18 ديسمبر، 2024 5:18 م

العراق : التفنن في الفساد!

العراق : التفنن في الفساد!

عودت حكومات عملية الاحتلال السياسي المختلفة المواطنين العراقيين وفي بداية كل حكومة بالكلام عن محاربة الفساد وعن فتح ملفاته الكثيرة والضرب بيد من حديد على الفاسدين ومحاسبتهم وملاحقتهم وأكثر من تكلم عن هذا الموضوع هو رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي اجبره متظاهرو تشرين على الاستقالة عام 2019 .، امام البرلمان تكلم عبد المهدي عن وجود واحد وأربعين ملف للفساد سيقوم بفتحها تخص كل قطاعات الدولة من اقتصاد وصناعة وزراعة وبنوك ومناقصات واستثمار وغيرها. وعندما كلف خلفه مصطفى الكاظمي برئاسة الوزراء اختفت أكثرية هذه الملفات وبقي جزء بسيط منها اختفى بدوره من برنامج الحكومة في محاولة لمسحه من ذاكرة الناس المزدحمة بأثقال معاناتها المعيشية اليومية منذ عقدين من الزمن ومع مجيء رئيس وزراء جديد هو محمد شياع السوداني الذي سارع في بداية رئاسته للوزارة من افتتاحها بقضية “نور زهير” التي اطلق عليها سرقة القرن والتي لم تكن في الحقيقية سرقة القرن الأولى في العراق لكنها حازت على هذه التسمية نكاية برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي هو في بنك اهداف الميليشيات الولائية التي تتهمه بالتواطؤ بعملية الولايات المتحدة في اغتيال قاسم سليماني قائد الحرس الإيراني والميليشيات الولائية! لقد استخدم محمد شياع السوداني “سرقة القرن” هذه باعتبارها اول عمل إصلاحي في برنامج حكومته وأول حملات الدعاية له التي رافقها مداخلات منقولة مباشرة من القنوات الإعلامية تظهره بين اكداس الأموال التي تم استرجاعها كما قال من “المتهم” الذي استقبل -ولم يسجن – بحفاوة كبيرة في أحد مراكز شرطة بغداد وخرج بعربة فارهة بعد ساعات بقرار قضائي لم يرى في ما اقترفه أي جريمة تمنع إطلاق سراحه وذلك بطلب من رئيس الوزراء السوداني الذي ارتأى ان استعادة الأموال المسروقة بالمليارات تكون عبر اطلاق سراح المتهم!! والى اليوم يتساءل العراقيون اين نور زهير وأين المليارات التي سرقها هو ومجموعة متنفذة في الأحزاب والحكومة لكنه لم يتلقى أي جواب!
مع سرقة القرن، يدشن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عهدا جديدا لما بعد الفساد التقليدي الذي يعرفه العراق منذ الغزو ليومنا هذا الا وهو عهد إعادة تدويره واستخدامه لأغراض سياسيه وانتخابية وذلك بدل معالجته ومحاربته والضرب بيد من حديد على أصحابه الذين يسرقون مليارات المال العام ويتفننون بطرق سرقته عبر شبكات واسعة تعمل بشكل منظم وتنسيق مع شخصيات سياسية ومع أحزاب ومليشيات وهو ما ظهر في اعترافات نور زهير ومن تهديداته بفضح لهذه الشخصيات علنا في حال تم الحكم عليه وسجنه وهو ما أدى الى اطلاق سراحه وبعجالة اثارت حفيظة العراقيين.
اما قصة “إعادة” مصفى بيجي التي انشغل بها الاعلام العراقي وأبرزها كإنجاز لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني فتبدو تطورا جديدا في مجال “إعادة تسويق” ما تمت سرقته وقصة جديدة من قصص الفساد التي لا نهاية لها على ما يبدو في عراق الاحتلال الأمريكي الإيراني. ان تفكيك مصفى بيجي وتهريبه الى إيران هو واحد من سرقات القرن الكارثية في العراق اذ تمت تحت اعين وانظار رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي لم يحرك ساكنا لا هو ولا وزير النفط ولا البرلمان ولا لجنة الطاقة ولا مدير المصفى ولا حتى القضاء كي تمر هذه السرقة مثل أي حدث عادي وتافه لا قيمة له ! ان ما حدث في مصفى بيجي يشبه ما حدث من سرقة للمتحف العراقي بداية غزو العراق من قبل ” قوات خاصة” جاءت من اجل سرقة آثار معينة بالتحديد. ففي وضح النهار تمت سرقة هذا المصفى الذي يعتبر أحد أكبر المنشأت النفطية واضخمها في الشرق الأوسط وهو بحجم مدينة، يحتوي على تسع مصاف وعلى مخازن ضخمة للأدوات الاحتياطية والصيانة والمراقبة