ارتفعت في الفترة الأخيرة نبرة الخطاب السياسي بشكل حاد ومتقاطع بين وجهتي نظر حول جدوى الاخذ بنظام الأقاليم في العراق كحل واقعي لمشكلات عديدة وبين من يخشى على وحدة العراق واضعافه اذا ما تم تطبيق هذا النظام ..كل ذلك جاء بعد إعلان محافظة صلاح الدين برغبتهم بتحويل المحافظة الى اقليم إداري واقتصادي وفقا لبنود الدستور العراقي وجاء إعلان محافظة ديالى في هذا السياق وربما تلحق بهم الأنبار والبصرة وبابل وسواهما من المحافظات وهنا اريد ان اوضح في النقاط التالية مزايا وعناصر القوة في صيغة الأقاليم بعيدا عن الكلام العاطفي والتجرد عن الغايات والهوى من اجل التاكيد على ان هذا النظام المطبق في اكثر من نصف بلدان العالم ليس اكتشافا عراقيا محضا انما هو تحصيل لسعي الناس والشعوب من اجل ابتكار صيغ واساليب إدارية وسياسية تسهم في تحقيق غاياتها في التنمية والتماثل والمشاركة بعيدا عن اساليب العمل المركزي الذي يراكم كل السلطات ويحتكر التنمية والقرار ولذا فاننا سنجد في الأقاليم اذا ما تعاملنا معها بعقلانية وتبصر فوائد جمة منها :
ان العراق كبلد ونظام سياسي جديد ينحى نحو الديمقراطية والتكامل بين اطياف الشعب لن يكون اول ولا اخر بلد في العالم يختار هذا النوع من الحكم والذي اعتمدته دولا قوية وناجحة مثل الولايات المتحدة والبرازيل وكندا والهند وجنوب افريقيا ونيجيريا وعشرات الدول هو عبارة عن اسلوب وطريقة للحكم تتوزع فيه الصلاحيات والسلطة بين المركز والولايات او الأقاليم ثم ان المركز لماذا يخشى الأقليم اذا كان الدستور قد اوكل اليه كل اعمال السيادة كرسم وتنفيذ السياسة الخارجية وابرام واقرار المعاهدات الدولية وكذلك اناط بالمركز احتكار القوة ممثلة بالقوات المسلحة والامن القومي والسياسة العليا في الاقتصاد والتشريع والبنك المركزي بيده وطبع العملة وغيرها من الصلاحيات .
ان دولة عربية قريبة لنا ( الإمارات العربية ) قد اختارت النظام الفدرالي وتمكنت من تقسيم الصلاحيات في اطار هوية وطنية وانتماء جامع وحققت تنمية وتطور كبير وتجنبت كل النزاعات الداخلية .
ان التحدي الكبير هو كيفية تقبل هذا النظام باريحية وسلاسة وشفافية من دون وضع العراقيل والعقبات في طريقه من اجل افشاله فسنة الحياة هي التطور ومن غير المعقول ان تعاني محافظات العراق قاطبة من التهميش والروتين وهيمنة المركز فدعو ابناء الشعب يتصرفون بمقدراتهم بحسب اولوياتهم واحتياجاتهم والدستور والقانون هو الرقيب على الفساد او الخلل ولم لا يساعد المركز الأقاليم على تطوير قدراتها الإدارية من خلال التدريب والاستشارة وسوى ذلك الكثير من العون .
نظام الأقاليم يمنح الحق لكل ولاية او محافظة ان يكون لها سياساتها الخاصة وخططها في التنمية في الصحة والطرقات والتعليم والاسكان والخدمات والتخطيط الحضري والأقليمي بما لا يتعارض والدستور ولا مع اتفاقيات الدولة الاتحادية اذ بمجرد حصول اي تجاوز فان المحكمة الاتحادية سوف تضع له حدا سريعا ويتم الاحتكام للاليات القانونية المثبتة في دستور البلاد .
ثبت بالدليل ان هذا النوع من الحكم هو الأنسب للعراق في خلق حالة من التنافس الطيب بين المحافظات نحو تنفيذ المشاريع الاحسن والأجمل ويخفف من الاحتقان او اية مشاعر سلبية تترتب على اخفاق المركز في تنفيذ المشاريع والخطط ولم لا يكون هذا الاختيار عنصرا ايجابيا يخلق قوة دافعة نحو التمسك بوحدة العراق وتعزيز اللحمة الوطنية عندما يشعر كل ابناء العراق انهم شركاء حقيقيون في صناعة مستقبل ابناءهم وهم سواسية يتمتعون بنفس الحقوق القانونية .
ان هذا النوع من الحكم يحقق شعار معروف التنوع من خلال الوحدة بمعنى العمل على اقامة حكومة المركز قوية بصلاحياتها السيادية الكبيرة وفي نفس الوقت يشعر المركز ان حركته رشيقة وغير مثقلة بتبعات تحمل كل صلاحيات الاطراف والحكم المحلي الى حد الترهل والفساد . فعندما تنجح محافظة في تجربة مشروع صغير يمكن الاستفادة منه في اعتماده من قبل كل المحافظات وهنا تتحقق الفائدة المشتركة للجميع .
هذا الاختيار يجعل السلطة قريبة من نبض الشارع ويتفاعل معها الناس عن قرب كما انه مع الضوابط واحترام سيادة القانون سوف يمنع بروز ظاهرة الاستبداد وطغيان فئة او مجموعة او حزب وتفردهم بشؤون السلطة والحكم .
العراق بلد عظيم بتاريخه وملهم بابداعات ابنائه وهم على مر التاريخ بناة ومنجزين فلا ضير ان يتدبرو امرهم بشكل ناجح ومجرب عالميا في الإدارة والحكم ووحدة العراق في عقول وضمائر ابنائه راسخة كرسوخ الجبال وهذا العراق لا يقبل القسمة ولا التقسيم فقدره ان يظل عراق الجميع اما وسائل الحكم تتطور دائما والجمود احيانا صفة خادعة عن الاستقرار .