19 ديسمبر، 2024 5:52 ص

العراق ؛ والدليل انتشار “السمنة” فيه هل هي من دلائل أمركته ..

العراق ؛ والدليل انتشار “السمنة” فيه هل هي من دلائل أمركته ..

كنت قد كتبت في ما مضى منذ خمس سنوات في أحد المواقع الالكترونيّة عن موضوع مهمّ جدّاً برأيي عن حالة رأيتها بالمشاهدة عندما زرت دمشق والسيّدة زينب لأوّل مرّة أبحث بين أفواج “الزوّار” العراقيين عن الأصدقاء وعن الأحبّاء أو الأقارب علّي أحظى بواحد منهم بين هذه الجموع الحاشدة من الزائرين لمقام السيّدة وللأسواق المكتظة من حول المقام بعد سنوات طويلة من الغربة أيّام ما كانت دمشق تزهو بناسها وبجوّها المنعش وبحركتها التجاريّة الحيويّة , فانتبهت لحالة “السمنة” المستشرية بين شباب العراق بينهم ناهضون للتوّ من صباهم بدا الواحد منهم وكأنّه فقمة ! لضخامة الأجساد وترهّلها في نفس الوقت بدا ما شاهدته وكأنّها حالة غريبة وطارئة على العراقيين نظراً لطبيعة العراقي العصبيّة والمحبّة للنشاط والحركة في نفس الوقت وطبيعة المناخ المشمس والساخن المنشّط للتعرّق وتذويب الشحوم خاصّةً للكسالى من العراقيين مهما تناولوا من أطعمة دسمة إلاّ الّذين يعانون مشاكل وراثيّة أو دخيلة وهم أعداد كانت فيما مضى نادرة وتجد “النكتة” طريقها فيهم دلالة على ندرتهم ..

تذكّرت أن أعاود كتابة ذلك الموضوع الّذي نشرته سابقاً بعد أن شاهدت من على شاشة إحدى الفضائيّات العراقية قبل يوم تحقيقاً مصوّراً عن ظاهرة السمنة الّتي غزت أوساط الشباب العراقي عندما كان التحقيق يتمّ من داخل أحد محلاّت بيع الألبسة الرجاليّة ذكرت فيه البائعة لمقدّمة التحقيق عن الزيادة الكبيرة في بيع البناطير الواسعة الأحجام بعد أن كانت قبل سنوات تبقى متراكمة على رفوف المحل لصعوبة تصريفها أمّا اليوم فيحدث العكس ! واستعرضت بعض البنطاير الّتي يقبل عليها الشباب وكانت صدمة كبيرة بمعنى الكلمة وكأنّنا داخل محلّ خاص بألبسة لمعوقّين ! لسعة السراويل الكبيرة الّتي تستعرضها البائعة قياساً على ما كنّا نعرفه عن الشاب العراقي الّذي كان يضرب برشاقته الأمثال عندما كان يوصف بشطب الرمّان ! بينما البائعة تقول أنّ ما صرف وتمّ بيعه أوسع من هذه القياسات الّتي ترونها بكثير !! ..

أتذكّر وأنا صبيّ عن حالة سمنة فائقة عن الحدّ ضلّ يتندّر بها العراقيّون أشهراً وسنين وذلك ستينيّات القرن الماضي عندما عرض تلفزيون بغداد , والبغداديّون بالذات , وذلك لضعف وصول البثّ التلفزيوني آنذاك للمدن المحيطة ببغداد إلاّ عندما تكون الريح “شرجي” عندها يصل إليها البثّ التلفزيوني فكيف بالبصرة والموصل ! عرض تلفزيون بغداد شابّاً عراقيّاً بديناً جدّاً مترهلّ اللحم والشحم عبر برنامج تلفزيوني شهير اسمه “صندوق السعادة” وكان ذلك البرنامج الترفيهي والواسع الشعبيّة يترقّبه البغداديّون كلّ مساء خميس على ما أتذكّر يقدّم البرنامج ويعدّه الممثّل والباحث بالبغداديّات المرحوم “فخري الزبيدي” وهو برنامج مشابه لما يعرض اليوم لبرنامج اسمه “من يربح المليون” تقدّم فيه الجوائز عن الإجابات  للأسئلة المطروحة المستخرجة من صناديق يفتح أحدها من حالفه الحظّ وذيع اسمه للاختبار وقد هال العجب المشاهدون والمرحوم فخري الزبيدي يستعرض الحالة الّتي تكاد تكون مشوّهة , وما درى البغداديّون وما درى فخري الزبيدي أنّ مثل تلك البدانة الّتي انهالت في وقتها المبالغ والمواد العينيّة على صاحب السمنة الفائقة “القيسي” من المؤسّسات العراقيّة والأغنياء رفقاً بحالته “الغير طبيعيّة” وما دروا أنّها سيأتي يوماً وتكون صفة عاديّة ؛ اليوم “يتحلّى” بها الشباب العراقي الّذي صار ينافس الكويتيّين الّذين “غزاهم” آبائهم أو أجدادهم يوماً لترفهم الّذي لا يرضى عنه الله ولا رسوله ! .. “نسبة السمنة بين الشباب الكويتي 70 في المائة ويقف في المقدّمة مع  مقدّمة الدول الّتي تعاني السمنة في العالم” ..

