5 نوفمبر، 2024 6:29 ص
Search
Close this search box.

العراقي المسكين ابو صابر

العراقي المسكين ابو صابر

مسكين هو الحمار ، نسبه ونشتمه ونضربه ونتهمه بالبلاهة والغباء ، وهو صابر وساكت يرضى باليسـير من العلف والطعام ويتحمل اهانات بني البشر بحقه . نقلنا على ظهره قرب الماء واوعية الطعام وصناديق الاقمشة والملابس طوال مئات السنين ، ومازلنا لحد اليوم لانحترمه ولانقدره ، في حين إن الحضارة والمدنية لم تكن لتكتمل بدونه ، فهو من نقل الجص والحجارة والمرمر الى العمال ، وبها بنى الملوك والامراء قصورهم ومنازلهم الفخمة ، وهو الذي نقل معلمي العهد الملكي الى اعماق الارياف لتدريس ابناء الفلاحين ، ولطالما حمل المرضى في القرى والارياف الى المستشفيات وانتقلت الجدات لتوليد الحوامل على ظهره .
يعتبر توفيق الحكيم من اوائل الادباء العرب الذين انتبهوا لأهمية الحمار فرد اليه شيئاً من قيمته واعتباره ، ففي رواية (مذكرات نائب في الارياف ) يذكر الحكيم انتقاله الى موقع الحادثة على ظهر حمار ، كما خصص له كتاباً سماه (حمار الحكيم) وآخر تحت اسم (حماري قال لي) ، وجعل الحمار فيهما مثقفاً ينطق بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومع ذلك فقد تذمر الحكيم ذات يوم فقال (حتى حماري تركني وصار يشتغل بالسياسة ، فاضعته بين السياسيين ، فلم اعد اعرف من كان حماري بينهم ) .
يبدو أن للحمار مكانة خاصة عند المصريين ولأبناء الارياف منهم خاصة ، فالشاعر الكبير احمد فؤاد نجم يصف المواطن المصري بالحمار ، وليس للأمر علاقة بالبلاهة والغفلة ، بل بسـبب طول صبره واحتماله للنكبات والمآسي التي مر بها ، فيصف المواطن المصري بقوله { الاسم : صابر عل البلى ايوب حمار ، شيل الحمول من قسمتي والانتظار ، اغرق في انهار العرق طول النهار ، والم حزني في المسا وابات عليه ، عرفت ليه ؟؟ } .
في هذه القصيدة يقول نجم ، إن سـبب الظلم المستمر الواقع على الشعب المصري طوال مئات السنين هو إنهم مثل الحمير ، رضوا بالفقر والذل المهانة ، وسمحوا لأي متسلط أوجبار بركوب ظهورهم من دون أن يتمردوا عليه أو يعنفصوا ، مع العلم إنهم بناة حضارة ممتدة لخمسة الاف سنة قبل الميلاد ، وكما قلت سابقاً فلقد ساهمت الحمير مساهمة اساسية وفعالة في بناء الحضارة ، ولولا قيام الحمير المستكينة بالتصويت للحمير الناهقة لما وصل احدهم لمجلس النواب واتهم من صوتوا له بالضياع والدياحة ، وإذا لم تصدقوني فأدخلوا الى مجلس النواب وقولوا بصوت مرتفع (زعــررررر) ، فسـيتأيكم النهيق بسـرعة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات