الحديث عن الفلوجة وما الت اليها الاوضاع فيها يكتنزه الكثير من الالم والوجع حيث تنضم مدينة السماء والنداء ( الله اكبر ) مدينة القباب والمساجد الى قافلة المدن العراقية المعذبة والمدمرة ويذهب اهلها الطيبيين ضحية الصراع السياسي القذر بين ساسة واحزاب قذرة وميليشيات ليس هناك حد لاجرامها وانتهاكها لحرمة الانسان وماله وعرضه وكل الاعراف والتقاليد. انها معركة كسر عظم بين فريقين ممن يدعون القيم والاخلاق والدين وهو ادعاء زائف والدليل اوضاع العراق البائسة من شماله الى جنوبه.
لا اريد ان امسك العصا من الوسط ولا محاباة طرف على حساب طرف اخر لأنني اعلم علم اليقين ان اهل الفلوجة والشعب العراقي عامة هم ضحية صراع خبيث لاجندات ودول لا تتمنى الخير لنا ويلعبون على حبال تنوعنا الاثني والديني والمذهبي ويريدون لنا ان نكون وقودا لصراعاتهم الخبيثة تلك و يبدو ان هذه الصراعات سوف لا تنتهي حتى تجد العراق في خبر كان ولا اعلم ونتساءل نحن كما يتساءل الاخرون ؟ الى اين يريد هؤلاء واذنابهم من العراقيين الخونة والعملاء الوصول بالعراق والعراقيين ؟
في عام ٢٠٠٤ شاهدت بالصدفة بعد عودتي من الرمادي مرورا بالفلوجة بعد ان اتفقنا انا وزملائي الاثنين ان نتناول طعام الغداء في مطعم كباب حجي حسين الذي يعرفه القاصي والداني والشاهد على كرم اهل الفلوجة وطيبتهم شاهدت سيارة المقاولين الاربعة محترقة وشاهدت ساقا معلقة على احدى اسلاك الكهرباء في وسط الشارع ومصور مع كاميرا يبدو انها كانت تعود لقناة الجزيرة انذاك تصور الحدث من اعلى احدى المحلات، هالني ما رأيت ورفضنا لا اراديا نحن الثلاثة التمثيل بهذه الجثث وبهذه الطريقة لاناس مدنيين مهما اختلفنا معهم لان ديننا الحنيف يرفض التمثيل بجثة الانسان بعد موته او قتله وليس هذا من الانسانية في شيء، طلبت من اخواني الغاء الغداء وترك الفلوجة حالا وغادرنا المكان.
لقد كانت هذه الحادثة ربما البداية لمواجهة كانت تنضج بهدوء تحت الرماد بين قوات الاحتلال الاميركي والمقاومة العراقية التلقائية البطلة ( ليست مقاومة الاجندات او الولاءات الكاذبة او الفنادق ) من شباب العراق الاباة من شماله الى جنوبه ممن التحق باهل الفلوجة وشبابهم وممن ساندهم بالسلاح والمال والارزاق وممن وقف ينتظر على حدود الفلوجة ليدخل المعركة وينال شرف الشهادة والدفاع عن ارضه وعرضه وماله وانتهت هذه المواجهة بنهاية مشرفة اعز الله فيها الفلوجة والعراق واخزى فيها المحتل الاميركي البغيض ودخلت التاريخ من اوسع ابوابه، وقفت جميع دول العالم الحرة مع العراقيين في معركة الفلوجة لانها مقاومة شعب ضد محتل وهي مقاومة مشروعة لذلك نالت الكثير من التأييد والاسناد.
ما حدث بعد ذلك من احداث وافعال في مدينة الفلوجة نرفض الخوض فيها ومساندتها وتاييدها لان المدينة دخلت هي الاخرى كما العراق في صراع الاجندات وتصفية الثأرات القديمة بين مقاومة ما يسمى مجاهدي القاعدة والمحتل الاميركي ولكن هذه المرة على ارض العراق وليس افغانستان ونحن لا نساند القاعدة ونرفض افعالها واعمالها جملة وتفصيلا لان افعالها اجرامية لا يقبلها اي انسان عاقل وسوي من تفخيخ وتفجير وقتل واغتصاب اعراض للناس الابرياء العزل ولا نجد له اي دليل من الدين الاسلامي الا من ادلة هم صاغوها لانفسهم ليقدموها تبريرا جاهزا لافعالهم المجرمة.
الحكومات العراقية ما بعد الاحتلال لم تمتلك تلك السياسات الحكيمة للتعامل مع اهل الفلوجة فلم تصغي لهم ولمطالبهم ولم تسمتع لنداء الخيريين فيها ورفضت مطالبهم المشروعة في حياة حرة كريمة ضمن العراق الكبير بل تجاهلت هذه الحقوق وادمنت التعامل المريب والمشكوك معهم فكثرت الاعتقالات والمداهمات ضد الابرياء وشنت حربا بلا هوادة ضد المواطنين في اعمالهم وارزاقهم في محاولة لاذلالهم وسلب كرامتهم وهم الاعزة في وطنهم لذلك تتحمل هذه الحكومات المسؤولية الكاملة ووزر ما وصلت اليه الاوضاع في الفلوجة وغيرها من مدن العراق ممن تعاني من الفقر والفاقة والدمار بسبب فساد اعضاء الحكومة والبرلمان. اللهم احفظ الفلوجة واهلها ولا تجعلها محط فتنة بين العراقيين جميعا ووفق ابناء الجيش العراقي الباسل في معركتهم ضد الارهاب فجيشنا هو عزوتنا وهو الممثل الشرعي الوحيد لنا.