22 ديسمبر، 2024 1:12 م

العراق ، بلد مهدد بالزوال !

العراق ، بلد مهدد بالزوال !

بعد أن فَتحَ المحتل ، أبواب حكم العراق لكل مَن هبّ ودبّ ، من أرباب السوابق والمختلّين والحاقدين ، لكل من أتى معهم بصورة مباشرة أم غير مباشرة ، بل وأستغل دخول المحتل من كان في الداخل للمطالبة بنصيب من السلطة ، وأصبحوا هم بأنفسهم يطالبون بخروج المحتل الذي لولاه ما عرفناهم (معرفة والله جرّت ندما) ، وكان للمحتل ما أراد (على أيديهم) ، فقد قُتِلَت الزراعة ، ووئِدَت الصناعة ، وإغتيل أصحاب الكفائات أو تم تهجيرهم ، أهلكوا البيئة وجرفوا البساتين ، وعطّشوا الحقول بل وأحرقوها ، وتآكل القطاع الخاص ، دمّروا الثروة السمكية ، وفتحوا باب الإستيراد على مصراعيه ، أحالوا البلد إلى أكبر مقبرة للمواهب والكفائات والطموحات في العالم ، وغير ذلك مما لا يُحصى ، أثقلوا كاهل الناس بالضرائب والرسوم الباهضة ، رفعوا الدعم عن كل شيء ، وتحول البلد إلى بقرة حلوب جفّ ضرعها ، فخفّضوا قيمة العملة المحلية ، في سابقة خطيرة لم تخطر حتى على بال الشيطان الرجيم ، جرائم كبرى لا تُعد ولا تحصى ، فأرتفع خط الفقر حتى أنوفنا فشمل ما يقارب نصف سكان البلد ، وتحولت هذه “الدولة” إلى أسفل سافلات الدول المتخلفة والفاسدة والفقيرة ، الغير جديرة بالإحترام أمام العالم .

 

في عهدهم كعهد صدام ، خضع البلد إلى عملية “ترشيق” لخارطته رغما عنه ، فقد ضاعت أجزاء من (طريبيل) ، مرورا بمؤامرة ميناء (مبارك) وخور (عبدالله) ، وليس إنتهاءً بالمناطق “المتنازع عليها” ، كورقة للبيع يساوم عليها السياسيون ، لإسترضاء هذا الطرف أو ذاك في إتفاقيات سرّية لضمان كراسيهم ولو إحترق البلد من شماله لجنوبه ، وكأن هذه المناطق (عرصة) يملكها الذين خلّفوهم ! ، عدا الإحتلال التركي وهو يصول ويجول دون رادع ، وعيونه ترنوا للمزيد ! ، كل ذلك ، والحكومة ساكتة ، لكن أنظارها موجهة إلينا وتحصي أنفاسنا ، ويكفي أن تتحدّث بكلمة إحتجاج ، أو وأنت تطالب بعودة الوطن وبحقوقك البديهية فيه ولا شيء غير حقوقك ، حتى تجد لك رصاصة بالمرصاد ، بإعتبارك (ناشط) محتمل ، حتى إنطبقت عليه أبيات (مظفر النواب) التي ألقاها منذ نصف قرن :

يا وطنا ، أكل الأتراك من الكتف اليسرى منه

والفُرسُ من اليمنى

وتغوط في القلب غزاة البحر .

لم ينبَرِمحامي واحد لتحريك قضية رابحة 100% ، وهي من أكبر وأخطر قضايا العالم ، لتجريم كل من بوش – بلير ، وغيرهم من دعاة الحرب على البلد بسبب مسوّغات مبنية على أكاذيب ، فشنوا حربا تدميرية ظالمة ، فملأوا البلد بالإشعاعات التي قتلت الكثير ، ودمّروا ما تبقى من بنيته التحتية المتهالكة أصلا .

العراقيون طالما تندّروا من مسخرة تصرفات الطبقة السياسية الفاسدة حتى النخاع ، من أن الهواء لو لم يكن مجانيا ، لباعوه لنا بيعا ! ، ولكن أتى هذا اليوم للأسف ، فحسب (الواشنطن بوست) ، فهنالك عشر دول هي الأكثر تلوثا جويّا في العالم  والعراق من بينها ! ، تلك التي تسبب الأمراض الفتاكة وخراب لا ينقصنا، والعراق الدولة الوحيدة الغير صناعية في العالم التي تعاني من هذا الكم من التلوث ، بسبب مخلفات صناعة وتسويق النفط  (وتهريبه ) ، وحرق الغاز بإفراط ودون أي حساب للعواقب ، وتلك هي الصناعة المزدهرة الوحيدة !  ، لأنها المصدر الوحيد للمال ، ولا شيء سوى المال ، وليتسمم البلد بأكمله ، وإلى جهنم العراق ومواطنوه ! ، وهنالك 120 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون والميثان ، المسبب للإحترار في أجواء المحافظات الجنوبية ، وملايين السيارات التي ملأت الشوارع بسبب إهمال وضع ضوابط لعددها ، مع غياب التخطيط العمراني بسبب إنشغال الساسة بالنهب ، مع وجود ملايين المولدات الأهلية المنتشرة في جميع أحياء البلد ، وهي تنفث سخامها المسرطن ، لأن الحكومة غير “قادرة” على تجهيز الناس بالطاقة ، شأن جميع الخدمات التي تعتبر أمرا بديهيا لأنها لا تعتبر مطلبا .

