول وأكثرها عرضة للأخطار هي تلك التي لايمتلك قادتها رؤية تؤهلهم توقّع مايمكن أن يحدث في البُعد الأهم للزمن-أي المستقبل – لينهمكوا من ثم بترديد مايجري في الحاضر أو استحضار ماجرى في الماضي.
لقد وجد العراق نفسه في الموضع المذكور ،بعد أصبح الملعب الذي يسعى فريقان إقليميان للإستحواذ عليه أو تقاسم النفوذ فيه ،وهما يملكان مايكفي من العدة والإعِداد ،لكنهما قد يرضيان كلّ بساحته إن تطلب الأمر .
المشهد العراقي يبدو على صورة مثلث أحد أضلاعه هو الثابت الوحيد فيه الذي يستطيع من ثم تحديد شكل المثلث وصيغته النهائية ، فيما الضلعان الآخران ينتابهما الإهتزاز والحركة غير المنتظمة من دون أن يعرفا إن كانا سيبقيان جزءاً من المثلث ؟أم سيتحولان إلى خطين مستقيمين لايلتقيان وإن تجاورا ،أو مستطيل مختلف الإضلاع تتجاذبة أشكال هندسية غير مستقرّة بدورها .
الثابت الوحيد في العراق هو إقليم كردستان ،الذي دخل في معادلة من نوع : إن لم يزد ،فلن ينقص ، فمن بين المساحة الجغرافية الرسمية لل(عيراق ) التي مازالت نظرياً تمتد من سفوان جنوباً إلى زاخو شمالاً ،هناك مساحة واحدة أصبحت خارج نطاق الإزاحة أو القضم هي المحافظات الكردية الثلاث بنواحيها وأقضيتها والمناطق التابعة لها أو التي امتدت إليها ،وفوق ذلك فإنها مرشحة للمزيد من التوسع في الجهات الأربع ، في وقت تقضم فيه مساحات من الجنوب أرضاً ومياهاً لتضمّ إلى الكويت ، يقابلها مساحات أخرى في الشرق والجنوب الشرقي يجري قضمها من قبل إيران أو التلويح بذلك كما في شط العرب وحقول الخفجة والمخافر الحدودية في محافظة ميسان وسواها.
في الشمال والغرب ، تضع تركيا خارطتها على أساس تبعية الموصل لها ، فيما تبرّع النظام السابق للأردن بمساحة من الأرض العراقية أصبحت رسمياً خارج الحساب ، وإذا أعيد إحياء المخططات القديمة في توسيع المملكة ، فقد تضاف إليها أراض عراقية أخرى مع سكّانها هذه المرة ، مايشير إلى أن جميع الأجزاء المتبقية من العراق خاضعة لمعادلة : إن لم تنقص ، فلن تزيد .
مالذي يجعل تلك الإحتمالات ممكنة الحدوث؟
عاملان رئيسان قد يلعبان الدور الأكبر في هذا الجانب هما: السياسية الداخلية التي تمارسها الأطراف العراقية ،والعوامل الإقليمية والدولية المساعدة أو المحبذة أو الدافعة .
إنه عصر التحولات الكبرى ، مصطلحات ومنهجيات وسياسات وجغرافيات سياسية ، كلها أصبحت في مهب التحوّل ، لتدخل من ثم تاريخاً جديداً ستشهد المنطقة فصوله ، ذلك ماينبغي إدراكه والإستعداد لحصوله ،لكنه غائب في بقية العراق حاضر في الإقليم الكردي .
مافعلته القيادات الكردية وتساوقت معه ، جعلها شبه مطمئنة إلى إمكانية استثمار تلك التحولات لصالح تحقيق حلمها الأزلي في إقامة “كردستان الكبرى ) بدءاً من العراق الذي بات الأرضية المناسبة لفرش ذلك الطموح على أرض الواقع ،والوسائل اللازمة لتحقيق ذلك باتت مهيأة ومتهيئة بعد أن تمكّن الكرد من بَلوَرة نخب سياسية استطاعت الإشتغال ومن ثم إنضاج فكر وخطاب سياسيين عملا على تحقيق الوحدة المجتمعية للكرد تحت هدف واحد ( المصالح العليا للشعب الكردي ) وخلقا شعوراً قومياً عارماً على الرغم من عدم وجود “قومية ” كردية بالمعنى المتعارف عليه في مفهوم القوميات الذي يتطلب الانحدار من أرومة واحدة .
