8 أبريل، 2024 9:07 م
Search
Close this search box.

العراق ، افاق مسدودة

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد الحرب العالمية الاولى وبعد ارهاصات عدة تشكلت نواة لدولة العراق الحديث اثر خطوة لتحديد معالم وحدود البلدان في العالم الجديد ، وكانت هذه الدولة الوليدة تبني نفسها بمزيج من عقل البداوة العربية وعقل النهضة الغربية لذا تجد ان هذا المزيج المتناقض انتج وليدا مسخ يختلف عن حورية البحر لان نصفه الاسفل ليس ذيل سمكة بل مؤخرة حمار وحشي فانت ترى مظاهر للدولة العصرية الحديثة في بناء المؤسسات والبنى التحتية لكنك ترى بلدا تم تسليمه لبدوي ليس عراقيا مكافأة لخدماته ( الجليلة ) لاسياده الانكليز وكنت سترى ، لو استمر الحكم الملكي ، مظاهر لاتختلف كثيرا عن ماهو قائم الان في المغرب او الاردن او السعودية .
 محاولة الزعيم عبد الكريم قاسم التمرد على العقل البدوي وحلمه بطفرة في البناء والتطور لم تاخذ فرصة وافشالها وضعنا بين خيارين لا ثالث لهما ، اما الرضوخ لحكم العائلة المالكة التي كانت ستقول لنا طاعة ولي الامر واجبة وان اخذ مالك وجلد ظهرك وبين حكم القوميين الذين اتسموا ، طوال تاريخهم وفي كل تجارب حكمهم ، بالتناقض الصريح بين مايدعون وبين مايفعلون . فتجد الى اليوم هناك من يحن الى الحكم الملكي وهناك مثلهم من يحن لحكم القوميين في حين ضاع بينهم انصار الزعيم لان جلهم من الفقراء والمعدمين قليلي الحيلة والوسيلة ومن اليساريين الذين لايجيدون العنف الضروري للاستيلاء على السلطة .
مالم يكن بالحسبان ان يحدث التغيير الجذري في ٢٠٠٣ لينتج طرفا جديدا يمثل توجها كانت امريكا تدعم عملاءها بشتى الوسائل للقضاء عليه وهذا الطرف هو التيارات الاسلامية . كانت هذه اول تجربة جادة من الامريكيين تحمل الكثير من التجديد والانقلاب على الثوابت لان الحكم الذي سبق هذه التجربة  في السودان او السعودية لم يكن حكما لتيارات اسلامية بل اتخذ كواجهة من قبل العسكر في السودان والعائلة الحاكمة في السعودية ، ولم يكن يؤثر على امريكا بشيء ان يرجم الزاني وتقطع يد السارق مادامت تلك الدول لاتخرج عن الطاعة . فرضيت امريكا ان تسلم الحكم لاسلاميي العراق بعد ان كبلتهم بالعديد من القيود وبدستور مكتوب بعناية يصلح لتنظيم الاوضاع وفق ماتشتهي ويشتهون وفي علمها ان الكرد العلمانيون سيحولون دون توجه ديني معلن .
الذي حدث ان امريكا وجدت ان الاسلاميين اكثر نفاقا ورياءا من كل الاطراف التى تعاملت معهم مسبقا ، فوجدتهم مستعدين تماما للتخلي عن اي ثوابت ومبادئ مقابل الحصول على السلطة ، وربما هذا هو الذي دفع الامريكيين ، فيما بعد ، لتسليم السلطة للاخوان المسلمين في مصر ، فانت تجد كل الاحزاب الدينية العراقية ليس من اولوياتها ان تؤسس لدولة دينية وهي بشكل عام تغض الطرف عن ممارسات ومظاهر تعتبر في ادبياتها كفرا وزندقة توجب اقامة الحد ، واكتفى البعض من تلك الاحزاب والتيارات بحملات متفرقة تستهدف تلك المظاهر باسلوب العصابات ، واكتفوا جميعا باللباس الديني واللحى واللافتات الدينية المطبوعة على حساب الدولة والاكثار من الايات القرأنية والاحاديث النبوية وتنظيم الزيارات المليونية او الاعتصامات ايام الجمعة ، لكن في السياسة الخارجية لايخرجون عن الطاعة الامريكية الا بالقدر الذي لايغضبها وفي السياسة الداخلية وادارة شؤون البلد لايختلفون كثيرا عن المافيا التي حكمت الشارع الايطالي ، دينهم الذي كان هاجسهم الاوحد تبين فيما بعد انه الدينار والزهد تحول معناه الى سكن القصور وركب السيارات المصفحة رباعية الدفع والبر عندهم ان يقطعوا الحصة التموينية عن الناس والاخلاق معناها التنابز بالالقاب  .
من الثابت ان شيعة العراق وفي صميم فكرهم العقائدي لايوجد شيء اسمه الدولة الدينية وسنة العراق ابعد العرب عن دولة الخلافة وكل مانرى ونسمع من ساسة اليوم ومن كل الاطراف ليس الا واجهة لجر الناس الى صناديق الانتخابات ، هؤلاء الناس البسطاء الذين تطحنهم الامية يثقون جدا برجال الدين ، يحترمون من يكثر من ذكر الله ويتغنى بنبيه ويجهش بالبكاء حين يأتي على ذكر الامام علي او يستشيط غضبا ان مس احدهم زوجة النبي بسوء، وان كان لابد ان يسلموا امرهم لاحد فلن يكون الا الى الاقرب لمايعتقدون ، لذلك ترى الساسة لايهمهم ان يعبدوا الطرق او يشيدوا المساكن او يبنوا المستشفيات والجامعات بل يهمهم ان يظهروا بالصورة التي يريدها الناس ، فتراهم يسوطون القدور ويلطمون ويوزعون الطعام  بطريقة تبدو لك سمجة لكنهم يعرفون ، وهي الحقيقة ، ان هناك الكثيرين ممن تنطلي عليهم مثل هذه الاستعراضات ، وبسبب ذلك تراهم يستمرون بتمثيل تلك المشاهد رغم كل السخرية والنقد الذي يتعرضون له . وترى حتى من كان بعيدا عن التدين وقد اصبح يعزي الامام الحجة بذكرى وفاة الامام الحسين .
مايريده ساسة العراق ليس دولة دينية بل دولة الطوائف والعوائل والافراد ، وما السعي المحموم لجمع الاموال الطائلة الا لهذا الهدف ، وغدا حين يصبح اللعب على المكشوف سوف يبرز الى الواجهة من جمع اكبر كم من الاموال واكبر مساحة من الاراضي واكثر املاكا من العقارات ، وحينها سوف يتقاسموننا مثل قرية كافرة استولى عليها المسلمون في احدى غزواتهم ، ولا اريد بهذا ان اثبط من عزيمة الناس او اقتل الامل فكم يفرحني ان اسمع كلاما متفائلا وبشرى بغد مشرق لكن كيف  ونحن نستنسخ التجربة اللبنانية بكل دقائق تفاصيلها وبكل ويلاتها وازماتها المستمرة حتى اليوم ، لذا ليس هنا من بصيص امل ولا ارى اي ضوء في نهاية النفق ولا ارى خطوات اولى على الطريق الصحيح اصبر واحلم ان نتمه جميعا غدا او حتى بعد الف عام ، كل الذي اراه مؤخرة الحمار الوحشي وقد ابتلعت النصف العلوي للحورية .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب