18 ديسمبر، 2024 7:40 م

العراق: التطبيع مقبرة الآمال والسيادة

العراق: التطبيع مقبرة الآمال والسيادة

في الآونة الاخيرة وعلى انغام طبول الرقص العربي( انظمة الحكم العربي..) للتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ تصاعدت في هذه الايام التلميحات والاشارات سواء الظاهر منها او المستبطن؛ عن نية العراق في التطبيع مع الكيان الصهيوني، مع ان هذه الاشارات لم تتحول الى واقع ملموس، اي تحرك رسمي واضح وبيَن ( على الرغم من ان هناك اجراءات رسمية، ولكنها غير مباشرة، كتب عنها الدكتور نديم الجابري، والتي سنأتي عليها لاحقا في هذه السطور..) كما ما هو حاصل في بعض دول الخليج العربي، سواء المطبَعة حاليا؛ الامارات والبحرين، أو التي سبقتهما قبل سنوات؛ مصر والاردن، او التي هي في طريق التطبيع الذي تشير اليه؛ تصريحات المسؤولون في تلك الدول ولو بصورة مبطنة وغير ظاهرة ولكنها في عين الوقت واضحة، مما يجعلنا؛ نضع هذه الاشارات؛ في خانة جس النبض، وكسر الحاجز النفسي. العملية الاخرى والمتوائمة في السير مع الاولى على خط مسار واحد؛ تهدف الى مسح الذاكرة الوطنية العراقية؛ حتى يتم تمرير التطبيع المجاني بلا ضجيج او اصوات رافضة أو مقاومة له. فهم يريدون لهذا التاريخ أي تاريخ الصراع العربي الصهيوني والعراق كان طرفا فاعلا فيه، ومؤثرا فيه، ومتأثرا منه؛ ان يكون منسيا او على الاقل وضعه في خزائن الاهمال على اعتبار، انه لم يعد ملائما لهذا العصر، الذي تسيد فيه بنو صهيون، صار صانعا للأحداث في متغيرات المشهد السياسي والعسكري في المنطقة العربية وجوارها الاقليمي كما يعتقد لصالحه وهو اعتقاد صحيح آنيا وغير صحيح بالكامل استراتيجيا. أن الاسرائيليين؛ فاتهم الوجه الثاني لحقائق التاريخ، والذي هو الأكثر عملا في تنشيط الذاكرة الوطنية العراقية، في حضور الوجه الثاني لهذه الذاكرة، في الحاضر، بلا توجيه وقاعدة عمل له في حركة الواقع على الارض في الوقت الحالي، لكن فعله المعنوي والسياسي، حاضرا في الوجدان العراقي بقوة لا يمكن لأي متابع اغفاله. لذا، نلاحظ ان جميع المحاولات الاسرائيلية، والتي هي في اكثرها خفية ومستترة وراء عناوين كثيرة جدا، لها وجود فعلي في المجتمع العراقي، لكنها غير مؤثره أو غير منتجة لهدف وجودها، بفعل الرفض الشعبي لهذه التوجهات؛ هذه المحاولات، تنحصر في اعادة تشكيل الافكار والرؤى في المجتمع العراقي، لخلق قاعدة مؤيدة لهذا التطبيع مستقبلا، والعمل الدؤوب على توسعتها، ورفدها بروافد عديدة.. الصحف العبرية، كشفت قبل ثلاث سنوات؛ من ان ثلاث وفود برلمانية عراقية كانت قد زارت اسرائيل، والتي جوبهت بالشجب والنفي من قبل البرلمان العراقي في حينها. الكيان الصهيوني قبل اكثر من سنة ونصف كان قد اسس موقع في الخارجية الاسرائيلية، وهو الموقع الذي يحمل عنوان: (موقع عراقي باللهجة العراقية)، والذي عبره، أرسل، مؤخرا، وزير خارجية اسرائيل، يسرائيل كاتس رسالة وباللهجة العراقية الى العراقيين؛ يدعوهم فيها الى التواصل مع ابناء وطنهم من يهود العراق في اسرائيل؟!.. هذا الموقع يقول الصهاينة عنه؛ انه يتصل بالملايين من