التحولات الكبرى المتوقع حصولها في المنطقة تؤشر إلى إمكانية قيام ثلاث كونفيدراليات كبرى ، واحدة منها متجانسة مذهبياً و قومياً ،وإثنتان ثنائيتا القومية متجانستا المذهب، فالمعروف إن هناك أربع قوميات رئيسة في المنطقة وهم على التوالي : الطورانية – العربية – الفارسية – الكردية – ينقسمان بأغلبيتهم الساحقة إلى مذهبين رئيسين : السنّة – الشيعة – .
التراكيب الحالية التي مزجت بين تلك المكونات في كيانات واحدة ، تواجه تصدعات ومشكلات لم تعد الحلول التقليدية مجدية في تجاوزها للعودة من ثم إلى مقولات من نوع : وحدة التراب الوطني ، أو الهوية الوطنية أو دولة المواطنة أو ماشابه ،خاصة بعد عن إنتقلت التمايزات والاختلافات البنيوية من جوانبها السياسية ،إلى تفاعلاتها المجتمعية التي تتراكم وتتشعب متغذية من إخفاقات الدولة المركزية واتجاهاتها المتزايدة لتكريس حكم (الأغلبية) بمعناه الطائفي أو الإثني ـ الأمر الذي يقسم المجتمع إلى فئات من درجات متفاوتة تأتي في مقدمها الفئات المنتمية إلى الأكثرية (القائدة ) مايجعل الفئات الأخرى تشكو من عدم المساواة أو التهميش أو مصادرة الحقوق ،لشعورها بأنها باتت في درجة أدنى ضمن معادلة ثابتة تتغذى بعوامل الديمومة و الإستمرار.
لم تلعب الديمقراطية دوراً فاعلاً في رأب الصدع ، خاصة بعد أن تحولت إلى ممارسات آلت بنتيجتها إلى تكريس (حكم الأكثرية ) بالمعنى الطائفي أو الإثني ، ما جعل مفهوم الدولة الوطنية يزداد شروخاً ،وبالتالي تواجه أية محاولات لإعادة إنتاجه ،إخفاقاً متزايداً .
في نظرة فاحصة إلى المشهد العام في الدول الإقليمية الأربع الكبيرة (تركيا – إيران – العراق – السعودية ) يظهر الأتي :
1: هيمنة العنصر الطوراني في تركيا ، ورغم قرار حكومة أردوغان بتحويل الإسم من (جمهورية الترك ) الذي ساد منذ قيام تركيا الحديثة على يد أتاتورك ،إلى (الجمهورية التركية ) في محاولة لإمتصاص الشعور السلبي لدى المكونات الأخرى في تركيا ، إلا أن ذلك لم يحقق نتائج ملموسة ، ما دعى إلى تحرّك آخر باتجاه تجاوز عقد الكرد تمثّل بالتنسيق مع القيادات الكردية في العراق للتلويح بفيدرالية تركية /كردية من جهة ، وفتح حوار سياسي مع القائد الكردي المعتقل عبد أوجلان لوضع أسس لعلاقات جديدة مختلفة مع (أتراك الجبال )كما هي التسمية الرسمية لأكراد تركيا .
