هل من مصلحة الشيعة إظهار المزيد من العداء لأميركا؟هذا ربماسيدفع واشنطن الى دعم الحكومات العربية السنية المتشددة ضد إيران وحزب الله والحشد الشعبي لممارسة مزيد من الضغط ضد الشيعة في مختلف البلدان إعتمادا على الدعم الأمريكي للدول العربية السنية، وطالما إن الشيعة مصرون على رفع شعار العداء لأمريكا.. وبالتالي فالسؤال الكبير الذي يوجه اليوم للزعامات الدينية الشيعية وليس السياسية وحسب، هل أنتم مصرون على العداء لأمريكا، وهل تتحملون نتيجة ماسيحيق بالشيعة مستقبلا خاصة مع القرار السعودي بشن حرب كبرى ضد هذه الطائفة، من خلال إعلان حزب الله إرهابيا، ووصف الحشد الشعبي بالمليشيا الطائفية ومعاداته والتضييق على شيعة البحرين والسعودية، والحرب على الحوثيين، وإعلان التحالف الإسلامي الذي لايضم أيا من الشيعة بل هو تحالف إسلامي سني.. فهل سيكرر الزعماء الدينيون الشيعة الخطأ الذي وقع به أسلافهم أيام الإحتلال البريطاني عندما قاوموا ورفضوا الإذعان، فقررت لندن الإتفاق مع السنة على حكم العراق، وصارت المكاتبات الرسمية تسمي الشيعة في العراق بالتبعية الإيرانية في العراق؟
الإيرانيون وهم شيعة وقد رفعوا شعارات روح الله الموسوي الخميني التي تضمنت التقريع للولايات المتحدة ومواجهتها ودعم الشعب الفلسطيني والحرب على الأنظمة الفاسدة، وبرغم إصرارها على مواقف مبدئية من العلاقة مع واشنطن إلا إنها تعمل على أسلوبين ناجعين، فهي من جهة لم تقوض جهودها للوقوف مع الشعب الفلسطيني ومضت قدما في مشروعها الشرق أوسطي، لكنها في المقابل تعمل جاهدة على عدم الوصول الى القطيعة الكاملة مع الغرب، ويمكن أن يكون الإتفاق النووي مثالا جيدا للغاية على البراغماتية وصحة الفرضية القائلة، بأن مصالح الشعب والأمة يمكن أن تصان حتى مع عقد تفاهمات مع الأعداء، فإدارة الصراع يمكن أن تؤدي الى نتائج عملية طالما إنها لاتقدح بالمصالح الوطنية والقومية والعقائدية.
نتج عن السياسة الإيرانية الذكية توقيع إتفاق تاريخي مع الغرب حول الملف النووي، وإنتزعت طهران إعترافا أمميا بحقها في التخصيب وإستخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية غير عسكرية، وهو ماكانت القيادة الإيرانية تشير إليه، بل إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أفاد بأن المرشد الأعلى السيد علي خامنائي كان صريحا بتحريم إستخدام الطاقة النووية لأغراض صناعة القنابل النووية، وأدى كل ذلك الى رفع الحظر الدولي عن الجمهورية الإسلامية، وبدأت البنوك الأوربية والأمريكية تعيد تنشيط علاقاتها المصرفية مع البنوك الإيرانية، وفتحت فروع في أوربا لإدارة المعاملات التجارية والنقدية لإيران بإسم (بانك ملي إيران) حتى في باريس نفسها التي كانت من أشد المعارضين للإتفاق النووي، وأخذت الوفود الغربية تتقاطر على العاصمة طهران، وصارت الشركات الأمريكية تبيع علنا قطع الغيار الخاصة بالطائرات التجارية، ووقع الرئيس روحاني عقودا بعشرات مليارات الدولارات مع الفرنسيين والإيطاليين والروس لشراء أحدث أنواع الطائرات، وتم إعادة فتح مصانع السيارات في إيران، وعقودا أخرى للتبادل التجاري والمصرفي وفي قطاع النفط والكيمياويات والزراعة والإتصالات والجامعات وكل مامن شأنه أن يعيد الحيوية للإقتصاد الإيراني.
كل ذلك تم من خلال الإتفاق الصريح مع الغرب بزعامة واشنطن، وصار ممكنا اليوم أن تستمر إيران في إدارة الأزمات والمصالح بذات الطريقة السابقة مع ديناميكية مختلفة، وإستمرت في تجريب قدراتها الصاروخية، وبقيت فاعلة في الملفات الإقليمية والدولية، وحسنت من علاقاتها الدبلوماسية مع عديد العواصم ذات القدرة على صناعة القرار، ولم تتخل إيران عن عقائديتها، ولا عن ضروراتها، ولاعن مطامحها ولاعن شيعيتها، بل إن العراقي الذي يزور إيران الشيعية يجد حجم الفرق الهائل بين ماوصل إليه الإيرانيون من تقدم في مجالات عدة حتى في سني الحصار الصعبة، وبين مايعانيه في بلده الملاصق لإيران والذي تربطه بهذه الدولة الإقليمية الكبرى صلات ويتمنى لو أن العراق يصل الى ربع ماوصلت إليه إيران، فأصل الدين والمعرفة الإسلامية والعقيدة الشيعية تحولت من العراق الى طهران ولم تتحول من هناك الى العراق حيث الحواضر الثقافية والمعرفية في الكوفة والبصرة وبغداد والنجف وكربلاء وسامراء التي ألهبت الوجدان الإيراني والمخيلة لديه وسحبته ليكون عاشقا في محراب أهل البيت وأولاد علي بن أبي طالب.
هذا يعني إنني أتحدث عن شيعة العراق وليس غيرهم، لافي الكويت، ولا في لبنان، ولااليمن، أو سوريا، أو باكستان، أو السعودية، أو الهند، أو في أي بقعة من العالم، فشيعة العراق لديهم مرجعيات دينية تتزعم الريادة في الطائفة، وهناك زعامات دينية ميدانية فاعلة جدا وقيادات سياسية ومراكز نفوذ تجاري وسياسي وعشائري، ومن الممكن أن ينظروا ببراغماتية عالية لمصالح الشيعة العراقيين الذي قد يجدون أنهم يدفعون ثمنا باهظا في حال إستمرت حالة إعلان الحرب على أمريكا، فالأمور لاتدار بطريقة غيبية، والغيب لله وليس لنا بل علينا أن ندرس الواقع ومتطلباته وماعلينا فعله لحفظ المصالح، وبالتالي فالقيادات الدينية والسياسية الشيعية في العراق عليها أن تعيد الكثير من الحسابات، وربما هي مخطئة وصارت تقترب من حالة تضييع الحالة الشيعية في هذا البلد، وتمكن الآخرون من وصم الشيعة بالفشل في إدارة الدولة لأنهم لم يتوحدوا في موقف، ولم تجمعهم قضية بل يختلفون على التوافه..
[email protected]