19 ديسمبر، 2024 12:17 ص

العراق الجديد ما بعد داعش

العراق الجديد ما بعد داعش

ما يجري في العراق اليوم هو تعبير عن انقلاب وتحول نوعي في الوعي والذاكرة والثقافة والشخصية العراقية اذا سار كما ينبغي فانه سيطوي صفحة التشاؤمية والانبطاح التي دامت طويلا بل سيطوي صفحات ما بعد حكومات الاحتلال البريطاني للعراق التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 وسيحقق اهداف ثورة العشرين وصولة الثوار العراقيين آنذاك ويزيح ارث فترة دموية وعصيبة طويلة من تاريخ العراق السياسي مليئة بالحروب والانقلابات والتصفيات والانتفاضات والمؤامرات وسيفتح صفحة جديدة في سجل التاريخ العراقي بدأ العراقيون  الاصلاء بصنعها بأنفسهم وبمداد دمائهم صفحة المقاومة والنهوض المليئة بصور التحدي والاصرار ما سيدفع العراق للعب دور محوري في مشروع التحرر والاستقلال ومواجهة مشروع الهيمنة والاحتلال في المنطقة والعالم.

فمما لاشك فيه ان العراقيين اليوم يعيشون زمن الصحوة واليقظة ويدركون ان لا خيار امامهم غير المواجهة والتصدي في هذه اللحظة لانهم استشعروا عميقا ان كلفة المواجهة اقل بكثير حتما من كلفة السكون والسكوت التي ركنوا اليها في فترات عديدة كان آخرها السنوات العشر الماضية التي اثبتت ذلك بجلاء فالمشروع المعادي المركب المحلي الاقليمي الدولي يهوى الرؤية المستمرة لمشاهد تمزيق اجساد العراقيين وتطاير اشلائهم وقطع رؤوسهم وادامة نزيف دمائهم والعبث بأمنهم والتحكم بمصيرهم. فالإرادة الوطنية العراقية تبلورت بقوة واطلقت كلمتها التي طال انتظارها عبر انتظام فصائل المقاومة العراقية صاحبة التاريخ الطويل في مقارعة الاحتلال الاميركي وطرده من العراق وسرايا الحشد الشعبي التي تشكلت بعد فتوى المرجعية الدينية بالجهاد الكفائي والقوات المسلحة العراقية التي يراد لها اميركيا البقاء خارج المعادلة، هذا الانتظام والانسجام وتوزيع الادوار وتقسيم المهام وتنفيذ الخطط الموحدة بقيادة مركزية وتحقيق الانجازات وتسجيل الانتصارات الكبيرة في اوقات قياسية وبإمكانيات محدودة يعد تعبيرا عن ارادة وطنية متعاظمة وكبيرة ويمثل مرحلة انتقالية ونقطة مفصلية في حياة وتاريخ ووعي العراقيين لابد ان تتلوها خطوات اصلاح سياسي عميق ستعكس مؤشرات اصلاح ثقافي واقتصادي واجتماعي كبير في الواقع العراقي بعد عقود طويلة من الارتماء في احضان المشاريع الغربية والصهيو- اميركية خصوصا ما بعد الاحتلال الاميركي.

“الحمد لله الذي جعل اعدائنا حمقى” هو قول لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يصدق على حال وواقع العراقيين اليوم فما اريد له ان يكون معولا لتهديم العراق كبلد ودولة واداة لتمزيقه نهائيا كشعب وسببا لإشعال حريق يلتهم ما تبقى منه ويمتد الى محيطه الاقليمي وحجة لإعادة رسم خرائط المنطقة وتحقيق الاهداف الجيوسياسية الاميركية ما اريد له ذلك تحول الى فرصة كبيرة للعراقيين لتكسير قيود التجهيل والتسطيح التي فرضت عمدا عليهم وتحطيم قضبان الالغاء والتهميش التي وضعتهم في قفص على هامش الحياة وصراعاتها واحيانا كحطب لنيران حروبها بل وحولتهم الى بيدق على رقعة الشطرنج العالمية وكرة تتقاذفها ارجل لاعبي لعبة الامم العالمية التي تتزاحم على مراكز القوة ومصادر الطاقة واماكن المياه الدافئة والطرق الاستراتيجية والمناطق الحيوية.

الطائفية السياسية هي الهدف القادم للعراقيين لإسقاط المؤامرة الكبيرة التي دفعوا ثمنها دماء زاكية وانتهاك لمقدسات غالية وقتل وذل وفقر وبؤس وحرمان وتهجير وفساد اداري ومالي فظيع وتدمير لكل مظاهر الحياة فلابد من القضاء عليها لبناء دولة حقيقية قوية لا تتاجر بدماء العراقيين ولا تزايد على مصيرهم ومستقبلهم بل تجعلهم يتنعمون بإنجازاتها فطبقة الساسة الحاكمين اليوم في مهب الريح ورسائل معارك جرف النصر وديالى وسامراء وبلد وتكريت ومحيطها وغدا الموصل والانبار تقول لهم اتفقوا على ما شئتم ووقعوا على ما رغبتم فمن يرسم مسار السياسة ويصنع المستقبل هم من يبذلون الدماء ويحفظون المقدسات ويصونون الاعراض وليس من اختبأوا داخل منطقة محصنة خضراء في محيط احمر بفعل نار الحروب والمفخخات التي اشعلوها وارتدت عليهم من كل صوب.