كانت القيادات الكردية في إقليم (كردستان العراق ) قد اتبعت مشروعاً استراتيجياً يتمحور حول مقولة (إن لم يكن بالإمكان ضم أكراد تركيا إلينا ،فبإمكاننا الإنضمام إليهم ) ولما كان أكراد تركيا هم المكون الرئيس عددياً في الجسم الكردي ، فيما كرد العراق هم التجربة الرئيسة المتحققة في المستوى السياسي ،لذا فيمكن البدء بفيدرالية كردية مع تركيا تسمح للأخيرة بالتوسع نحو الشمال العراقي وصولاً إلى كركوك الذي أوصى أتاتورك بضمّها إلى تركيا في حال تقسيم العراق ،كذلك إيجاد حلّ جذري للمشكلة الكردية في تركيا ، أما بشأن المخاوف التركية بطموحات الكرد نحو الإنفصال بعد إتمام الفيدرالية ، فيمكن تجاوزها بالتأكيد أن سقف الكرد قد لايتجاوز تحوّل الفيدرالية إلى كونفدرالية لتتحول تركيا عندها من دولة فيدرالية ثنائية القومية (ترك / كرد) إلى دولتان ترتبطان بكونفيدرالية حيوية تستجيب لتطورات المستقبل وطموحات الشعبين بعد أن تكون الروابط الإقتصادية والسياسية والمجتمعية قد تداخلت وتمتنت مع توافر الإرادة والرغبة فيما يدفع إلى النجاح ، لكن تركيا قد لاتكتفي بذلك وحده ، بل بإمكانها بناء دولة طورانية كبرى متجانسة قومياً وطائفياً تمتد نحو الجمهوريات الناطقة بالتركية كتركمانستان وقرغيزستان وطاجيكستان وسواها ، وهو مايجعل تركيا في كلّ إحتمال ،دولة قابلة للتوسع والتعويض حتى لو تعرقلت علاقتها المستقبلية مع الدولة الكردية العتيدة .
ذلك هوالمشروع الأكثر نضجاً وجهوزية مع توافر النموذج المتبلور للقيادة في جانبيه التركي (الإسلامي ) والكردي (العلماني )على السواء ، وهو نموذج يمكن تعميمه لإيجاد قواسم مشتركة بين ليبراليين واقعيين لعقلنة طموحاتهم في إقامة دولة علمانية على الطريقة الغربية ، وإسلاميين معتدلين للحدّ من محاولات استئثارهم بالسلطة ومن ثم الوقوع في أزمات متوالدة كما في مصر والعراق وتونس وسواها.
في جانب آخر تبدو العوامل الدولية ملائمة أو داعمة أو غير ممانعة ، كذلك عدم وجود موانع إقليمية كبيرة يمكنها من عرقلة قيام المشروع التركي / الكردي أو إمتلاك الرغبة أو القدرة في ذلك ،خاصة بعد المشكلات التي يشهدها العراق بين مكونيه العربيين – الشيعة والسنّة – التي باتت تؤشر إلى دخولهما – رغبة أو دفعاً – للسير في خطوات مشابهة، كذلك ماتعانيه إيران إقليمياً ودولياً بصورة قد تستطيع معها إعاقة مشروع كهذا .
ذلك فيما يخصّ الثابت المطمئن (إقليم كردستان ) أما عن المتحركين القلقين فيشير أول الاحتمالات الى قيام كونفدرالية متجانسة مذهبياً ثنائية القومية (عربية /فارسية ) قد تتطور لاحقاً إلى فيدرالية شيعية كبرى تضمّ مناطق شرق السعودية والبحرين والكويت إضافة الى المساحات العراقية الممتدّة من شمال بغداد مروراً بمحافظات الفرات الأوسط وصولاً إلى المحافظات الجنوبية ، مايجعلها دولة كبرى تمتلك كميات كبيرة من البترول والثروات الطبيعية .
وعلى رغم إن القوى الإسلامية الشيعية في العراق بدت مقتنعة أو (متوقعة ) بإمكانية حصول احتمال كهذا ، كذلك ماطرحته بعض القيادات الإيرانية عن ضرورة الوحدة مع العراق أو تمتين الراوبط معه والسعي الحثيث لتحقيق ذلك ، الإ أن هناك معوقات وصعوبات مازالت تعترض مشروعاً كهذا ،أهما المعارضة الدولية والإقليمية ،ذلك لأن الحركة السياسية فيه لم تشكلّ مثالها الديمقراطي في الجانب العراقي ، أما النموذج الإيراني ، فمازال يمثل تحدياً للعالم بخطابه وسلوكياته ، وبالتالي لايتوقع أن يجد داعمين دوليين يمكن الإعتماد عليهم ، بما فيهم روسيا والصين اللتان قد لاتضمنان ماسوف تكون عليه السياسيات المستقبلية للدولة الشيعية المقبلة ،خاصة مع الإختلاف الآيديلوجي والرؤية السياسة المختلفة جذرياً للدور الذي يمكن أن يلعبه كلّ طرف في منطقة شديدة التعقيد ،وبوجود قيادات إسلامية متمسكة بعقائد وتقاليد قد لاتستجيب لمتطلبات بناء الدولة الحديثة ،لذا فالإحتمال الأكثر واقعية هو أن يبقى مشروع كهذا مُعَرقلاً ومتأزماً في شعاراته وخطابه وتوجهاته ، في وقت يقطع فيه المشروع ( التركي /الكردي ) خطوات ملموسة في طريق التجسيد .
