الغموض والارتباك في المواقف الامريكية ازاء العراق والتحديات التي تواجهه وبخاصة في ظل ادارة أوباما ، يترك العديد من علامات الاستفهام ، واجواء من عدم الثقة بالمواقف الامريكية التي تبدو وكأن الشأن العراقي لايعنيها الا بقدر ارضاء خواطر قوى ارهابية وجهات اقليمية لاتريد الخير للعراق، وان إعلانات واشنطن المساندة للعراق هي من باب ذر الرماد في العيون ليس إلا !!
وبصراحة، فأن ثقة العراقيين بالادارة الامريكية وعلى رأسها ادارة أوباما شابها الكثير من علامات التساؤل والاستغراب والشك بالمواقف الامريكية التي لاترتقي الى حجم تحديات كبيرة يواجهها العراق، ومن خطرين يهددان حاضر العراق ومستقبله ، الا وهما : ايران وداعش والصراع الذي يحتدم على الارض العراقية بين أكثر من طرف!!
أجل فالعراقيون في غاية التشاؤم من المواقف الامريكية ازاء بلادهم..وزيارة العبادي وان كانت مهمة ويأمل العراقيون منها خيرا، الا انهم على يقين بأن الادارة الامريكية ليس لديها من المواقف المساندة للعراقيين بمختلف مكوناتهم، الا تصريحات خجولة عن اظهار واشنطن لمواقفها المساندة للحكومة العراقية ، اذ لايرى العراقيون أي جديد في لغة الخطاب لدى الادارة الاميركية ازاء العراق، وبقيت علاقات البلدين محل حيرة تشكك وريبة من كثير من العراقيين الذين يرون في مواقف ادارة البيت الابيض حالات ضعف وخور وتناغم مع اجندة وخطط تتعارض ومصالح العراقيين وتفترق مع توجهاتهم على أكثر من صعيد!!
ولنعترف بصريح العبارة فأن ملايين العراقيين أصيبوا بالدهشة والاستغراب،أزاء خطرين يداهمان العراق ولا يوجد موقف امريكي صريح أزاءهما وهما : داعش وايران..فكلا الخطرين ينظر اليهما العراقيون على انهما تحد مصيري ينبغي مواجهة اخطبوطهما الغريب بهذا الشكل السافر من التدخل في الشأن العراقي ، حيث تشترك قوى اجنبية في تقرير مصير الشعب العراقي ، وتبدو الولايات المتحدة وكأنها تتفرج على المشهد التراجيدي الكارثي في العراق، دون ان تشترك ولو لمرة واحدة في وضع حد لهذا التآمر من كل الاطراف الخارجية في الشأن العراقي، حتى بضمنها التدخل الخليجي غير الايجابي وغير الفاعل!!
ويتساءل ملايين العراقيين الا كان الاجدر بالولايات المتحدة ان تحجم من دور داعش وتمددها في العراق وتحجم في الوقت نفسه من حجم التدخل الايراني وتضع حدا لطغيان كلا الخطرين وارتهانهما ارادة العراق الى الخارج، ويبدو الداخل العراقي وكأنه في حيرة من أمره، حتى ان العراقيين بدأوا يدركون انه لو لم يكن هناك ارتباك في مواقف واشنطن ازاء خطر داعش في العراق واحتلالها لاغلب محافظاته وتناغمها مع هذا الزحف ، لما وصلت داعش الى ما وصلت اليه من استحواذ على مساحات واسعة من محافظات عراقية كبيرة مثل الانبار ونينوى محسوبة على المكون الذي ظلمته الولايات المتحدة كثيرا، وحرضت الطرف الاخر وقواه واحزابه السياسية على شن حرب شعواء ضده، واختلاق حرب طائفية لم يقبض منها العراقيون سوى الويلات والنكبات!!
ولو لم تغمض واشنطن عينيها عن تمدد داعش وايران في المنطقة واختلاق بؤر التوتر والاضطراب داخل هذا البلد واشعال اتون حروب لاتبقي ولا تذر ، لما وصل الوضع العراقي الى هذه الحالة من التردي والانهيار حتى ان العراق راح يستنجد ببنات آوى للتخلص من ظلم داعش ومن ظلم ايران، فكلا الخطرين يداهمان مستقبل العراق ويعرضان مصالحه للتدمير والفناء!!
الولايات المتحدة تعاني مشكلة ضعف ادارتها وخور قراراتها ، بل لامبالاتها بالوضع العراقي وما تقدمه من مساعدات وخبرات يكاد يكون ضيئلا ولا يحقق الا طموحات بسيطة ربما تصيب العراقيين بالقنوط والأسى اكثر مما تصيبهم بحالات من التفاؤل والانشراح، وانعكس الضعف الامريكي في اتخاذ القرارات الصعبة على مستقبل العراق وراح كل من هب ودب يتدخل في الشأن العراقي، بل وتجثم على صدر العراقيين جهات اجنبية كثيرة هي من تتحكم بالمشهد العراقي وتدير دفة الصراع المرير على ارض العراق، ويروح العراقيون ضحية هذا الصراع الذي تحتدم رحاه على ارض العراق!!
