23 ديسمبر، 2024 6:13 م

العراقيون يتعالون على جراحاتهم ويقابلون الحقد والكراهية بالموّدة والتسامح

العراقيون يتعالون على جراحاتهم ويقابلون الحقد والكراهية بالموّدة والتسامح

مع كل هذه الآلام والمآسي وهذا النزيف المستمرّ للدّم العراقي المراق من قبل أخوتنا في العروبة والدين , يتسامى العراقيون بأخلاقهم ويتعالون على جراحاتهم ليقابلوا الحقد الدفين والكراهية بالموّدة والتسامح , فها هم العراقيون في القمّة العربية يثبتون للعالم جميعا إنّهم كرام من نسل كريم , وهذه ليست بغريبة على أخلاقهم وشمائلهم وخصالهم في مقابلة الإساءة بالإحسان , فمع كل هذا الحقد وهذه الكراهية التي تزيل الجبال , يمدّ العراقيون يد الأخوة الحقيقية لأشقائهم العرب من أجل النهوض بالواقع العربي المزري وانتشاله من الخراب والدمار والموت الذي يعمّ عدد من البلدان العربية بسبب الإرهاب والتكفير .

فكلمة العراق في مؤتمر القمّة العربي المنعقد في الكويت , قد وضعت العرب أمام مسؤولياتهم القومية في التصدي للإرهاب الذي هو صناعة عربية وإسلامية بامتياز , فهذه الصناعة قد وظّفت لها الأموال والسلاح والرجال والإعلام والفتاوى , وأصبحت تخطط لها وتديرها أجهزة مخابرات عربية وإسلامية , ففي الوقت الذي حذّر فيه العراق أشقائه من انتقال شرور هذا الإرهاب إلى بلدانهم بلدا بعد آخر وانتقال ناره إليهم , يدعوهم أن يتكاتفوا جميعا ويمدّوا يد العون للعراق الذي يعتبر الآن الجبهة المتقدمة الأولى في الحرب على الإرهاب , وأن يبدأ الجميع فتح صفحة جديدة في تعضيد العمل العربي المشترك وتفعيله من خلال تشكيل جبهة عربية عريضة لمواجهة الإرهاب والتطرف الديني , فبدون هذه الجبهة فإنّ الإرهاب زاحف إليهم لا محالة .

ودعوة المصالحة التي أطلقها العراق لأشقائه , هي دعوة حقيقية نابعة من قيم الإسلام وتعاليمه , وتعبير صادق عن معاني العروبة ورابطة الدم والتاريخ المشترك , وإنّ العراق شعبا وحكومة يتطلع لأن تكون هذه القمّة قمّة للتصارح والتصالح , وبداية عهد جديد بين الأشقاء من خلال إيقاف الحرب الإعلامية على العراق , ومنع الفتاوى المحرّضة على الفتنة الطائفية وتكفير أهل الشيعة , فهذه الفتاوى قد لعبت دورا كبيرا في انتشار هذا الإرهاب , كما يتطلع العراقيون لإيقاف كل شكل من أشكال الدعم المادي والبشري واللوجستي للجهات والأطراف التي تشيع الخراب والدمار والقتل في العراق .

كما إنّ الرهان على إسقاط النظام في العراق بواسطة الإرهاب هو رهان خاسر , فالنظام في العراق بالرغم من كل السلبيات والاخفاقات التي رافقت بناء العملية السياسية فيه , هو نظام تتداول فيه السلطة عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع , وما يشاع عن تهميش للمكوّن السنّي وملاحقة أبنائه لأسباب طائفية , هو محض كذب وافتراء , يراد منه أن يكون غطاءا وتبريرا لانخراط الأعداد الكبيرة من أبناء السنّة في التنظيمات الإرهابية المدعومة تحديدا من السعودية وقطر .

لقد آن الأوان أن ينزع الأشقاء العرب ثوب الحقد والكراهية وينظروا للعراق العربي ببعده الحضاري والإنساني كعمق لهم , بكل إمكاناته المادية والبشرية , فالعرب بدون العراق كالجندي بدون البندقية , فليس من المعقول أن يقتّل العراقيون وتقطّع أوصالهم وتدّمر مدنهم لأنهم شيعة , وليس من المعقول أيضا أن أن تنفق كل هذه الأموال لإسقاط النظام في العراق لأن رئيس وزرائه شيعي , وليس من المعقول أن يقف عربيا ويقول أنّ الشيعة هم أعدائنا وليس اليهود , فيد المصالحة التي يمدّها العراقيون ليست ضعفا أو خنوعا , بل هي أصالة وقوّة وخلقا مستمّدا من نبينا الأكرم يوم وقف في مكة وقال إذهبوا فأنتم الطلقاء .