23 ديسمبر، 2024 2:11 م

العراقيون والامتحان الصعب

العراقيون والامتحان الصعب

منذ إقامة دولة العراق عام 1921 ، وهذا البلد يتعرض ، بفعل عدم استقرار شعبه وتنوع ميول أطرافه ، للكثير من النكبات ، وان الباحث المحايد يجد ان تركيبة الفرد العراقي وميوله قائمة على القبول بعدم الاستقرار، وأن الظرف المثالي عنده هو الظرف الذي تتحاور في الاطراف العراقية المختلفة حالة الركود الى الصراع ، وان الناتج هو المأسي التي تطبع عليها هذا الفرد وسار يتمتع بالاغنية الحزينة او لطم الخدود على الماضي والبكاء عند حضرات الأئمة وهم في اضرحتهم المهيبة . وصارت الأمور عنده على مر التأريخ تقاس بالنكبات التي مروا بها ، وصاروا يحمدون الله على السلامة ، وكانهم متلازمزن مع القدر السيئ ، وقد زادت الاحزاب الدينية هذا المشهد تقاطيعه والوانه، بعد عام 2003 عندما أمنت بمقولة
ميكافلي ، والتي مفادها أن الدين ضرورة للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس ، وهكذا سخرت الاحزاب الدينية الشعائر الحسينية للسيطرة على الناس وتوجيههم نحو الوجهة السياسية التي تراها مناسبة لمصالحها ، فصارت تحصل على الأغلبية منذ قائمة التحالف الوطني الأولى ، وترسخت جذورها وامتدت الى الاعماق مشكلة الدولة الموازية ، تلك الدولة التي أحاطت بالدولة الرسمية من كل الاتجاهات مثلها مثل من ينقض على فريسة ، غير ان هذه الأحزاب التي كانت في حقيقتها أما سرية تعودت على الاعماق الظلمة، او علنية عاشت في المنافي ، فعندما استولت على الدولة انبهرت بسلطتها ، وتنغمت باموالها ، فتحولت من احزاب دينية قطاعية الى تجمعات رأسمالية امنت بطريق الرأسمالية التقليدي دعه يعمل دعه يمر ، ولم تعد تتقييد بضوابط الدولة ، بل على العكس قامت هي ذاتها بوضع ضوابط جديدة للدولة بعيدة عن مصلحة الاغلبية ، وهكذا منذ السنوات الاولى صار قياديوها يقتسمون الدولة على وفق مصلحة كل حزب ، وصاروا يسيرون في مواكب مبهرة، يسكنون عقارات الدولة بعيدا عن الضوابط، ويشكلون الحمايات المتحدية لحمايات الدولة ، وعندها دب الخلاف بينها وبين الشعب ، وانقلب عليها الاتباع في الوسط والجنوب ، وتحول الخلاف إلى صراع تجاوز المألوف وفق علم السياسة ،
ان ما قامت به الاحزاب الدينية مس الطبيعة المتمردة للفرد العراقي وأعادت إليه أجواء الحزن المرغوبة وتحولت مظاهراته المطلبية إلى ردات حسينية حزينة تعبر عن واقع الظلم الذي لحق بالمواطن جراء عبث الاحزاب وقوتها الفاعلة على الأرض في جو امتحناني صعب . فالمواطن لم يعد قادرا على السكوت على ما الت إليه الأوضاع ،،خاصة بعد عمليات القتل والجرح للمتظاهرين ، وهو امتحان صعب ايضا على الأحزاب لانها باتت موضع اتهام من قبل الشارع .
ان الأزمة الأخيرة لمواطن ظل حزينا طوال تاريخه باتت نقطة تحول لا رجعة فيها وهو ماض بتظاهراته في بغداد ومدن الجنوب ، فعلى الاحزاب ان تركن إلى الحكمة وان تتجاوز الصعوبة ، بإيجاد حل وسط تتخلى فيه هي عن بلغتها ، وان يركن المواطن إلى الانتخابات التي يستطيع لها ان يبعد هذه الأحزاب عن المقدمة وان يتقاسم معها مرحليا دور تقسيم المسؤولية الوطنية……