ويحتوي أيضا على مجمعات سكنية للعاملين من المهندسين والموظفين ومرافقها. بحسب أحد المهندسين العاملين في المصفى فقد سرقت أجهزة ثقيلة نادرة عالية الاثمان توجد في العراق والمملكة العربية السعودية حصريا ومثل هذا الاستهداف لا يكون الا من متخصصين في هذا المجال حددوا ما يريدوه من المصفى بدقة ليتم نقله الى بلدهم مستخدمين الميليشيات الولائية من عصائب اهل الحق )التي اعترف صاحبها الخزعلي قبل اشهر بانها موجودة في ايران للصيانة (كواجهة للتغطية على السارق الحقيقي كما يجري في كل عمليات الفساد وسرقة المال العام اليوم في العراق.
في عملية إعلامية، قدم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والبرلماني من لجنة الطاقة “هيبت الحلبوسي” للعراقيين رواية جديدة مختلفة تماما عن تلك التي اعترف بها قيس الخزعلي بالصوت والصورة وما تم نشره في اليوتيوب حول نهب مصفى بيجي وشحن معداته الى إيران. تقول الرواية ان تاجرا كرديا قد أوصى بإعادة مائة شاحنة للدولة قبل وفاته. ولدعم الرواية وتسويقها لدى الاتباع وبسطاء الناس فقد أقحمت المرجعية التي بحسب هيبت الحلبوسي نصحت التاجر “دون غيره من اللصوص والفاسدين الكثر” بإعادة المال العام للدولة؟ وذلك ما دفع السوداني للقول بأن حكومته والأجهزة الأمنية قد قامت بإنجاز مهم جدا كفيل بإعادة تشغيل المصفى كما سابق عهده لتأمين حاجة الشعب العراقي الملحة من المشتقات النفطية. وهذا ادعاء صعب تحقيقه اذ يبدو ان ما تم استرجاعه من التاجر هو بالتأكيد جزء مما سرق من مصفى بيجي الضخم وليس ما نقل من مكائن ومعدات أساسية في عمل المصفى لا تقدر بثمن تم شحنها الى إيران؟ سيفرح الشعب العراقي بنبأ استعادة المنشأة النفطية كل مكائنها ومعداتها المسروقة الخاصة بتكرير النفط وسيفرح بإعادة تشغليها فعليا لان ذلك سيعكس عملا حقيقيا من رئاسة الوزراء لكنه تهكم على اختراع إنجازات وهمية تهدف الى تلميع صورة او تثار بمناسبة قرب انتخابات كما هو الحال اليوم مع قرب انتخابات مجالس المحافظات، ولم يصدق خبر سيء الحبكة عن “مائة شاحنة” لا تعرف محتوياتها بالضبط، وبالأخص لا تحتوي على ما يقوله رئيس الوزراء من المعدات التي تسمح بإعادة تشغيل المصفى. بل ان من غير المستبعد ان يقوم الفاسدون الذين وظفوا هذه الحادثة لأغراض سياسية ببيع ما تم استلامه من التاجر واقتسامه وإعادة بيعه لأن ما حصل في سرقة “نور زهير” المسماة بسرقة القرن كان عملية فساد وسرقة تمت بين مجموعات سياسية وموظفين وتجار ومقاولين قريبين من الأحزاب اقتسموا الكعكة والأموال المسروقة في أكثر من عملية فهرب من هرب واغلق الملف الذي وعد رئيس الوزراء السوداني بمتابعته.
بهذه القصة التي شغلت الاعلام طوال الأيام السابقة يثبت رئيس الوزراء انه لا يمكن ان يتصدى لاي ملف من ملفات الفساد التي امست فنا كاملا ولا القيام باي عمل يمس النظام السياسي القائم على التخريب والتدمير للاقتصاد العراقي وتبديد الثروة الوطنية وان غياب الخطط والتخطيط والبرامج الاقتصادية والتنموية مستمر وغير مرغوب أصلا في وجوده وينعكس على كافة قطاعات الدولة وعلى الأوضاع الاجتماعية. منذ شهر أكتوبر الماضي فأن جل ما قام به رئيس الوزراء هو زيارات تفقدية بمرافقة كاميرات القنوات التلفزيونية مرة من اجل رفع الحظر على دخول المواطنين الى مطار بغداد التي يبت بها مدير المطار نفسه وأخرى زيارة ملعب لم يكتمل بناءه طلب من العاملين فيه الحضور وتمثيل أدوار العمل قبل وصوله او ما حصل أخيرا في تفقد اعمال ترميم احدى ساحات بغداد العادية!
ان ردود أفعال العراقيين المتهكمة على هذه العملية الإعلامية لن تسمح لها بتحقيق نتائجها المطلوبة في تلمٌيع وتجميل أداء رئيس الوزراء ولن تمسح من ذاكرة العراقيين سرقة مصفى بيجي قبل سنوات من قبل إيران وذراعها عصائب قيس الخزعلي المحفورة في ذاكرتهم بل ستحفظها كعملية فساد أخرى تضاف الى سجل فساد حكومات الاحتلال الأمريكي الايراني.