الجانب الآخر في الصورة القلقة ، يتمثل في العرب السنّة ،إذ تبدو هناك إمكانية لقيام دولة عربية كبيرة متجانسة مذهبياً وقومياً تمتد من حلب شمالاً إلى جنوب الأردن مروراً بالمناطق الغربية من العراق وهو المشروع الأقرب للتحقق ، لكن غياب النموذج الصالح للاعتماد يقف حائلاً دون قيامه، فالنموذج الأردني بوجهه الملكي ربما يكون الأكثر نضجاً من بينها ،لقابليته إلى التطور نحو الديمقراطية مع تجربته في الحكم وعلاقاته المتميزة بالغرب ، لكن صغر مساحة الأردن وضعف إمكاناته الإقتصادية إضافة الى تشابكه السكاني مع فلسطين وبالتالي انقسام مجتمعه بين فلسطينيين تنشط بينهم الحركات الإسلامية كحماس والجهاد الاسلامي وسواها ، وشرق إردنيين مع وجود فاعل للإسلاميين المطالبين بنظام بديل ، ربما جعلت الأردن خارج الحساب لقيادة دولة بهذا الحجم كي لاتتحول إلى مشكلة تهدد الأمن الإسرائيلي وتهيمن عليها القوى الإسلامية المتشددة .
الدولة الأكثر صلاحية للقيادة هي سوريا نظراً لموقعها الإستراتيجي ومجتمعها الحيوي وتطورها الصناعي والزراعي رغم قلة مواردها الطبيعية،لذا يجري الإعداد لمرحلة مابعد نظام الأسد من أجل تهيئة نموذج يجمع كذلك بين إسلاميين معتدليين وليبراليين واقعيين ، وبالتالي يكون قادراً على إدارة مشروع جديد . وهكذا تتشكل الصورة على مؤشرات تظهر إندفاع القوى الشيعية نحو خيار الكونفيدرالية مع إيران كبديل عن فشل بقاء العراق موحداً تحت قيادتهم ، فيما يذهب الكرد باتجاه تركيا كخيار إستراتيجي معلن ومعوّل عليه،أما العرب السنّة ، فيعيشون وضعاً قلقاً على نوعية المصير الذي ينتظرهم ، إذ تبدو جميع الخيارات أمامهم دون مستوى الطموحات بعد أن أصبحوا واقعاً لايمثلون مركز الثقل في الحسابات المستقبلية ، فانضمامهم إلى المشروع التركي / الكردي ، سيجعلهم مجرد رقم زائد لافاعلية محورية له ، أما استقلالهم بدولة خاصّة، فسيجعلهم يقعون بين كيانات كبيرة وعرضة للاستقطاب لأي ّ منها،فيما كونهم جزءاً من المشروع السوري / الأردني في حال قيامه فيدرالياً كاحتمال بعيد وكونفيدرالياً كاحتمال أقرب،قد لايمنحهم سوى مشاركة لاتستأهل ماسوف يضحون به من الإنتماء إلى بلد بحجم وأهمية العراق .
