العراقيون والوهم !!

العراقيون والوهم !!

دأبت الدول والشعوب في منطقتنا العربية ولنقل منطقة الشرق الأوسط عموماً على إحاطة نفسها بهالة من التفوّق والاستعلاء على المحيط على الرغم مما تعانيه هذه الدول اليوم من واقع سيّء على المستويات كافة.

وقد نتفق أن لتلك الدول تاريخاً مهماً ومؤثراً على المستوى الإنساني إلاّ أنها -وللأسف- لم تصنع حاضراً يتناسب مع ذلك التاريخ.

بالتالي تجد الدولة وشعبها يعيشان حالة صعبة على المستويات كافة السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلاّ أنها تتبنّى خطاباً استعلائياً لايقبل المساس بها ولو على سبيل النقد والدراسة. لدرجة تصبح معها تلك الشعوب في حالة من الهياج والمواجهة في أي موقف يتم فيه الإشارة لها وهذا ما نجده اليوم واقعاً ملموساً على صفحات التواصل الاجتماعي.

وهذا يتكرر في كل مناسبة أو تجمّع جماهيري ونجده واقعاً بالنسبة للبلدان ذات التاريخ العريق كالعراق ومصر والمغرب وغيرها..

نظرة التفوّق والاستعلاء العراقي ليست جديدة في العموم إذ دأب الإعلام ومنذ عقود على تغذيتها حتى غدت جزءاً من ثقافة الشعب، بغض النظر عن حقيقة ما ندعي وما شهده العالم من تحوّلات كبيرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

فوسم أهل الخليج بأنهم الرعاة الحفاة لم يعد تناسب والحالة التي تعيشها بلدان الخليج –سواء أتفقنا مع طبيعة نظامها السياسي أم لا- في ظل طفرة اقتصادية تكنولوجيا لا تخطئها العين.

ولنا في الأرقام خير دليل على ذلك، فمؤشرات التنمية تشير لتقدم كبير تعيشه المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر.

فدول الخليج في عمومها تتقدم على كل الدول العربية في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة، إذ أقل دولة خليجية في هذا المؤشر تأتي في المرتبة (50) فيما العراق يحتل الرقم (121) أما مصر فتأتي بالمرتبة (97)، وجميع دول الخليج تتقدم بقية الدول العربية في مؤشر التعليم والسعادة، وطبعاً العراق ومصر الدولتنان العريقتان وأرض أقدم الحضارات البشرية ليست ضمن أول (10) دول عربية على مستوى ذلك التصنيف.

أما اقتصادياً فيكفي أن نذكر أن مؤشّر الاقتصاد الرقمي العربي يضع الدول الخليجية مجتمعة ضمن الدول القائدة لعملية التحوّل الرقمي، فيما الدول ذات التاريخ المجيد والعتيد كمصر والمغرب تصنّف كدول واعدة، أما العراق فلم يذكر لا في القائمة الأولى ولا في القائمة الثانية.

وهناك مؤشرات متعلقة بمستويات الدخل والمعيشة وهي معروفة بديهياً ولا حاجة للوقوف طويلاً عندها، فالبلدان الخليجية هي الأكثر رفاهية على مستوى العالم لا المنطقة ومواطنيها هم الأعلى دخلاً في العالم. وبالمقابل نجد البلدان التي تتغنّى بتفوقها الحضاري وعمقها التاريخي لا زالت تعيش مدنها حياة القرون الوسطى.

ولك أن تتخيّل أن مصر يعيش خمس سكانها في عشوائيات لا تناسب السكن الآدمي.

وبالعودة إلى العراق الذي دأبنا فيه على وسم أهل الخليج بأنهم (أهل البعران) -وهي ليس سبّة على الإطلاق- متفاخرين عليهم بما أنعم الله علينا من حضارة وتاريخ علّمت البشرية، فإن واقعنا اليوم لا يسر لا عدو ولا صديق.

فالعراق يعاني من تحديات تجاوزها العالم منذ عقود، فالأميّة اليوم تحدي حقيقي في ظل عالم تحكمه التكنولوجيا، إذ تشير الإحصائيات إلى أن (25%) من الشعب العراقي يعاني من الأميّة، ولا يخفى لما من هذا التحدي من إنعكاس على الحياة السياسية والاقتصادية بسبب طبيعة المستوى الثقافي للشعب.

كما أن (10%) من سكان العراق يعيش اليوم في عشوائيات وأماكن غير منتظمة بخدمات مفقودة، فيما تعاني (16%) من اليد العاملة من مشكلة البطالة، والعراق هو رابع الدول في العالم من حيث الاستيراد وهذا معناه أنه يعاني غياب الصناعة فيه. وبالتأكيد فإن لهذه الأرقام انعكاسات على بقية قطاعات الحياة الصحية والبيئية والسياسية.

إن ذكر هذه الأرقام لا يعني انتقاصاً من شعب نعتز بالإنتماء له، لكنها واقع علينا التعامل معه لمحاولة معالجته وإيجاد الحلول له بدلاً من حملات التسقيط التي تطال الآخرين بين الفينة والأخرى. فالأرقام والأحصاءات تؤشر لواقع لا يمكن تجاوزه إلاّ بالخطط والبرامج والدراسات والعمل الدؤوب المستمر.

أما الشعارات والأهازيج التي دأبنا على ترديدها تمجيداً بتاريخ سحيق وانتقاصاً من دول باتت اليوم تفوقنا في كل المجالات فلن تكون إلاّ مسكّن ومهديّء نفسي سينتهي مفعوله يوماً ما وحينها سنكتشف أن هناك فجوة بيننا وبين محيطنا لا يمكن ردمها على المدى القصير والمتوسط.