العراقيين على حد زعمهم، وهم في هذا يريدون ان يقولوا لنا او ان يقولوا للراي العام سواء العراقي او العربي او الدولي؛ بأن العراقيين على استعداد كشعب للتطبيع مع هذا الكيان الصهيوني، وهي محاولة بائسة لكسر رقاب الحقائق على ارض الواقع، لأن العراقيين كشعب كما هو حال بقية الشعوب العربية، له موقف مبدئي ووطني وعروبي واسلامي وانساني من هذا الكيان، والذي يتجوهر في رفض الظلم والاجرام والاستلاب الذي يمارسه هذا الكيان بحق الفلسطينيين على مدار الساعة، وفي كل يوم، وتنصله عن حل الدولتين للصراع العربي الصهيوني؛ كي يتم دفن هذا الحل الى الابد، وضم القسم الكبير من اراضي الضفة الغربية، يهودا والسامرة كما تسميها التوراة؛ ان هذا الاعتقاد، اعتقاداً خاطئاً؛ لمخالفته حقائق النمو الديموغرافي للشعب الفلسطيني المتمسك حد الموت بارضه. الدكتور نديم الجابري وهو اكاديمي عراقي مرموق، وله مواقف وطنية مشهوده خلال السبعة عشر عاما الماضية، كتب قبل فترة في البديل العراقي، في الذي يخص مقدمات التطبيع مع اسرائيل، ما ملخصه:- رفع منع السفر الى اسرائيل من جواز السفر العراقي..- رسم علم العراق بما يشبه العلم الاسرائيلي، الذي رفض من قبل البرلمان العراقي..- شطب عضوية مثال الالوسي من البرلمان العراقي، والذي زار اسرائيل، لكن المحكمة اعادة عضويته… وهناك فقرات اخرى ذات علاقة بموضوع التطبيع لا ضرورة للخوض فيها أو أنها؛ لا تغني وتثري هذه السطور. ان الحكومة العراقية لا يمكن ان تُطبع العلاقة مع الكيان الصهيوني او ان ليس في مقدورها ان تتقدم لو خطوة واحدة على هذا الطريق، لأنه طريق قاتل لها أو انها ان اقدمت على هذه الخطوة تكون قد عزلت نفسها عن جماهيرها التي لها موقف مبدئي من العلاقة مع اسرائيل، لا تحيد عنه ابدا. كما انه وفي الجانب الثاني وهو جانب مهم وحاسم، والذي يتمحور حول خطابها الديني والسياسي والذي كانت به؛ ترسل لجماهيرها قولها وموقفها من هذا الكيان. عليه، فان اي خطوة على طريق التطبيع؛ تفرغ هذا القول من محتواه وجدواه؛ مما يجعل جماهيرها تتهمها بالخديعة، وبالتالي وبالنتيجة تنفض عنها. السياسية الاسرائيلية، لنيدا منوهين قالت في (الموقع العراقي باللهجة العراقية) وهو من مواقع الخارجية الاسرائيلية: نحلم قريبا ان نسافر من تل ابيب الى بغداد. ان التركيز الاسرائيلي على العراق، وعلى وجه الخصوص؛ التغلغل بين ثنايا المجتمع العراقي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي او في غيرها من المنصات والمواقع وهي كثيرة جدا؛ تستهدف في الاخير تهيئة البيئة السياسية والثقافية والمجتمعية لتمرير التطبيع المجاني، وهو لن يحدث في الامد المنظور والمتوسط الى حد ما، من جانب ومن الجانب الثاني؛ لن يحدث، أذ، بعد هذا الامد، حتما سوف يستعيد العراق عافيته وسيادته، وقراره السياسي المستقل، الذي لن يتخلى العراقيون عن جهدهم وجهادهم في بلوغ هذه الغاية او هذا الهدف الوطني السامي. السفير العراقي، السيد فريد ياسين؛ صرح مؤخرا او انه تناول في هذا التصريح العلاقة العراقية مع اسرائيل، والذي فُسر بأنه دعوة الى التطبيع؛ مما جعل اصوات العراقيين