المشاريع الثلاثة المذكورة تصطدم جميعها بمشكلات ينبغي العمل على تجاوزها أولاً ، فتحقيق المشروع الفيدرالي التركي / الكردي ،سينتابه التصارع على أهمية الدور وإدارة الدولة بين القوميتين ، كذلك ستبرز إشكالية التنافس بين كرد العراق حيث التجربة الأنضج سياسياً ،وأكراد تركيا حيث الأغلبية العددية ، ومع إختلاف اللغة والثقافة وإلتباس التاريخ بين الكرد أنفسهم من جهة ، و بينهم والأتراك من جهة أخرى وماقد يثيره من حساسيات واحتكاكات، يصبح الإنقسام احتمالاً وارداً ، وقد لايخلوا من مشكلات حقيقية حتى مع اعتماد نظام كونفيدرالي.
الكونفيدرالية الشيعية تبدو متحسّبة لطبيعة الإختلاف القومي واللغوي والثقافي بين العرب والفرس ،لذا ليس من المتوقع اللجوء بداية إلى الفيدرالية نظراً لحساسية الموضوع وإشكالياته ،لذا قد تطرح الكونفيدرالية كخيار أكثر واقعية وقابلية للحياة وهو مايجري العمل عليه بدأب لكن بصمت ، وإن ظهرت بعض مؤشراته ،الإ أن هناك عقدة كأداء لم تجر مقاربتها من الجانبين ولايتوقع أن يحصل ذلك ،هي تلك المتمثلة بإقليم عربستان أو خوزستان ، إنه الرئة التي تمدّ إيران بمقومات الحياة ، فهو مصدر الثروات البترولية ( الغاز والنفط ) والسواحل البحرية على الخليج والموقع الجيوسياسي الحيوي، لكن أكثريته العربية التي ترتبط بوشائج قربى عشائرية وإجتماعية وثقافية مع شيعة العراق ،ومشكلاتهم مع إيران منذ ضمّ الإقليم في منتصف عشرينات القرن الماضي التي مازالت ماثلة ، قد تزيد من نزوعهم نحو التقارب مع الجزء الآخر العربي من الكونفيدرالية إن قامت ، مايجعل احتمال انفضاض الكونفيدرالية قائماً أو إنه يجعل العرب هم الأكثر قدرة على قيادة الدولة الشيعية العتيدة لإمتلاكهم الثروات والسواحل والإمتداد القومي والمرجعية الدينية في النجف الأشرف ، الأمر الذي قد يجعل إيران تُقدم على مغامرة قد لاتكون مضمونة النتائج كما تتوقع .
القوى السياسية العراقية بمجملها ، ربما تكون قد أدركت الإمكانية الكامنة في سيناريوهات كهذه ماقد يفسّر المعنى في توجهات الحكومة العراقية بالتحفّظ تجاه مطالب المتظاهرين من العرب السنّة ، في وقت تبدي مرونة بمواقفها من مطالب الكرد ،ذلك لأن ما يطالب به الكرد جغرافياً ،يقع بمجمله في المناطق العربية السنّية وبالتالي لايمثل حركة مفصلية للكونفيدرالية الشيعية إلا في مناطق محددة يسكنها الفيليون أو التركمان الشيعة ،وهؤلاء تبدو خياراتهم قلقلة بدورها بين الإنتماء إلى الدولة الشيعية بحكم المشترك المذهبي ، أو الإنضمام إلى المشروع التركي / الكردي بفعل العامل القومي ، لكنهم في كلّ حال سيبقون موضع تجاذب من قبل الجانبين ، أما التنازع الأكثر سخونة ،فسيكون بين الكرد والعرب السنّة من جهة ، وبين الشيعة والعرب السنّة من جهة أخرى ، وهو مايضعهم في مواقع برزخية ليست ملائمة من أجل تثبت الوضع الجغرافي للمناطق السنّية بين شمال طامع يسعى إلى قضم المزيد ، وجنوب (مهيمن يروم السيطرة على المزيد ، مع غرب مازال مضطرباً ومجهول المآل .
لكن والى إن تتهيأ الظروف لوقوع احتمالات كهذه ، هناك أزمنة واحتمالات أخرى مغايرة ينبغي العمل عليها ، وهي إبقاء العراق موحدّاً بإيجاد صيغة للحكم دون الدخول في متاهات الإحتمالات المعقدّة .