حتى في ظل الرئيسين الامريكيين بوش الأب وبوش الابن كان التدخل الامريكي اكثر قوة واكثر حزما ازاء الاطراف الاجنبية التي تريد الاصطراع على ارض العراق، لكن مايخشاه العراقيون الان ان داعش وايران تصطرعان على ارض العراق بتوافق امريكي اقليمي او لنقل على الاقل ان تغمض واشنطن عينيها على مايجري من اصطراع داخل العراق، وكانها رابحة من كلا الطرفين..فتحكم داعش في الشأن العراقي يخدم امريكا وايران على حد سواء، كما ان وجود ايران وتدخلها بهذا الشكل المعلن والمخجل احيانا يخدم الولايات المتحدة في انها وجدت من يساعدها في اضعاف العراقيين وفي اشعال بؤر التوتر والاقتتال بين العراقيين وحرضت هذه الجهة او تلك على اشعال اتون حروب واقتتالات دامت سنوات وهي بفضل التحريض الايراني ومساعدتها غير المحدودة للاطراف السياسية المؤيدة لهذا التدخل، هو من يقدم خدمة كبيرة للامريكان بصورة مباشرة او غير مباشرة، في وقت ترى ايران ان داعش ( نعمة ) نزلت عليها من السماء لفرض ارادتها على العراق وكي يكون بامكانها ان تتحكم بالشأن العراقي وصولا الى تكوين محور ( طهران بغداد دمشق ) وهو المخطط الذي لاتخفي ايران من السير في طريقه وتمضي في الدفاع المستميت عن تحقيق هدفها هذا كونه يمثل الستراتيجية الايرانية دون ان يدرك كثير من المتعاطفين مع ايران ان حكام ايران يريدون تحقيق امبرطوريتهم على ارض العراق والمنطقة ويعيدوا امجاد الامبراطورية الفارسية ، اما الدين والطائفة وحمل راية المذهب فهو من قبيل الضحك على ذقون العراقيين وتخدير اعصابهم بل وممارسة حالات تنويم معناطيسي لمشاعرهم لكي تلهيهم عن هدف مواجهتها اذا ما ادركوا الحقيقة واكتشفوا كم كان الكثيرون مغفلين، وقد تم استخدامهم مطية لتحقيق حلم الامبراطورية الفارسية تحت العباءة الاسلامية، وتحت غطاء المذهب الشيعي ، زورا وبهتانا، فشيعة اهل العراق عندما يصحون من غفلتهم سيجدون يوما ان رهانهم على دعم ايران كان خطيئة كبرى ما كان لها ان تمر خديعتها هكذا عليهم، وهم أي شيعة العراق هم مصدر الثورات، وهم من يعيد للعراق حالة توزانه، وهم عروبيون ويعتزون بعروبتهم اكثر من انتمائهم الى مذاهب، رفع راياتها الاغراب، وهم احق ممن يحملون لواءها، وهو شرف كبير بالنسبة اليهم انهم هم من يكونوا اهل البيت الكرام، وهم من يقرروا مصلحة بلدهم،ويعود العراق كما كان قوي الارداة لايقبل كائنا من يكون وصيا عليه، وهو الاحق بمن يكون الوصي على الاخرين وليس الاغراب، هم من يكونوا الاوصياء على مستقبل العراق، كما ان سنة العراق سيكتشفون ان داعش ارادت تضليلهم بحجة الدفاع عن المذهب، وكانوا اكثر المتضررين من داعش ومن ارهابها، وبقيت ايران والولايات المتحدة وروسيا من اكثر الاطراف الرابحة من هذه الحروب والصراعات العبثية التي اوصلت العراق الى هذه الحالة المأساوية التي لايحسد عليها.
الكلمات المعسولة التي سمعناها عند لقاء الرئيس اوباما مع الدكتور حيدر العبادي واعلانه مساندة بلاده ضد داعش وموقفه المضطرب والخجول من التدخل الايراني في العراق ، كنا قد سمعناها منذ ان كان الدكتور اياد علاوي رئيسا لحكومة المؤقتة عام 2005 وما بعدها حكومة الجعفري والمالكي لولايتين ، والان يكررون الالفاظ نفسها في عهد العبادي ويعبرون عن مواقفهم المساندة لحكومة شاملة يشترك فيها كل العراقيين ،بلا استثناء الا ان العراقيين لم يلمسوا حتى الان صدقية في مواقف الادارة الاميركية بحيث تجعلهم يطمئنون من ان لواشنطن كلمة يمكن ان تحترم، ويفي الامريكان بوعودهم حقا وحقيقة ، وليس عبر تصريحات صحفية ما ان تنفض حتى تجف ، وتبقى مجرد حبر على ورق كما يقال!!