بعد أن انقطعت أخبار وتسريبات اللجنة التي شكلها السيد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب لتدقيق ومراجعة عقود وإنفاقات الكهرباء منذ 2004 برئاسة نائب رئيس المجلس السيد حسن ألكعبي وعضوية ممثلي اللجان المختصة في المجلس وديوان الرقابة المالية وغيرها من الجهات والخبراء ، أخذت الأنباء تتزايد عن نيات العراق في التعاقد لتوفير احتياجات السكان من الكهرباء وبشكل يعطي انطباع للغير بان الكهرباء تحول إلى (هوس ) للعراقيين وليس حاجة فعلية بضوء كل المؤشرات والمعايير ذات العلاقة بمعيشة الإنسان ، ففي جدول زيارة السيد ألكاظمي إلى السعودية ولقاء خادم الحرمين التي تأجلت بسبب الوعكة الصحية التي تعرض له جلالة الملك كان واحدا من المواضيع هو ربط العراق بمنظومة الكهرباء ، وفي الاتصالات التي تجري مع الكويت أبدت الجهات المسؤولة عندهم عن استعدادها للمباشرة الفورية للربط العاجل مع البصرة لتزويدها بحدود 500 ميغا واط ، كما بين مجلس التعاون الخليجي بعدم ممانعته في إجراء الربط في مجال الكهرباء ، وفي زيارة السيد ألكاظمي ( التاريخية ) إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقائه الرئيس ترامب تم توقيع عددا من عقود الكهرباء وأعطيت وعود بمساعدة العراق في حل هذه المعضلة ، وعند عودة السيد ألكاظمي من الولايات المتحدة وحضوره القمة الثلاثية بين الأردن ومصر والعراق تم بحث تزويد العراق بالكهرباء من مصر والأردن مقابل تصدير النفط من العقبة وعبر قناة السويس ، كما تم تداول أخبار بان هناك إمكانيات للربط الأوروبي لكهرباء العراق من خلال عدة منافذ ومنها تركيا ، التي أبدت استعدادها لأكثر من مرة لمساعدتنا في حل مشكلات الكهرباء ، وفي ظل المباحثات الكهربائية التي تجري هنا وهناك سمعنا خبرا من إقليم كردستان مفاده بان إدارة الاقليم نجحت في الاتفاق مع مجهز الكهرباء عندهم بتزويد البلد ب500 ميكا واط وقد بدأ التجهيز الفعلي في نهاية تموز الماضي ، ويقضي الاتفاق بان تقوم الحكومة الاتحادية بتزويد المجهز بالوقود ودفع المستحقات على وفق الكميات المجهزة وحسب الاتفاق .
ومن يسمع بهذه ( الفزعة ) تتولد لديه قناعة شبه تامة بان حلول مشكلة الكهرباء قد استعصت على البلاد او إننا نعيش بدون كهرباء ، خاصة بعد أن يعرف بأننا نستورد أكثر من ألف ميكا واط من الكهرباء يوميا من الجمهورية الإسلامية منذ سنوات كما نستورد منها الغاز لتشغيل بعض المحطات الغازية ، والحقيقة إن ما يعانيه البلد هو أزمة في تجهيز الكهرباء خلال أشهر معدودة في ذروة الصيف والشتاء وسوء في إدارة قطاع الكهرباء الذي تديره الحكومة من خلال وزارة الكهرباء ، وجزءا من هذه المشكلة قد تم وصفها بشكل صريح من قبل الحكومة الحالية التي وجدت إن الوزارة السابقة قد تأخرت في إدخال وحداتها للصيانة وتحولت عددا من الوحدات إلى خارج الخدمة ، مما جعل الإنتاج اقل من الطلب في ظل الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة في موسم الصيف الحالي بالذات ، وحسب ما يتم تداوله فان الإنتاج الحالي هو بحدود 14 ألف ميكا واط وان الاحتياج الفعلي هو 21 ألف ميكا واط بمعنى إن النقص هو 7 الآلاف ميكا واط ، وهذه الأرقام لا يتم التعويل عليها موضوعيا لان الرقم 21 هو افتراضي لان قياس الأحمال الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا عندما تتوفر كميات من التجهيز تفوق الإنتاج ، كما إن هذه الفرضية تستبعد مشكلات النقل والتوزيع وتركز على الإنتاج وفي ذلك خطأ كبير ناهيك عن تجاهل حجم الهدر والتوقفات والاستثناءات وغيرها من التفاصيل ، ومما يفضح هشاشة ما تعرضه الأرقام إنها تظهر العجز هو بمقدار الثلث أي إن المتاح هو ثلثي الاحتياج ، وذلك يفترض إن المواطن يجهز ب16 ساعة يوميا وهو تقدير خاطئ لان بعض المناطق قد يصلها الكهرباء بحدود 4 – 8 ساعات يوميا أي بمقدار ربع او نصف المتاح ، وهذه الأرقام او غيرها تظهر حقيقة إن اغلب المواطنين العراقيين لا تتوفر لديهم الكهرباء على مدار ساعات اليوم لذا يشترون الكهرباء من المولدات ، وتلك مشكلة موروثة قبل 2003 ولكن تداعياتها تزداد يوما بعد يوم رغم إنفاق مليارات الدولارات لم يتم تحديد حجمها الحقيقي وأوجه صرفها ومقدار الهدر والانتهاك لان نتائجها بانتظار أعمال اللجنة النيابية التي لم تقدم تقريرها النهائي بعد .
