تتفاعل وبشكل حاد ولافت قضية الانتخابات القادمة في شهر تشرين الأول (أوكتوبر) 2021 بين الأوساط العراقية المعنية بها والتي تشكل هما يوميا لكل الفصائل الوطنية العراقية، “حاكمة” ومعارضة، على أمل أن الأجواء تكون ملائمة وعدم جنوح المارقين باستهداف الناخبين. ولا تزوير الانتخابات ولا توظيف مال السحت الحرام ولا توجيه سلاح الفصائل المارقة بوجه من لا يذعن لإرادتهم.
ولا أظن بأن عراقيا لا يرغب بإجراء الانتخابات وهم موزعون بين من يريد التغيير الجذري، ومن يسعى للبقاء على سدة الحكم وبشتى الوسائل، بعد أن تبين للقاصي والداني، بأن ساكنة الخضراء مستعدون لنحر من لا يريد لهم البقاء في السلطة بعد أن حولوا العراق الى ضيعة وملك عضوض، بل وأباحوا لأعداء العراق أن يلعبوا كيف يشاؤون في الساحة العراقية طولا وعرضا.
إن من يقول بعد ما (ننطيها)، لا يمكن أن يحترم النظام الديمقراطي وهو الحل الوحيد لمشاكل العراق بعد أن يقتنع ساسة العراق بأن لا حل أمام العراقيين إذا ما أرادوا العيش بسلام وتآخي واعتراف بالآخر، رأيا وموقفا واحتراما وتعايشا مجتمعيا وتأسيسا لمستقبل زاهر وآمن، وإلا سيبقى التوتر سيد الموقف في الشارع العراقي، ويظل المتحجرة عقولهم وبشكل غير مفهوم، مصرّين على أن العراق بات لعبة بأيديهم، مقتنعين ببلادة من لا يريد أن يستوعب الأحداث ومجرياتها، بل ونتائج مغامراتهم، انهم الملّاك الشرعيون للسلطة، وكأن أمرا ربانيا أختارهم كفلول مقربة من الله، وحاشى أن يكون التفكر العقلاني بهذه الطريقة الفجة والمتخلفة.
طرح الحزب الشيوعي العراقي ورقة عمل وطنية يشرح فيها شروط المشاركة في الانتخابات، بعد أن اعلن موقفه الواضح بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات ما لم تكن مشروطة، وتجرى بظروف طبيعية من شأنها أن تحافظ على سلامة المصوت، ومنع توظيف المال لشراء الذمم، ونزع السلاح بالكامل من مليشيات القتل وأذرع الخراب، وإنجاز البطاقة البايومترية، والبحث عن البطاقات المسروقة والتي تعد بالملايين، خوفا من استخدامها في عملية التزوير، ثم تعديل قانون الانتخابات التي تعتريه الكثير من الشوائب الملغومة، والأهم من كل ذلك اشراك الأمم المتحدة للإشراف المطلق على الانتخابات، ثم المطالبة بالتصعيد في ملاحقة قتلة ثوار تشرين والجرائم التي ارتكبتها فصائل منحرفة وتحديد هويات القتلة والمجرمين، على الا يبقوا طليقين أيام الانتخابات، لانهم عناصر في غاية الخطورة تم تدجينهم ليكونوا أدوات تنفيذ لكتلهم الموالية للدول الأجنبية التي لا تريد الخير للعراق.
ان الانتخابات القادمة ستكون مصيرية وستعتبر الفيصل في تحديد مستقبل العراق، اما نحو البناء وإعادة الاعتبار للناس والوطن، لينطلق العراق في مناخات صحية جديدة، أو تتمة مسلسل الخراب الذي يقينا سيؤدي الى تفتت العراق وتشرذم العراقيين، حيث لا سبيل للعودة وتصحيح الأخطاء القاتلة، بعد فوات الأوان.
يبدو لكل المراقبين للمشهد السياسي العراقي بأن الوضع معتم وضبابي، وغير مفهوم على الإطلاق، من حيث استمرار الفساد وبشكل علني ووقح دون التنبه لمخاطر هذا السلوك الإجرامي الخطير، ثم استمرار رقص المليشيات مع أسلحتها الفتاكة لاستهداف من تسول له نفسه الاقتراب ولو بالكلام أو التذمر من تلك الفلول وافعالها المارقة، والأخطر الإعلان من حين لآخر من قبل بعض رؤوسا الكتل، بأنها ستحصل على كذا صوت وكذا صوت ومن ثم نيل (الثقة) لإحدى الرئاسات الثلاث وبعدد مقاعد كذا وكذا، فهل تناهى لأسماعكم بأن التصويت محسوم سلفا في تاريخ انتخابات العالم، أم أن الانتخابات تخضع للتنجيم وقراءة الطالع! ولم تنته الترتيبات بعد للوصول الى التاريخ المعلن للانتخابات!
