لا شكّ أنّ الرأي العام العراقي يتابع باهتمام بالغ تطورات فضيحة عقد مصفى نفط ميسان , هذه الفضيحة التي أثارها الدكتور مثنى كبة في رسالته الموّجهة إلى رئيس الوزراء نوري المالكي عبر وسائل الإعلام , فالشعب العراقي قد تابع من خلال وسائل الإعلام حفل التوقيع على هذا العقد الذي أشرف عليه رئيس الوزراء بنفسه وبحضور نائبه لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني ووزير النفط عبد الكريم لعيبي , ففي الوقت الذي سارعت فيه وزارة النفط إلى إنكار توقيعها على العقد النهائي , سارع أيضا مكتب نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني إلى تأييد هذا الإنكار والقول أنّ التوقيع الذي جرى مع شركة سا تارم السويسرية هو مجرد ( مذكرة تفاهم ) بين هذه الشركة السويسرية والحكومة العراقية .
وفي هذا المقال لا أريد أن أتهم شخصا بعينه أو جهة بعينها , لأنّ هذا الأمر متروك للقضاء العراقي ليقول فيه كلمته الفصل , لكنّ الذي يريد الرأي العام العراقي معرفته , هو كيف تمّكنت هذه الشركة الوهمية وغيرها من الشركات الوهمية الأخرى من التسلل إلى الحكومة العراقية وتوقيعها لهذه العقود الكبيرة ؟ ومن الذي جاء بهذه الشركات الوهمية وقدّمها إلى الحكومة العراقية وسّهل مهمتها ؟ وكيف تمّكنت شركة سا تارم السويسرية وهي شركة وهمية من إقناع وزارة النفط والحكومة العراقية ؟ وأين هم مستشاروا رئيس الوزراء ونائبه ووزارة النفط العراقية ؟ وهل تمّ الاستفسار عن وضع هذه الشركة وانجازاتها في هذا المجال من قبل الحكومة السويسرية حتى يوّقع معها عقدا بهذا الحجم ؟ أسئلة بحاجة إلى أجوبة حقيقية وليس إلى تبريرات مخادعة الهدف منها تضليل الرأي العام .
إنّ مسلسل العقود مع هذه الشركات الوهمية , لم يحدث سهوا أو خطأ في المعلومات , بل إنّ هذه العقود مع هذه الشركات , تقف ورائها رؤوس وشخصيات نافذة في مواقع المسؤولية , وهذه الشخصيات هي التي جائت بهذه الشركات وهي التي سهّلت مهماتها وقدّمتها إلى الحكومة العراقية , فمن المستحيل أن تخدع دولة ذات سيادة من قبل شركات وهمية , ما لم يكن لهذه الشركات صلة بأصحاب القرار في الحكومة , إن لم يكن اصحاب القرار هم أصحاب هذه الشركات , والشعب العراقي يشعر بالعار من هذه الحكومة وهؤلاء المترّبعين على مركز القرار فيها , فالحكومة التي يتوّرط مسؤوليها بهذه الفضائح يجب أن يقدّموا للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى , فالمسؤول الذي يتآمر مع الغير في نهب أموال بلده هو خائن لبلده وشعبه وللقسم الذي أقسمه .
أنا شخصيا كمواطن عراقي أشعر بالغثيان والعار من هذه الحكومة , ليس فقط بسبب هذا الفساد وهذه الفضائح المخجلة فحسب , بل لعموم الوضع المزري الذي آل إليه البلد , وانا واثق أنّ التاريخ سيذكر هذه الحقبة المؤلمة بصحائف سوداء , ففي ظل هذه هذه الحكومة العار انفصلت كردستان تماما عن الدولة العراقية , وفي ظل هذه الحكومة أصبح الإرهاب يصول ويجول ويخطف حياة الناس بالجملة يوميا , وفي ظل هذه الحكومة ضرب الفساد كل أجهزة الدولة ومؤسساتها , وفي ظل هذه الحكومة فقد القضاء العراقي استقلاليته واصبح العوبة بيد الحكومة , وفي ظل هذه الحكومة تكالب كل لصوص الأرض على سرقة أموال العراقيين بمساعدة كبار المسؤولين , وفي ظل هذه الحكومة قرّب الفاسد والوضيع واستبعد المخلص والنزيه والشريف , وفي ظل هذه الحكومة حدث ما لا يصدّقه العقل البشري , فهل لي الحق أن اشعر بالغثيان والعار من هذه الحكومة ؟ .