24 ديسمبر، 2024 3:31 م

العراقيون وحلم (دولة مؤسسات)

العراقيون وحلم (دولة مؤسسات)

ما من حديث نسمعه عن الرفاهية والازدهار، والتقدم والتطور، إلا واقترن ذكره بمصطلح (دولة مؤسسات)، وأظننا نحن العراقيين بتنوع نسيجنا وشرائحنا القومية والعرقية والدينية كافة، عانينا كثيرا من تغييب هذا المصطلح في بلدنا، ليس في عراقنا الذي ينعته البعض بـ (العراق الجديد) فحسب، بل في العراق الـ (عتيگ) أيضا على حد سواء، حتى تطبعنا على قوالب ونماذج جاهزة لإدارات وحكومات تعاقبت على حكمنا، ليس لها بالمؤسسات علاقة تذكر، و (عن التشابيه) كانت تلك القوالب أشبه بالقوالب التي يستخدمها (القندرچية) في صناعة الأحذية، أجلّ الله القارئ..! وله أيضا -القارئ- أن يستنتج ماهية المعطيات التي تخرج من لدن تلك القوالب.

وكما يقول شطر الدارمي: (من عمري سبع سنين وگليبي مهموم) فتحنا أعيننا -أبا عن جد- على نظام الحزب الحاكم، والشخص الحاكم، والعشيرة الحاكمة، والطائفة الحاكمة، أما غير هذي النظم، فكنا نسمع عنها في الكتب التي تعنى بالدراسات السياسية، حتى بات السؤال عن حال الشعوب التي تعيش تحت مظلة مصطلح (دولة مؤسسات) سؤال الكبير والصغير، الجاهل والمثقف، فصرنا نخال الشعوب التي منّ الله عليها بدولة مؤسسات تحكمها، أنها هي المقصودة بشعب الله المختار حقيقة، حيث ينزل جنته على أرض بلدهم ليرفلوا بنعيمها، وما هذا الظن إلا لما لدولة المؤسسات من رقي نموذجي في إدارة شؤون الدولة.

وكنتيجة حتمية لما عاشه العراقيون خلال جميع الحقب التي مرت عليهم، فإن أغلبهم أشبع فكره وظنه وحتى عقيدته مجبرا، بوحدانية القائد وفردية الرئيس، فاختلق “قالبا” وضع فيه مايتمناه من مواصفات وكفاءات ومؤهلات، وشخصن وظيفة الحاكم والرئيس والقائد، وحصره بشخصية فلان أو علان، ظانا أو حالما بأنه فارس الأحلام، وهو الذي سيتولى أمره وأمر معيشته ومستقبله، فضلا عن حاضره، فأغدق على هذا الـ “إله” المصنوع من عسل الأحلام كل المواصفات الحسنة، ملبسا إياه النزاهة والمصداقية والمهنية والأمانة، فإذا به يُصدم آخر المطاف بظنه الذي استحسنه به، فتخيب الظنون، وتتلاشى الأحلام وتتبدد الأمنيات في سماء الحقيقة المريرة الواقعة على رأسه ورأس باقي المرؤوسين.

هذه “الصنمية” في اختيار القائد ليست وليدة اليوم -كما أسلفت- وهذا مالوحظ بشكل جلي بالممارسات الديمقراطية المتمثلة بالانتخابات الثلاثة الماضية، إذ كان السؤال المتكرر على الألسن جميعها هو: “إلمن راح أنتخب؟!” في حين كان الأولى والأكثر جدوى هو السؤال: “مابرنامج فلان؟” أو: “مامؤهلات علان؟”

أعود الى المؤسسات ودولة المؤسسات، لو أردنا النظر إليها أو تحقيق وجودها على نحو مصغر، فإن أقرب مثال لنا هو اللجان النيابية الدائمية في مجلس نوابنا، إذ أنها حلقة الوصل التي تربط المواطن، بممثليه في دولته، وهي التي تصطفي الصالح من القرارات والقوانين فتحث النواب ورئيسهم على إقرارها، وبالمقابل فهي -اللجان النيابية- تبعد شبح الطالح من القوانين التي تتنافى مع مصلحة البلاد والعباد، وبهذا تكون اللجان النيابية -مجتمعة- دولة المؤسسات المرجوة على أقل تقدير، والتي يتحقق بأدائها ما يصبو اليه الشعب في دولة مؤسسات كبرى. وتبقى اللجان النيابية “الصحيحة والحقيقية” حلما يراود العراقيين، وتظل أنظارهم مشدودة الى تشكيلها لتأخذ دورها الفعال داخل إطار المهنية، لعلها تكون الخطوة الأولى ونقطة المثابة وخط الشروع، لتأسيس دولة مؤسسات ولو بعد حين.