ترف مين “يا حصرة” على رأي المصريين .. شباب عاطل أغلبه ومنهم بالملايين قابع في بيته هرباً من مناظر شوارع العاصمة العراقيّة المخزية “المجلّحة” المحفّرة والمزدحمة جدّاً ومن الأزبال المنتشرة وروائحها الدسمة ! ومن لسعات حرارة الجوّ ومن نوبات الأتربة ومن الانفجارات ومن الخطف ومن الاغتيالات يأكل وينام دماغه خالي من أيّ مستقبل أو حلم يبني مستقبله فيه “ودماغ خامد من أيّ انفعال لأحلام أو لآمال أو لأماني وحدها أهم أسباب أمراض السمنة” فرغم أنّ في مقدمة الأسباب للسمنة كثرة الأغذية الرخيصة الثمن , ذلك في الدول المتقدّمة الّتي من خصائص عيشها مثل هذه الأغذية وليس في بلداننا , والعالية السعرات الحراريّة كالوجبات السريعة والأطعمة الجاهزة ، فإنّ عمليّة التخيّل والأحلام والأماني لدى بلداننا المكبوسة بمختلف العلل , توصل الإنسان العاطل حد انفعالات النشوة والانتعاش البايلوجيّان تشغّل جميع عضلات الجسد بعمليّات تمثيليّة ينشط لها فيعمل وكأنّه “ينفض” عن طريقه أيّة “معوّقات” في المعدة أو مسامات الجلد أو في شرايين وأوردة الجسم بتزايد نبضات القلب المتأتّية من الجهد بعمليّات التخيّل والسرحان في عوالم بعيدة فيبقى الجسم على حاله دون سمنة ..

يحار المرء أحياناً في تعليل هذه الظاهرة المرضيّة والخطرة الّتي أخذت “تتعرقن” شيئاً فشيئاً بين أفراد الشباب العراقي لتصبح سمة له يماثل بها الحالات الموجودة في المجتمع الأميركي المشتهر بهذا “الداء” والمجتمعات الخليجيّة فقد ارتفعت السمنة في 23 ولاية من بين 50 ولاية أمريكية رغم أنّه مجتمع يعمل بنشاط يرجّح برأيي علاوة عن حالة “ضمان مستقبله” تعفيه من أيّة أماني أو أحلام أو تنشّط لدورته الدمويّة ؛ فمدخوله العالي يضعه في مقدّمة شعوب العالم في تناول الأطعمة وهذا المدخول لا يوازي النشاط برأيي لأن دخل الفرد الأميركي أعلى من مجهوده العملي بدنيّاً أو مكتبيّاً ففي ولاية المسيسيبّي بلغت السمنة 32.5 في المائة أما في ولايات الأخرى مثل ويست فيرجينيا وألاباما وتنيسي بلغت 30 في المائة ..

وضع العراق ومنذ 2003 ولغاية اليوم بلد مشلول تماماً وميّت سريريّاً لا حركة فيه سوى العبوات الناسفة وأخبار الفساد وأخبار الانتخابات الفاسدة الخ من كوارث حلّت بهذا البلد وهذه في مقدّمة العوامل الباعثة على الانزواء في البيوت وفي أماكن اللهو “مدن الألعاب” وفي المطاعم والمولات وجميعها مسبّبات للسمنة أو عوامل مساعدة لها ..