ترتفع بالتنديد به حتى وصل الامر؛ دعوة الحكومة الى تبديله. السيد بهاء الاعرجي، نائب رئيس الحكومة العراقية الاسبق، في مقابلة له مع قناة نيوز، قال: ان جميع الظروف مؤاتيه للتطبيع مع اسرائيل.. لكنه عاد في اليوم الثاني، بعد ان جوبه تصريحه هذا بكم هائل من الشجب والادانة ومن قطاع واسع جدا من العراقيين، ومن المسؤولين ايضا، سواء كانوا في الحكومة او خارجها، وفي ساعات قليلة. مما اجبره في مقابلة له، لاحقا، بعد يوم واحد لا أكثر أو أقل من يوم، على قناة التغيير، ان يقول: ان الذي قلته يعبر فقط عن رأيي الشخصي. الكيان الصهيوني يعمل ببطء وصبر، ولكن بعمل دؤوب وعلمي ومعرفي ومنتج واقعيا لانتزاع الاعتراف العراقي به كدولة طبيعية بلا مقابل، في الامد حتى ولو كان بعيد نسبيا او بعيد الى حد ما في هذه الظروف؛ بانتظار ما يحدثه تحركاتها غير المنظورة، وتحت عناوين تحمل تزويرا، الصفة العراقية؛ من تغييرات سياسية وثقافية وغيرهما في رؤية العراقيين للعلاقة مع هذا الكيان .. ان التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني لم يكن وليد اليوم ابدا بل كان أو كان العمل عليه يجري في السر والخفاء، خلال عقود مضت، داخل المجتمعات العربية في الدول المطبعة سواء التطبيع الرسمي او التي تنتظر الظرف المناسب لها؛ كي تُقدم على التطبيع العلني. أن هذا التغلغل الصهيوني في مجتمعات تلك الدول العربية المطبَعة؛ كان يجري بعلم وتخطيط وإرادة من انظمة الحكم في تلك الدول التي طبعت سريا في الزمن الذي انقضى، بل اكثر من هذا فهي قد تعاونت مع هذا الكيان استخباراتيا في التآمر على قرنيتها في الاستبداد والانفراد في تسيير دفة الحكم، من انظمة الحكم العربي الاخرى، المختلفة عنها كليا لجهة الموقف من هذا الكيان. أن انظمة التطبيع العربي المجاني، كانت قد قامت قبل عدة سنوات؛ بفسح المجال واسعا امام المنظمات الاسرائيلية والصهيونية في شتى فروع الثقافة والادب والسياحة وفي جميع مناحي الحياة في المجتمع؛ لإنتاج كتلة مجتمعية توائم نمط الحياة الاسرائيلية، على قاعدة الانبهار بالحرية الاسرائيلية اي (حرية الناس) في الكيان الصهيوني، في تأثير نفسي تبادلي؛ يعزز الرغبة في اعادة تشكيل المجتمع كي يتماثل مع المجتمع الاسرائيلي، في الحرية الفردية، وغير هذا الكثير. لكن الاهم من هذا كله؛ هو اظهار في الزور والبهتان؛ ان العلاقة مع اسرائيل هي الضمانة الاكيدة للتطور والتقدم والاستقرار والسلام وجلب الاموال للاستثمارات؛ وفتح الابواب والشبابيك على اخر تقنيات العصر. ان هذا الذي عملت عليه اسرائيل قبل عقود في مجتمعات الدول المطبعة برضا وإرادة انظمة الحكم فيها؛ تعمل عليه في العراق، منذ سبعة عشر عاما، والذي اشتدت وتائر التصعيد له في الآونة الاخيرة. السؤال الذي يظهر لنا هنا؛ هل نجح هذا المخطط؟! الجواب وبكل تأكيد لم ينجح ولن ينجح في العراق وحتى في الدول المطبعة لناحية الشعوب العربية في تلك الدول العربية.. سوى نجاح محدود جدا الى الدرجة التي بها لن يكون له وجود اشهاري على ارض الواقع، أو ان هذا الاشهار يطوق في المهد، ويجري تحجيمه بطوق من الرفض الشعبي العربي.