المعارضة كمفهوم سياسي وفي إطار التعددية الحزبية تعني طرح المشاريع المختلفة أمام الراي لاختيار أفضلها وأكثرها توافقا مع مصالح المجتمع ، و يعني ان الصراع ليس بين الأشخاص وإنما بين الأفكار في واقع الحال ، والحلول الممكنة التي تقترح لصنع التنمية المادية والثقافية والفكرية للقضاء على الصراعات السوداء التي تحرق كل شيئ ليس على المستوى الفكري والاجتماعي والسياسي والثقافي فقط انما على مستوى الوجود كله .
على هذا الأساس فإن الأحزاب التي تدعى بأحزاب المعارضة يجب ان تقدم دراسات معمقة وخطوات بعيداً عن السطحية والهلوسة والتطويع الاعلامي وتعتبر الموالاة والمعارضة واشكالهما وشدتهما او ضعفهما متصل با اصلاح الاداء والفعل و بالنقد الموجب مع الحلول البعيدة عن الانا التي نشاهدها كثيراً على الفضائيات وشبكات الاتصال الاجتماعي ومن أجل تفعيل الإمكانيات لتحقيق التطوير والتطور، وليس بقصد التجريح والمس بكرامة هذا أو ذاك. وهكذا، فإن العمل السياسي في صيغة المعارضة لا يعني إلا المنافسة الشريفة من أجل الرفع من شأن الوطن والمواطنين ، ففي ظل المنافسة الجادة فإن الغلبة تكون للفكرة المفيدة، وللمشروع العملي المشبع بالعقلنة .
الذهاب الى المعارضة السياسية التي اخذت تطرح في العملية السياسية هذه الايام وبقوة من الامور المهمة شريطة إعادة النظر جذريا في ثقافة التعددية السياسية وأخلاقياتها من أجل تدقيق مفهوم المعارضة باعتبارها ذات طابع مدني سلمي ثقافي، سياسي وحضاري ومن الضروري فتح النقاش الجماهيري حول مدلول “المعارضة” لتفهيم الشارع حول الغاية منها وحول أخلاقيات الممارسة السياسية في أفقها الأكثر حداثة. وبدون هذا، فإن التعددية الحزبية بلدنا سوف تبقى امتدادا لتعدد الأغراض والمصالح الخاصة، وللعشائرية، والنخبوية المتزمتة . حيث الغاية منها إلالغاء و الإقصاء فقط دون برنامج .. وبعكسه حيث احترام الآخر وحيث العلاقة البنائية بين القوى الحزبية باستخدام النقد البناء أي بأن تتقدم كل قوة حزبية ببرامج وحلول ومعالجات وتبدأ بحوار موضوعي هادئ يصل إلى نتائج جدية مؤثرة وفاعلة في الميدان وعلى أرض الواقع خدمة لمسيرة بناء الوطن والإنسان..والمعارضة من الخطوات السليمة والضرورية في العملية السياسية متى ما تم الاستفادة منها بشكل صحيح لا ان تكون سيف لقصم المخالف باعتبارها ذات طابع مدني سلمي ثقافي، سياسي وحضاري .
العملية السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية عندنا لا تصلح طالما اغفلنا مبدأ الحوار البناء والفاعل والواعي وحرمان الاخرين من التفكير كي لا نستل الخناجر والبنادق بوجوه الاخرين ولا نرضى إلأ اذا سال الدم ورفض قبول الراي الاخر حتى اذا كان صحيحاً ولم نتعلم من تاريخنا ومبادئنا وديننا ومُثلنا واختار البعض التقاتل على ابسط الاسباب .