الحرارة المسجلة في بغداد صارت معيارا عالميا بعد أن تجاوزت 52 درجة مئوية ، (شخصيا سجّلت 55 درجة في الظل ) ، وكيف لا ، فالبلد أصبح (والفضل للحكومات المتعاقبة) ، أصبح كالبالوعة لتصريف كل قاذورات العالم ، من التغييرات البيئية والخلافات السياسية ، وسرقة أمواله حتى إفقاره تماما ، وصرنا مرثاة للعدو قبل الصديق ! ، فما من صفة سيئة ومخزية ، إلا وكان العراق على رأس قائمتها .  

الأشجار هي الأداة الوحيدة الكفيلة بإمتصاص هذا التلوّث ، لكن يجب العمل على زيادتها دراماتيكيا ، وبدلا من ذلك ، قام (الرّبُع) بتجريف ما تبقى منها خصوصا في بغداد ، لبناء (المولات) والقصور الفارهة الخاصة بالطبقة السياسية ، والأحزمة الأمنية الواسعة بسبب هواجسهم المريضة ، لأنهم (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ، فأحذرهم قاتلهم الله) ، كإستثمار يصب في جيوبهم فقط وحصرا .

ويزيد الطين بلّةً (أو جفافا) ، هو تآمر دول مصادر المياه ، وإستخدامها لإبتزازنا كتركيا وإيران ، سعيا وراء مبدأ (برميل ماء ، مقابل عدة براميل نفط)! ، أو لدواعٍ سياسية خفيّة ، والمسؤولون ساكتون وكأنهم (خُشُبٌ مسنّدة) ! ، 

وحسب إذاعة (مونت كارلو) الدولية ، فالعراق من بين 20 دولة مهددة بالغرق ، وقد بدأت بوادرها فعلا ، ففي الوقت الذي غرقت فيه (اربيل) الجبلية الوعرة في سابقة لم تشهدها هذه المحافظة ، فمنطقة (سيد دخيل) في محافظة ذي قار قد هجرها سكانها وبنفس الوقت بسبب الجفاف ! ، ولا تزال العشرات من قرى الجنوب العطشى ، تحذوا حذوا متواصلا للقرية المذكورة ! .

يقول خبراء البيئة ، أن أول مؤشر على تلوث الهواء هو إختفاء الفراشات من الحدائق ، وهذا ما شهدناه منذ أكثر من 10 سنوات ، فقد إختفت الفراشات السوداء الكبيرة والمنقطة بالأصفر من حدائقنا (أو بالأحرى ما تبقى من حدائقنا) ! ، كذلك إختفت (ديدان الأرض) وهي مقياس لخصوبة الأرض .

منذ ظهور الدولة السومرية قبل نحو 5000 عام ، كانت مدينة (الناصرية) ميناءً يطل على الخليج العربي ومتصلا بالأهوار الحالية ، ويعتبر لغز إنسحاب الخليج بعد إنخفاض مستواه من الألغاز المحيّرة ، إلى درجة ظهور مدينة (البصرة) ، بعد فترة قصيرة لا تُقارن مع الأعمار الجيولوجية ، وهنالك محاولات تجفيف الأهوار ، ذلك العمل الإجرامي الذي أدى إلى إنقراض بعض أنواع الأسماك والطيور ، ويقول الخبراء ، أن مستوى الخليج سيعاود الصعود بنفس سرعة إنحساره إن لم تكن أسرع ، خصوصا وأن إرتفاع تربة مدينة (البصرة) عن مستوى سطح البحر في بعض مناطقها يبلغ صفرا ، فمستويات بحار العالم واحدة ، وجميع المحيطات وبحار العالم ، تعاني إرتفاعا متواصلا بسبب إختفاء كميات هائلة من المناطق والجبال الجليدية في العقود الماضية وذوبانها بسبب الإحترار ، وتعتبر هذه المناطق الجليدية خزان هائل من المياه العذبة ، لا تزال  تصب في البحار والمحيطات المالحة ، ويقول الخبراء ، أن الفيضانات من أكثر العوامل الطبيعية المؤدية للهجرة البشرية ، وهي لا تنقصنا بالنظر لوجود الملايين من المهجرين بسبب البعد الشديد عن الإستقرار السياسي .

ومع هذه المخاطر الجسام التي يعاني منها البلد ، والتحدّيات الكبيرة التي تهدده بالزوال ، إما سياسيا أو بيئيا أو إقتصاديا ، هل هنالك توجه من “الحكومة” ولو بسيط على الأقل لدراسة هذه الظروف ، والعمل الجاد لتجنبها ؟ ، كلا ، لا تزال الحكومة غارقة ومنهمكة في تقسيم الغنائم ، والصراعات السياسية ، والإقتتال على الكراسي ، دون أن يجرأ أحدهم بالنظر قليلا إلى الخلف ، ليرون أن أنقاض البلد بدأت فعلا بالتراكم ، ولكن هيهات ممن يملكون قلوبا كالصخر ، وصل الإستهتار بهم أن منهم مَن يهب ما لا يملك إلى ما لا يستحق ، وتستمر عمليات النهب التي ربما ستفيدهم لبناء حياة جديدة لأجيال عديدة ، بعد ضياع بلد كان أسمه العراق !.