18 ديسمبر، 2024 5:46 م

العراقيّون ومُعضِلة (النضال الحقيقيّ والنضال المُزيّف)!

العراقيّون ومُعضِلة (النضال الحقيقيّ والنضال المُزيّف)!

عَرفت البشريّة، منذ بدء الخليقة وحتّى الآن، مسألة النضال أو الكفاح ضد الحالات السلبيّة القائمة في مجتمعاتهم وكياناتهم السياسيّة (الدول البسيطة والمركّبة)، لأنّها مسألة مُرتبطة بالفكر الإنسانيّ القائم على اختلاف زوايا النظر للأمور السياسيّة والإنسانيّة والعلميّة.
ولا يُذْكر (النضال) إلا ويذهب العقل مباشرة إلى (النضال السياسيّ) أو (الكفاح المسلّح)، وهذا ليس صحيحا دومًا؛ لأنّ الأصل قيام النضال على السلام والتفاهم والحجّة والحوار والإقناع بعيدا عن الحرب والتخاصم والتخويف والإرغام التي تُخلّف الموت والخراب الفكريّ والروحيّ أيْنما حَلّت!
وهنالك عدّة صور للنضال، ومنها النضال السياسيّ والفكريّ والإعلاميّ والأدبيّ والفنيّ وغيرها من المحاولات النضاليّة الهادفة لتغيّير الأحوال السقيمة وتبديلها بالأوضاع الصحّيّة النافعة للإنسان والدولة والكون.
ولم تَنعم الدولة العراقيّة بالاستقرار، منذ تأسيسها في عشرينيّات القرن الماضي وحتّى اللحظة، إلا في مراحل محصورة!
ولقد ولدت في العراق عشرات الأحزاب السياسيّة والدينيّة، ودفع المئات أرواحهم ثمنا لمواقفهم الفكريّة، المتنوّعة المشارب!
وتعتبر الخلافات السياسيّة العلميّة حالة إيجابيّة، ويُفترض وجودها وقبولها والترحيب بها في المجتمعات الصحّيّة السليمة.
ويؤكّد الدستور العراقيّ للعام 2005 أنّ” نظام الحكم جمهوريّ برلمانيّ ديمقراطيّ”، وهذا يعني تنوّع وجهات النظر، والعمل بسياسة الرأي والرأي الآخر، ولكنّ هذه الحالة الديمقراطيّة الدستوريّة الورديّة، ربّما، مُجرّد حبر على ورق وليس حقيقة على الأرض!
لنتّفق ابتداءًا بأنّ هنالك العديد من الأحزاب والكيانات والشخصيّات، ومن مختلف المنابع الفكريّة، معارضة ورافضة للحالة العراقيّة الواهية بعد العام 2003.
وتُعاني القوى المُناضلة الحاليّة من جملة مضايقات، منها المطاردات داخل الوطن وخارجه، والاتّهامات الكيديّة، وشَيْطنة الفعل المُعارض، والحرمان من الحقوق والمستمسكات الرسميّة، والممتلكات الخاصّة، والوظائف وغيرها من مناهج الإساءة والتنكيل والتشريد والتجويع!
ومع ذلك كلامنا اليوم عن نوع من (النضال) الذي يأكل من ضفّة القوى (المُناضلة الحقيقيّة)، وهو (النضال المُزيّف) القائم بأسماء وصور وكيانات وهميّة!
ورغم الاستياء من العمليّة السياسيّة إلا أنّ بعض القوى والشخصيّات الحاليّة، والتي كانت تُسمي نفسها (مُعارضة)، قبل العام 2003، كانت مَعلومة الشُخوص والكيانات لأجهزة الدولة، وهذا ليس من باب المدح لهم، وإنّما من باب التوصيف للواقع المعارض السابق والحاليّ، والسعي للمقارنة بين الحالتين في جزئيّة (بيان الهُويّة)، وإلا فهم (معارضة الأمس) شركاء الاحتلال في الخراب الحاليّ.
ومن الأهمّيّة بمكان الاتّفاق على قضيّة حسّاسة ودقيقة، وهي:
