التحليل السياسي ليس مجرد تكهنات بل هو علم يستوجب معرفة عميقة بالنظريات والنظم السياسية واطلاع ودراية واسعة بالواقع السياسي المعاش. احد الاغراض الرئيسية من التحليل السياسي هو تشخيص الساحة السياسية و القوى الفاعلة فيها وتحديد الاتجاهات والتطورات المستقبلية. ولكي يتم ذلك بشكل دقيق يستوجب ان تكون لهذه القوى والمؤسسات السياسية برامج واتجاهات سياسية ثابتة و واضحة. لذا فأن دقة استنتاجات التحليل السياسي ورصانته يعتمد كليا على دقة المعلومات التي لدى المحلل. فأنت تستطيع ان ترسم خارطة التحالفات بين الاطراف او الاحزاب السياسية في بلد ما من خلال دراستك او معرفتك لبرامج ومبادئ هذه الاحزاب فيما يتعلق بسياساتها العامة والمتشعبة بمختلف الحقول والمجالات كالصحة والتعليم والدفاع والثقافة والبيئة والشؤون الاجتماعية الخ. هنالك ايضا احزاب ذات هدف واحد طبعا كاحزاب البيئة او الخضر او احزاب المساواة بين الجنسين لكن الساحة السياسية في النظم الديمقراطية الرصينة نادرأ ما تحوي على عدد من الاحزاب اكثر من عدد اصابع اليد. التفسير البسيط والمنطقي لهذه الظاهرة هو استناد هذه الاحزاب على اسس موضوعية و ايديولوجية. فألاتجاهات السياسية المعروفة هي احزاب اليمين ويمين الوسط والوسط و يسار الوسط واليسار. وقد تتشعب هذه الاتجاهات لكنها تبقى دائما ضمن الحد/العدد المعقول لان الناخب لايطيق احزابا متشابهة جدا.
لايوجد بلد في العالم لديه هذا العدد المخيف من الاحزاب سوى العراق الجديد. احزاب ليس لها طعم او لون ولكن لها رائحة تزكم الانوف. أحزاب هيكلية بلا مبادئ او سياسات و هدفها الوحيد هو اغتصاب السلطة و حصد المغانم وبكل السبل الغير شريفة. انه سيرك سيساسي بكل المقاييس. كيف يستطيع محللا سياسيا ان يشخص هذا الواقع السياسي و يخرج باستنتاجات دقيقة ذات معنى وسط هذه الادغال المسمات احزاب وكيانات سياسية. ادوات التحليل الممكنة هنا هي فقط تشخيص “قادة” هذه الاحزاب كأفراد ومحاولة التعرف على طريقة تفكيرهم (ان توفرت) ومصالحهم (الاهم على الاطلاق) اضافة الى خلفياتهم الاجتماعية و انتمائاتهم الدينية والقبلية والاثنية. المشكلة ان كل هذه العوامل عدى الاثنية متلونة و متقلبة ولايمكن الثقة بها او التعويل عليها مما يجعل تخمين التحالفات والخارطة السياسية ومعرفة التطورات المستقبلية واجهاضاتها في غاية الصعوبة. هذه الفوضى والواقع اللا عقلاني يجعل اي عملية تحليل سياسي لما يجري في العراق الجديد اشبه بقراءة الكفوف والفناجين.