ما يثير العجب في ما يحدث في العراق هوة الاستنساخ الكامل للسيناريو السوري بكل تفاصيله حتى الصغيرة منها … بل بقليل من التدقيق نجد ان ما يحدث في العراق هو نسخة طبق الاصل لما حدث ويحدث في سوريا ، هنا ما يثار اكثر من العجب هو الاستغراب من ردة فعل السياسيين العراقيين والطبقة الفعالة من رجال الدين وحتى الشارع العراقي !
هل من المعقول انكم لم ترو ولم تحسو انكم تجرون البلد نحو سوريا ثانية ؟ لماذا لم تستفيدو من التجربة ، سوريا قريبة جداً والمشكلة هنا ان ما حدث ويحدث في الشام ليس تاريخاً قديماً ممكن ان يكون نسي وان الحرب الاهلية هناك عفى عليها الزمن وانطوت في الذكريات ، بل على العكس فالحرب الاهلية السورية لم تحسم ولن تحسم على الاقل في المستقبل القريب .
ثم يأتي العراقيين ويكررون نفس الاخطاء وبنفس الطريقة بدون ادنى تغيير ربما الوحيد الذي توقع وقرأ ما سيحدث هم الاكراد واستعدو له وحاولو التحذير من ما سيحدث لكن بدل الاعتراف بالخطأ توجه للأكراد تهمة الاشتراك بمخطط ( المؤامرة ) تلك الشماعة التي يستخدمها كل حاكم فاشل في الشرق الاوسط .
ماذا سيحدث الان اذاً ؟ سيستمر معارضو المالكي بالتقدم ويحصلون على مكاسب اكثر على الارض لكن بدون حسم، ويستمر تقهقر الجيش النظامي تماما ً كما حدث في سوريا ، لكن المعارضون لن يستطيعو حسم المعركة ولا النظام لأن المخطط للوصول لحرب اهلية يجب ان لا يكون فيه حسم فاذا حدث حسم سيكون اشبه بثورة او انقلاب ولن يسير السيناريو كما هو مخطط .
يتوقف التقدم ويحدث جمود وقتي ومع تقهقر الجيش ومؤسسة النظام سيعتمد النظام على المليشيات اكثر فأكثر ومع الفتوات ستحرز الميليشيات تقدماً وتقوم بأعمال انتقامية كما حدث في سوريا تماماً فيصاب الطرف المقابل بالصدمة وهنا يأتي دور المتطرفين ( داعش ) فمع بدء الازمة كانو مئات لكنهم سيصلون الى الالاف وهنا سنصل الى ما يحدث الان في سوريا تماماً : الحرب الاهلية غير معلومة النتائج سيكون على العرب السنة ومقاتليهم قتال نظام المالكي وبنفس الوقت من الخلف سيكون عليهم قتال داعش لأنه في النهاية من غير الممكن تقبل المشروع الداعشي في المجتمع العراقي بجميع اطيافه وسيحدث التصادم معها لا محالة والنظام بدوره لن يستطيع حسم المعركة والخاسر الوحيد هنا هم الشعب . وهذا هو بالظبط النسخة العراقية من الحرب السورية .
كيف سنصل الى هذه النقطة المظلمة ؟ اذا دققنا بالمواقف السياسية الغربية والاقليمية اليوم من ما يحدث في العراق سنجدها هي تماماً تسير بنفس وتيرة المواقف من الازمة السورية في بدايتها، ليس بالضرورة ان تكون نفس التصريحات او حتى من نفس الدول لكن نتيجة ردات الفعل الاقليمية والغربية ستؤدي بالعراق الى نفس النقطة .
ايران : كما في سوريا ستدخل تدريجياً وبعد فترة من الزمن ستراهم بشكل علني وفي المستقبل لم يظطرو حتى لتفسير تدخلهم او تبريره .
الولايات المتحدة والغرب : من تصريحاتهم الواضحة انهم يريدون الوصول الى نقطة اللاعودة فمثلاً يصرحون انهم ضد الارهاب لكن بطريقة ضبابية فبينما يحتاج العراق الى رد غربي فوري وسريع هم يقولون ( سينسقون مع ايران لكن سيكون هذا التنسيق خطوة بخطوة ) وبدون سقف زمني ، ولكم ان تتوقعو مواعيد المباحثات والجلسات والمؤتمرات اشهر واشهر ويبقى لنا ان نتمنى ان لا تكون المؤتمرات التي ستجري بشأن العراق في فيينا !
العرب : سيكون موقف مشابه تماماً لموقفهم في سوريا طبعاً تأييد خجول لأحد الاطراف بحيث لا يخرج على ما تحدده الولايات المتحدة فالدول العربية ستسند احد الاطراف بخجل ليستمر التوازن وضمان عدم تغلب طرف على الطرف الاخر بحدود ، وايضاً الفائدة الاخرى للعرب وهي ارسال والتخلص من متطرفيها عن طريق ارسالهم الى نحبهم في حرب لا تنتهي مما يزيد من الاستقرار لديهم .
تركيا : يخطأ من يظن ان لتركيا اجندة خاصة في ما يخص العراق او سوريا مختلفة عن الغرب على العكس تركيا تنفذ دورها تماماً مع الغرب ومن السذاجة ان ننسى ان تركيا هي من اهم القوى في حلف الناتو وبالتالي لن تختلف نتائج مواقفها او تتعارض مع الموقف الغربي ربما يرى البعض ان موقفها اكثر حدية مثلاً من الغرب خاصة في سوريا لكن واقعياً هذا غير صحيح وبالنتيجة موقف تركيا متناغم جداً مع حلافئها الغربيين ولم يحدث اي تغيير او حسم .
الاكراد : المشكلة في الموقف الكردي انه غير محسوم لحد الان فالاكراد انفسهم منقسمون في كيفية التعامل مع هذا الموقف ومع اي خط يتجهون ( الايراني ام الغربي ) مع العلم ان النتيجة واحدة بالنسبة للعراق، الاكراد لحد الان حصلو على مكاسب مهمة على الارض ويبدو موقفهم هو عدم التورط والحياد في الصراع ، والمستقبل القريب سيظهر ان كانو يحافظون على حيادهم ام لا ، وطبقاً لهذا الموقف سيتحدد مدى حفاظهم على مكاسبهم الان على الارض .
هل كان هناك حل اخر ؟
مثل كل الاظطرابات الاخرى في المنطقة الحل كان في البداية بسيط جداً في مصر مثلاً لو تنحى حسني مبارك وتخلى عن مشروع التوريث ما وصلت مصر الى ما وصلت له الان ، وليبيا القذافي واليمن وحتى سوريا كلها بدءت بمطالب بسيطة كان من الممكن حلها في حينه لكن نرى انهم جميعاً سلكو نفس المسلك ونفس السيناريو دون اي تغير ربما بمسالك مختلفة لكن الجميع وصلو بنفسهم وبلادهم الى الهاوية .
بالنسبة للعراق كانت المطالب في البداية حتى ابسط من الدول الاخرى طالبت محافظات الوسط بتكوين اقاليم اسوة بأقليم كردستان وهو حق مكفول دستورياً ورفض الطلب ووجه بعنف فخرج الناس في مظاهرات وقمعو بعنف مرة اخرى ، طالبو بشراكة ولو شبه حقيقية ولم يحدث واعتمدت الحكومة على نخبة من هذه المدن لا تملك اي ارضية شعبية حقيقة لذلك نرى عند تفاقم الامور ان مقربي الحكومة من هذه المناطق لا يملكون اي ثقل ولا يمكنهم التأثير في مدنهم بأي شكل وانتهو مع نهاية النظام في مدن من المفروض ان يكونو مؤثرين فيها ، وجائت الولاية الثالثة والتمسك بها لتزيد الطين بلة وتكون الشرارة التي اشعلت فتيل ازمة اوصلت العراق الى ما يحدث اليوم .
الفرصة الاخيرة : بوضوح كنت ارى ان الفرصة الاخيرة كانت اليوم الذي سقطت فيه مدينة الموصل كان يجب ان يتصرف الجميع وبسرعة بخطوات واضحة من التحالف الشيعي خاصة وهو اقالة الحكومة وانهاء حلم الولاية الثالثة وتكوين حكومة انقاذ يقودها الشيعة انفسهم وبشراكة حقيقية مع جميع المكونات ومحاسبة الخاطئين وبسرعة واعادة ثقة الناس واعادة الامور الى نصابها لكن مع الاسف تحرك الجميع للتصعيد فلا محاسبة حصلت وبقت نفس الحكومة ونفس القادة بل اتجه الجميع الى تصعيد خطير يسير بنا الى الهاوية تارة تصعيد طائفي وتارة تصعيد قومي ضد الكرد باتهام الجميع بالمؤامرة وعدم الاعتراف بأي خطأ وهذا ما يجرفنا الى السيناريو السوري وكلنا على امل معجزة ما تنقذنا من هكذا مصير لا رابح فيه والخاسر الاكبر هو الشعب كله دون تمييز .