هل الذين (يُناضلون) ضدّ الحالة الخامِلة القائمة مُقتنعون بأنّهم على حقّ؟
وأنّ العراق يستحقّ التضحيات، أم أنّ (نضالهم) مُجرّد (رِحْلة ترفيهيّة) أو (جَلْسة سَمر) في هذا التطبيق، أو تلك الندوة، أو ذاك المقهى؟
أعلم أنّ هذه الفرضيّة قاسية، وقد لا يتقبّلها أصحاب (النضال المُزّيف) لكنّ واقع الحال المُزعِج يُجبرنا على تشخيصها بسبب تَنامي (النضال الوهميّ)!
ولاحظنا، منذ سنوات، مُجادلات (النضال المزيّف) بمواقع التواصل الاجتماعيّ، وبعض القنوات الفضائيّة (عبر الهاتف وبدون صورة) وبأسماء وهميّة، وأحيانا تستهدف تلك المُهاترات شخصيّات (مُناضلة) ومعلومة الهويّة، بالمسمّى والصورة، وهذا الأمر غريب جدّا!
ولا ندري كيف يَجرُؤ مَنْ يتكلّمون بأسماء وهميّة أن يَتّهموا المدافعين عن الوطن بأسمائهم وصورهم وأقلامهم وكياناتهم العلنيّة بالخيانة، وحتّى العمالة؟
وبالتوازي يُحاول أصحاب (النضال المزيّف) عبر تطبيقات البرامج المختلفة دفع منشورات (نضاليّة) للشخصيّات الفاعلة والمؤثّرة لنشرها، وهم يَمْكُثُون بالمناطق الآمنة!
والعجيب أنّ غالبيّة منشوراتهم إما قديمة أو مُفبركة، وهذه مساهمة منهم في تسقيط أصحاب (النضال الحقيقيّ) من طرف خَفيّ!
ومع جميع هذه السلبيّات نجد أصحاب (النضال الخَدّاع) يُصنّفون (المُناضلين الحقيقيّين): هذا وطنيّ، وذاك نصف وطنيّ، وخائن، ومتلوّن، وذلك ماسك العصا من الوسط وغيرها من التقييمات المُجْحفة لأصحاب (النضال الحقيقيّ) والحسابات المعروفة!
وقد يقول قائل إنّ هذا الأسلوب من باب تقاسم الأدوار بين القوى المُناضلة!
ويُمكن تَقبّل هذه الفرضية برحابة صدر، ولكن حينما يَتحوّل أصحاب حسابات (النضال المزيّف) لقضاة (وطنيّين)، ويَحكُمون بقسوة على (المناضلين الحقيقيّين) فهنا ينبغي بيان حقيقة موقفهم البشع المَعطوب!
وللتاريخ فإنّ غالبيّة أصحاب (النضال المزيّف) حافظوا على مكاسبهم الشخصيّة مع الحكومة وغيرها!
لقد علّمتنا التجارب أنّ (النضال المُزيّف) لا يَبني دولة، أو يُعدّل المركب المائل، أو يُمكنه خداع الجماهير الواعية بشعارات وهميّة!
ويفترض بـ(النضال الحقيقيّ) أن يُعطي حقنة شجاعة وجرأة لصاحبه يكون معها على أُهبة الاستعداد للتضحية بكلّ غال ونفيس في سبيل مبادئه!
ويتوجّب على صاحب نظريّة الحقّ الإنسانيّ، والمؤمن بفكره أن يكون شامخا، ومُستعدّا للذهاب إلى أقصى بقاع الأرض لنقل الحقيقة، ويَعمل بكلّ السبل الدبلوماسيّة لتوضيح حقيقة الحالة السقيمة المستمرّة بلا خوف أو وَجَل.
ومن هنا يتوجّب العمل لبناء منظومة نضاليّة نقيّة تمتلك الجرأة لقول الحقيقة للعالم، وبوجوه مكشوفة، وليس بأسماء وهميّة أو كيانات كارتونيّة مَخفيّة وخائفة!
إنّ العراق يَستحقّ أغلى التضحيات، وهذا يَتطلّب الاقتناع بالعمل الجماعيّ المُنظّم، والمُثابرة لانطلاق مرحلة نضاليّة سياسيّة مُسالمة قائمة على الحُجّة والجُرأة والثبات والتضحية وإلا فلن يَتغيّر حال العراق القائم اليوم ولو بعد ألف سنة!
dr_jasemj67@