المعارضة حالة صحية عندما تكون جادة في اي بلد يعتمد الديمقراطية و لها الدور الهام في الرقابة على أداء السلطة لا فقط تسميات ، فالحكومة ليست معصومة، وما دام الخطأ وارداً فإن تدقيق الأداء لتمييز الخطأ من الصواب يعد أمراً في غاية الأهمية ، والانظمة البرلمانية تسمح بذلك ، خصوصا ان العراق فيه الكثير من الاختلافات في الرؤى السياسية والاختلاف في المناهج السياسية اذا كانت موجودة وهي من الاطر الديمقراطية وحافز من اجل حسم المواقف والامور المهمة في العملية السياسية لتقوية العمل وخاصة ان الوقت الراهن والتحديات الداخلية المتعلقة بالحكومة والتحديات الاقليمية، تفرض على جميع الكتل تطبيق برنامجها الحكومي ومنها القضاء على الفساد وفيما بعد تلك التلكات التي حصلت وتحصل باستمرار ومتى ما ابتعدت عن محاولات لاسقاط المقابل او لغايات اخرى وتسعى لتمثيل الشعب ولتشخيص مواقع الخلل واعادة تصحيحها .
الملاحظة المهمة ،اذا كان ثمة فرق ما بين الأخلاقيات والممارسة، فإن الأخلاقيات عبارة عن قواعد موضوعة تعبر عن السلوك المهني المطلوب من القائمين على المعارضة السياسية الالتزام بها، وتبقى هذه الأخلاقيات عديمة الفائدة ما لم تترجم إلى واقع عملي ملموس خلال ممارسة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والحركات الثورية المسلحة لعملية المعارضة للنظام السياسي أو تأدية الواجبات المناطة بها، مثل احترام حقوق الإنسان , وحماية المدنيين بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية والحزبية, كذلك وضع مصالح البلاد العليا في المقام الأول وعدم المساس بها, فالمعارضة تكون لبعض سياسات السلطة الحاكمة والتي تكون قد أضرت بالشعب بصورة مباشرة او غير مباشرة و يتحول مسارها، إلى حرب بين قوى متعددة، داخلية وخارجية اذا لم تستطيع تجنّب هذا المطب وليس للنظام القانوني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد او وحدة الأراضي او المصلحة العليا او حل الأجهزة الإدارية والأمنية للدولة قبل ان تستكمل الأجهزة البديلة وبهذا تكون المعارضة السياسية قد وضعت مصير البلاد ككل على المحك و قد يكون من الصعب في هذه العجالة تحديد أسباب الفشل المؤسساتي للمعارضة، و من الواجب البدء في عملية تقصي أسباب ذلك الفشل، بطريقة بحثية ومنهجية، من أجل الانتقال إلى مسار مختلف، على الرغم مما يكتنف عملية الانتقال من مصاعب وتحديات، ربما تجعلها مستحيلة. وانتقال حمى المحسوبية والولاء والفساد إلى الكثير من مفاصلها، بالإضافة إلى تبنيها أشكالاً متناقضة من الخطاب، بل سقوطها في محطات عديدة بمطب الشخصنة، وإخفاء الحقائق عن الجمهور، وهو ما يتناقض مع الطبيعة المهنية المفترضة للمؤسسات الإعلامية والثقافية للمعارضة ، وتحتاج الى الكثير من المطالبة و بقدر كبير من الموضوعية ، من أجل كسب ثقة الجمهور، وبناء سمعة جيدة لمسيرتها المهنية. والمعارضة الإيجابية تحافظ على الممتلكات العامة والخاصة وتراها أمانة في أعناقها ومسؤولة عنها وتستخدم كل الوسائل الخيرة للوصول إلى الأهداف .
بينما المعارضة السلبية لا تهتم بسلامة الممتلكات العامة والخاصة بل تدعوا وتعمل على هواها غير مبالية بشئ سوى مصالحها ،إلا أن تكون ممتلكاتها،
كما تعمل على إغراق البلاد والعباد في الفتن والقتل والشرور والآثام اذا لم تستطيع الوصول الى اهدافها وغاياتها ،ابعدنا الله عنها،