تلك هي وكما تصدينا في مقالاتنا سابقا، السمة السريالية التي يتميز بها الوضع السياسي في العراق وفنتازيا ما يجري.
صحيح أن الانتخابات المبكرة جاءت كرد فعل واستجابة لمطالب ثورة تشرين المظفرة، لكنها دعوة لم تستوف شروط إنجازها بسبب جملة من المشاكل والعقبات التي يقينا ستكون ملاذا للمتنفذين سياسيا وماديا وتسليحا، للتلاعب بالنتائج ضدا على أماني الجماهير العراقية المتضررة من السياسات الهوجاء للنخب المتنفذة، للخروج من المحنة وقمقم المحاصصة، سيما الثوار من شباب تشرين الأبطال الذين يعولون ومعهم الشعب العراقي برمته على الخروج من نفق أحزاب الفساد والأوضاع الشائنة التي جاهد الطائفيون على فرضها على الواقع العراقي، مما دفع بظروف العراق التي كنا نتأمل خيرا منها بعد زوال الصنم، الى حالات كارثية، يصفها المراقبون بأنها أسوء مما سبق، وهنا تكمن المعضلة.
نقتطع هنا فقرة من أجوبة الرفيق أبو رواء والتي تناول فيها أهم النقاط الأساسية والتي تعتبر تشخيصا دقيقا لطبيعة الانتخابات وما ينبغي أن تكون عليه وأهم الشروط التي ينبغي أن يتم تنفيذها لإنجاح عملية الانتخابات حيث قال:
(رائد فهمي: نحن ننظر الى الأمور نظرة أبعد. فهذا ليس مجرد عمل احتجاجي. هناك من يروّجون للمقاطعة كعمل احتجاجي. وهذا جيد طبعا، لكننا كطرف سياسي ننظر الى العملية ارتباطا بالتغيير. ونرى أن التغيير حاجة ملحة للبلد، وان الانتخابات واحد من المسارات المهمة للتغيير. لماذا اقول واحد من المسارات؟ لأننا نعرف ان هناك عوامل بنيوية في البلد، فللقوى المتنفذة حضور ونفوذ واسعين في مؤسسات ودوائر الدولة المدنية والعسكرية، وعلى مختلف المستويات. لذا فهذه الانتخابات حتى وان كانت حرة، لن تأتي ببرلمان قادر على خلق توازن قوي لصالح قوى التغيير. لكن البرلمان قد يضم مجموعة من دعاة التغيير، الذين قد يستفيدون من دورهم ونشاطهم فيه.)
من هنا يتضح أن الانتخابات القادمة لم تكن بالعملية اليسيرة وبمستوى من الشفافية والوضوح، لأن حيتان الفساد والمحاصصة يتربصون بكل ما أوتوا من قوة وبمغامرات قد تؤدي الى صدامات قاتلة، من أجل كسب أعلى عدد ممكن من الأصوات وبشتى الطرق والوسائل، حيث أنهم قاموا بزرع العملاء والمندسين والمزورين ومنحوهم مناصب وامتيازات عديدة، تؤهلهم للتلاعب بالنتائج كيفما أرادوا، هذا من داخل فضاءات التصويت، أما من خارجه فالعراقيون على بيّنة تامة، أن أساليب التزوير وشراء الذمم وتحريك مال السحت الحرام المنهوب من أموال الفقراء، ثم الأكاذيب التي تصدر من هنا وهناك، بعد أن جنّدوا العشرات من الإعلاميين للقيام بمهمات رثة من أجل دعم مواقف الساسة للبقاء على سدة القرار، وتسقيط المنافسين الحقيقيين بأساليب قذرة، علما أن العراقيين يوما بعد آخر باتوا يعرفون هذه الألاعيب والحيّل التي لم تعد تنطلي على حتى الأطفال الصغار، خصوصا شباب ثوار تشرين وكل المتضررين والجائعين والمهمشين من جراء السياسات الرعناء التي ابتلى بها العراقيون منذ ثمانية عشر عاما، وبوسائل أقل ما يقال عنها، انها معادية للعراق ولشعبه وحضارته وسيادته ومستقبل أجياله. (ولنا عودة لذات الهم قريبا)