تمّ اكتشاف عقار طبّي مؤخّراً مضاد للسمنة “الكرش ما أعرف!” أطلق عليه اسمirisin  في إشارة للآلهة الإغريقيّة “iris ” لقدرته على إرسال معلومات إلى انسجة الجسم المحيطة فيبعث برسائل تحدث تغييرات إيجابيّة في الجسم فيساعد على تحويل الدهون “البيضاء” السيّئة إلى دهون بنّيّة نشطة “أكثر فائدة لعمليّة الأيض أو التمثيل الغذائي” تحرق الفائض من السعرات الحراريّة في الجسم .. من المؤكّد سيلجأ إليها العراقيّون بالتأكيد ولكنّه حتماً ستكون لهذا العقار أضرار جانبيّة  سيعلن عنها في المدى البعيد بعد أن يكون الكثير من الّذين تعاطوه قد تعرّضوا للوفاة أو لإصابات خطرة وبعد أن تكون الشركة الراعية لهذا الاكتشاف قد حقّقت الأرباح المرجوّة من هذا العقار ..

هنالك “برامج” طبيعيّة وفعّالة للفرد وللمجتمع تحدّ نتائجها من السمنة وتقيم عود البلد وتُدبّ في أوصاله الحياة وتعيد العراقي وخاصّةً الشباب إلى معالمهم العراقيّة الصميمة البعيدة عن الانتفاخ الجسدي وعن الرقاب “المعتورة” والدشاديش المفرشة ذات الأردان المظهرة للإبط القبيحة المنظر.. يعود العراقي كشطب الرمّان تعشقه حور الأرض العين وتتغزّل فيه في خلواتهن ويتضاحكن الصبية فرحاً بهيبته ورشاقته ..

هنالك خطوات برأيي لا بدّ منها لتحقيق ذلك .. وهل خلق الله الاستعداد للطوارئ والاعتداءات العسكريّة من دول الجوار وغيرها إلاّ لترشيق الإنسان وتصريف الطعام في بدنه بطرق ذات سعرات حراريّة نافعة للمجتمع :

إعادة فرض الخدمة العسكريّة وخدمة الاحتياط

إعادة برامج “الفتوّة” و”الكشّافة” للتدريب العسكري والمخيّمات ومجتمعات الرحلات الهادفة المنتظمة

فرض قيود صارمة على برامج الأنترنت أسوةً بما تفرض بصرامة على تعاطي المجلّات الخلاعيّة والمخلّة بالذوق العام وبالآداب والمخدّرات والكحوليّات والغرض هو تقليل ساعات الجلوس أمام أجهزة الحاسوب إلى أقصى حدّ مع الإبقاء على البرامج والمواقع الهادفة شرط المحافظة على حرّيّة التعبير ..

الحثّ على فتح أبواب الأندية الرياضيّة والاجتماعيّة وتنشيط برامج الترفيه الّتي تعتمد على الحركة والنشاط الجسدي إضافةً للبرامج الفكريّة والمعرفيّة ..

متى تحدث مثل هذه الأمور ويُستجاب لها وتتبنّاها الدولة لتنشيط برامج الفعّاليّات الاجتماعيّة الّتي تنتشر عادةً في البلدان ذات الواردات الضخمة كالعراق .. متى ذلك وخاصّةً وهنالك برامج وفعّاليّات كبرى لها الأولويّة تقف في مقدّمتها إعادة بناء البنى التحتيّة للبلد وفق أعلى المقاسات وبناء جيش قويّ وقويّ جدّاً وأكثر قوّة من قوّة النظام السابق لكبح جماح الدول الطامعة وخاصّةً بعض دول الجوار الوقحة المنحطّة والقذرة وإعادة التصنيع العسكريّ وبقوّة إلى وتائر أعلى من السابق .. ولكنّنا أيضا نعاود القول ونقول متى يكون ذلك ونشعر أنّنا نعيش في بلد عظيم اسمه العراق .. ؟

أمّا متى .. ؟ فذلك يتحقّق عندما تكون هنالك حكومة ديمقراطيّة حقيقيّة يفرضها الشعب نفسه بعد أن ينهض من كسله وخموله وينفّذ ما هو واجب عليه بدون وعيد وترديد عبارات الاحتجاج المكرّرة والممجوجة والّتي اعتدنا سماعها عقب كلّ تفجير أو اغتيال وتختفي المسمّيات الطائفيّة والدينيّة وتبقى “العراقيّة” وحدها هذه التسمية هي الطائفة وهي الدين وهي العائلة وهي الخيمة … كلّ ذلك يبدأه المواطن نفسه يحاول جاهداً صابراً أن يبدأ بنفسه أوّلاً وإن طال الزمن ؛ يرشّقها , فمن الترشيق تنطلق عمليّة الحركة  لأنّ الله لا يغيّر أو يصلح ما بقومٍ حتّى نصلح أو نغيّر ما بأنفسنا ؛ و( قرآن عظيم ) للفعل لا للتلاوة فقط وإسقاط لفرض ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات