مع كل هذه الآلام والمآسي وهذا النزيف المستمرّ للدّم العراقي المراق من قبل أخوتنا في العروبة والدين , يتسامى العراقيون بأخلاقهم ويتعالون على جراحاتهم ليقابلوا الحقد الدفين والكراهية بالموّدة والتسامح , فها هم العراقيون في القمّة العربية يثبتون للعالم جميعا إنّهم كرام من نسل كريم , وهذه ليست بغريبة على أخلاقهم وشمائلهم وخصالهم في مقابلة الإساءة بالإحسان , فمع كل هذا الحقد وهذه الكراهية التي تزيل الجبال , يمدّ العراقيون يد الأخوة الحقيقية لأشقائهم العرب من أجل النهوض بالواقع العربي المزري وانتشاله من الخراب والدمار والموت الذي يعمّ عدد من البلدان العربية بسبب الإرهاب والتكفير .
فكلمة العراق في مؤتمر القمّة العربي المنعقد في الكويت , قد وضعت العرب أمام مسؤولياتهم القومية في التصدي للإرهاب الذي هو صناعة عربية وإسلامية بامتياز , فهذه الصناعة قد وظّفت لها الأموال والسلاح والرجال والإعلام والفتاوى , وأصبحت تخطط لها وتديرها أجهزة مخابرات عربية وإسلامية , ففي الوقت الذي حذّر فيه العراق أشقائه من انتقال شرور هذا الإرهاب إلى بلدانهم بلدا بعد آخر وانتقال ناره إليهم , يدعوهم أن يتكاتفوا جميعا ويمدّوا يد العون للعراق الذي يعتبر الآن الجبهة المتقدمة الأولى في الحرب على الإرهاب , وأن يبدأ الجميع فتح صفحة جديدة في تعضيد العمل العربي المشترك وتفعيله من خلال تشكيل جبهة عربية عريضة لمواجهة الإرهاب والتطرف الديني , فبدون هذه الجبهة فإنّ الإرهاب زاحف إليهم لا محالة .
ودعوة المصالحة التي أطلقها العراق لأشقائه , هي دعوة حقيقية نابعة من قيم الإسلام وتعاليمه , وتعبير صادق عن معاني العروبة ورابطة الدم والتاريخ المشترك , وإنّ العراق شعبا وحكومة يتطلع لأن تكون هذه القمّة قمّة للتصارح والتصالح , وبداية عهد جديد بين الأشقاء من خلال إيقاف الحرب الإعلامية على العراق , ومنع الفتاوى المحرّضة على الفتنة الطائفية وتكفير أهل الشيعة , فهذه الفتاوى قد لعبت دورا كبيرا في انتشار هذا الإرهاب , كما يتطلع العراقيون لإيقاف كل شكل من أشكال الدعم المادي والبشري واللوجستي للجهات والأطراف التي تشيع الخراب والدمار والقتل في العراق .
كما إنّ الرهان على إسقاط النظام في العراق بواسطة الإرهاب هو رهان خاسر , فالنظام في العراق بالرغم من كل السلبيات والاخفاقات التي رافقت بناء العملية السياسية فيه , هو نظام تتداول فيه السلطة عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع , وما يشاع عن تهميش للمكوّن السنّي وملاحقة أبنائه لأسباب طائفية , هو محض كذب وافتراء , يراد منه أن يكون غطاءا وتبريرا لانخراط الأعداد الكبيرة من أبناء السنّة في التنظيمات الإرهابية المدعومة تحديدا من السعودية وقطر .
لقد آن الأوان أن ينزع الأشقاء العرب ثوب الحقد والكراهية وينظروا للعراق العربي ببعده الحضاري والإنساني كعمق لهم , بكل إمكاناته المادية والبشرية , فالعرب بدون العراق كالجندي بدون البندقية , فليس من المعقول أن يقتّل العراقيون وتقطّع أوصالهم وتدّمر مدنهم لأنهم شيعة , وليس من المعقول أيضا أن أن تنفق كل هذه الأموال لإسقاط النظام في العراق لأن رئيس وزرائه شيعي , وليس من المعقول أن يقف عربيا ويقول أنّ الشيعة هم أعدائنا وليس اليهود , فيد المصالحة التي يمدّها العراقيون ليست ضعفا أو خنوعا , بل هي أصالة وقوّة وخلقا مستمّدا من نبينا الأكرم يوم وقف في مكة وقال إذهبوا فأنتم الطلقاء .