19 ديسمبر، 2024 1:57 ص

العراق الجديد وثقافة تصفية الخصوم ؟!!

العراق الجديد وثقافة تصفية الخصوم ؟!!

ورثنا تركة ثقيلة من نظاماً شمولي وديكتاتوري ، احرق الحرث والنسل وأصبح درساً كبيراً نستفيد منه ونتعض به ، وسياسة تصفية الخصوم كانت متبعة في منهج صدام حتى اصبح رفاق دربه الأسود لا يأمنون شره ، والحوادث كثيرة وخطيرة في هذا المجال .
ما يسمى بالعراق الجديد او كما اسماه الغرب ، كان بالفعل جديداً من حيث الوجوه ولكن السياسات الفاسدة والفاشلة هي نفسها التي كانت متبعة في عهد النظام البعثي ، ورغم ان اغلب من يحكم هو من الأحزاب الاسلامية سواءً الشيعية منها او السنية او الكردية ، ولكن هذه الأحزاب لم تعكس صورة تاريخها وفكرها الأيدلوجي ، بل تناغمت مع الفكر البعثي في قتل النفس المخالفة وتهجير العقول التي تقف عند اي ملف للفساد او الانتقاد لعصابات الحكم في البلاد .
السيد الجلبي الذي وُجد ميتاً في غرفته وعلى كرسيه اثار وفتح ملف قتل اي صوت ينادي بحقوق بلداً سرقته الأحزاب المتنفذة وحولته الى ركام من النفايات وبحيرة من مياه الأمطار التي كشفت كذبهم وزورهم وقتلهم للإنسان العراقي وباسم الديمقراطية وحكم الإسلاميين ، والتي تكشفت أقنعتهم وبان سوء نواياهم تجاه شعب هدته اربع عقود من الحروب والدمار والخوف من حاكم جائر لا يحفظ حرمة او كرامة إنسان ، وإذا بعد سقوطه يعاد سيناريو الخوف والرعب ولكن هذه المرة من جهات متعددة ، فمرة دخل الساحة الاٍرهاب الطائفي الذي اكل ما اكل بمفخخاته وذبحه وما تلاه من ظهور داعش ليكون عدواً ظاهراً يحمل عنوان وشعار ليكتمل مسلسل قتل الانسان وبطرق متعددة ، ناهيك عن قتل الأصوات المخلصة التي تحارب الفساد وتكشف عصابات السرقة المنظمة في حكومتنا الاسلاموية ، الامر الذي جعل الشعب يشعر باليأس من حصول اي تغيير لو تقدماً في حياته اليومية ، بل شعر بانه ليس إنسانا يعيش على ارضه ووطنه الجريح .
السيد الجلبي مثالاً في قتل الصوت الذي يريد إيقاف سرقة ونهب خيرات الشعب الجائع ، والذي امتلئت بنوك دول الخليج ولبنان والغرب بأمواله ، وإذا صحت رواية قتله سواء بالسم او غيره من أساليب القتل الحديثة للخصوم الا انها تنذر بواقع جديد في بلد النفط والديمقراطية  ، اذ لا صوت يعلو على صوت الفساد ، ولا تقطع يد سوى يد المخلصين  لانه العراق الجديد ،  فالبلد بلد المقاطعات والأحزاب وكل مدينة هي تابعة لحزب او تيار ما ، بل هناك مدن كاملة لا وجود للقانون فيها ومن يحكم هي الجهة الفلانية او تلك ،  ومن يعلو صوته فالموت نصيبه ، والتهمة جاهزة اما بعثي او ارهابي .
السيد الجلبي وامثاله الكثيرين الذين غُيبوا او قتلوا او هربوا ولكن ما جعله يقف ويقول كلمته هو الشعور بالانتماء والذي فُقد من الكثيرين الذين لبسوا ثوب الاسلام وهو لايليق بهم ، لانهم لم يكن في أجندتهم اي فقرة فيها خدمة الوطن وشعبه ،. بل جل سعيهم هو ارتفاع ارصدتهم ومشاريعهم المشبوهة التي ازكمت الأنوف من راحة جيفتها وسرقتها لقوت وخبزة هذا الشعب الساذج ، فمهما كانت الأسباب التي قتلت السيد الجلبي ، فالموت واحد ومهما تعددت الأسباب ، ولكن يبقى موته اغتيال سياسي بامتياز ، وقتل للعقلية المخلصة والنزيهة ، ورغم الرجل كونه ليبرالي الا انه لم يكن يوما سارقاً او قاتلا للنفس المحترمة ، ولم يكن يوما متاجرا بارواح شعبه ومصالحهم كما فعلت بعض الأحزاب الاسلامية التي حكمت العراق ، لان  قضية موته المصطنع لم تكن بالأمر الطبيعي ، كونه يمتلك ملفات نوعية وخطيرة تمس مصالح رجال حكم في العراق الديمقراطي ، ويمتلكون شبكة عصابات إقليمية ودولية ، وهذا بحد ذاته تهديد لتلك المصالح ، فالطريق المثلى هو كتم الانفاس ، وقطع الالسن ، ليسقط عقل اخر ورجل شرف اخر من سجل المخلصين في العراق ، وليسجل في التاريخ نفسه ان العراق لم يحتضن مخلصيه والمنتمين له قلباً ولساناً لا شعارات اقل ما يقال عنها انها ضحك على الفقراء وشراءهم بثمن بخس ، هذا الوطن الذي لم يحفظ حياة ابناءه ، وسلمهم الى حيتان السياسية ، وأشباه الرجال من اهل الملاهي والسقوط والانحلال ، لتنتهي حلقة اخرى من حلقات الشرف والانتماء في وطن كان اسمه العراق .

أحدث المقالات

أحدث المقالات