ومن الناحية العملية ، فإن لجوء الحكومة لتعويض النقص في الكهرباء من خلال الاعتماد على الاتفاقيات مع الدول سوف لا يعالج مشكلات الكهرباء لان من شانه توفير الطاقة وحل بعض الاختناقات ، ومن الأفضل هو الاتفاق مع الشركات على تنفيذ خطط تستند إلى استراتيجيات وتتعلق بالبنى التحتية وتطوير القدرات بعيدا عن السياسة والعواطف وربط الاشياء يبعضها البعض ، فالعلاقة مع الدول تتأثر بالقضايا السياسية والعلاقات الثنائية بينما العلاقة مع الشركات تستند إلى عقود تتضمن الالتزامات والحقوق والبنود الجزائية وغيرها من التفاصيل ، ووزارة الكهرباء لديها إستراتيجية وضعت في عام 2006 وقد سارت بخطوات جيدة في التنفيذ بهدف توفير احتياجات البلاد من الكهرباء والتي تم من خلالها تم توفير اغلب معدات الإنتاج والنقل والتوزيع الحالية ، وهذه الاستراتيجية لا نعلم مصيرها اليوم ويمكن إعادة اعتمادها كخارطة عمل في توفير البدائل التي تعالج مشكلات الكهرباء بشكل جذري من خلال الإضافة والحذف ، ومن مستلزمات هذه الاستراتيجية توفير متطلباتها البشرية والمادية وتبني رقم مستهدف للإنتاج بالتوافق مع الحلقات المطلوبة من النقل والتوزيع ، ولكي يكون رقم الإنتاج اقتصادي ولا يسبب هدرا في موارد الدولة فلابد من وضع حدا للإسراف والتجاوز في استهلاك الكهرباء ، فصحيح إن الحصول على الطاقة حق مشروع لكل مواطن ولكن هذا الحق مقيد في كل دول العالم بما يناسب الحاجة الفعلية والقدرات المالية للمواطن ، لان الكهرباء كلفة يجب أن تغطى من خلال أجور الاستهلاك ومساهمة الدولة بالقدر الذي يتناسب مع سياساتها بهذا الخصوص ، وهناك تقنيات سائدة عالميا في مجال السيطرة على تسديد الأجور واستهلاك الكهرباء من خلال الدفع المسبق على غرار أجهزة الهاتف والموبايلات ، وقد أعربت العديد من الجهات المحلية عن استعدادها لتصنيع هذا النوع من التقنيات محليا وتزويدها للمواطنين بأسعار معتدلة بدلا من تجارب استيفاء الأجور التي طبقت ولم تثبت جدواها بشكل كامل ، والأجور المستوفاة يمكن أن تكون الساند المالي لتوجهات شركات وزارة الكهرباء نحو التمويل الذاتي ، ولكي لا تبقى مشكلات الكهرباء هوسا في مواسم الطلب وتسبب التظاهرات فلابد من البحث عن الحلول من خلال التخطيط وليس الوعود والتصريحات ، فقد باتت هذه المشكلة المطلب المشروع لراحة الناس وسببا في توقف الأعمال وما ينتج عنها من بطالة وفقر ، وهذه المشكلة حقيقية وليس مجرد هوس كما يعتقد البعض وأسبابها وحلولها معروفة للجميع ولكن لا تتم معالجتها بشكل مضبوط .