7 أبريل، 2024 11:24 م
Search
Close this search box.

العراقيون… قضية وطن

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يكافح شعب في المنطقة العربية مثلما كافح ابناء الشعب العراقي وخاصة ابناء الفرات الاوسط في سبيل بناء الوطن فمنذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921طالب العراقيين بإقامة الدولة بعيدا عن الاحتلال البريطاني وقاطعو الدولة بعد ذلك في بعض المراحل من العهد الملكي ضانا منهم بان ذلك سيحقق الاستقلال، واستمر ذلك النهج بمعارضة الانظمة الشمولية التي تبنت النظام الجمهوري بعد حركة عبد الكريم قاسم في العام1958 لا سيما نظام البعث الشمولي منذ الستينيات ووصولاً الى عام2003، ودفعوا من اجل ذلك كواكب بعشرات الألوف شهداء ومغيبون، وقد تأمل العراقيون خيرا في سقوط نظام صدام حسين الشمولي الاستبدادي على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في بناء وطن يسوده حكما رشيدا وعدالة اجتماعية وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية سريعة لكن خيبت الامل كان حصيلة ترقب العراقيون من نهج الحاكم لمدني بول بريمر، ومن ثم قادة العراق الجدد ومؤسساته التي يفترض انها ديمقراطية كمجلس النواب، والسلطة التنفيذية، وكذلك السكوت من قبل السلطة القضائية على مخرجات السلطتين التشريعية وتنفيذية الذي وفر حالة من الطمأنينة لتلك المخرجات، فبدل الحكم الاستبدادي، والحصار الاقتصادي في مرحلة البعث اراد العراقيون حكماً شفافا ديمقراطيا تداولياً يتيح الحريات وحق العيش الكريم، ودولة قائمة على اسس من الشفاهية والحكم الرشيد تحقيق العمران وتساوي الحكام، والحزبين، والمحكومين امام القانون، لكن حالة الاستبداد التي من المفترض ان تتحول الى حكما ديمقراطيا رشيدا وعادلا اصبحت كابوسا يراود يقظت العراقيين كل للحظة من عبث السلطة والمحاصصة في التشريعات وتوزيع المناصب، وفساد الاحزاب ونهب الدولة والقضاء على اقتصاداتها غير النفطية، فضلا عن بروز حالات فوضى السلاح الحزبي والعشائري، وسيطرة الاحزاب السياسية والقوى الدينية من جميع المكونات على المشاريع السيادية كالوزرات والمنافذ وحتى الدور التعليمية والتربوي، كل ذلك تأتى من اخطاء ارتكبت في عملية كتابة الدستور، حيث كتب بطريق المكونات والحصول على المكاسب المناصبية، ومغانم السلطة والنفوذ، كما اقرت القوانين التي من المفترض ان تنظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بذات الطريقة مع التأكيد على حفظ وجودها الباز في الهيمنة على السلطة(قانون الاحزاب، قوانين الانتخابات والمفوضية، وقوانين الامتيازات، وغيرهم)، رافق ذلك تعاطف من بعض فئات الشعب مع تلك القوى في بعض المراحل لأسباب مختلفة ولعل ابرزها المشاعر الطائفية، وبعد ان استطاع العراقيون هزيمة تنظيم داعش وهي قصة جزء من ايجادها فساد اقطاب السلطة التنفيذية وبعض القوى السياسية والعشائرية هنا وهناك في سنوات2009 الى2014 تفرغ العراقيون الى التخلص من الهم المؤجل المتمثل بإيجاد الوسائل للتخلص من الطبقة السياسية التي عاثت بالبلاد وانهكت المجتمع، في ظل الكشف عن المستور بفعل التقنية التكنلوجية كوسائل التواصل الاجتماعي، في بيئة اجتماعية كبيئة مناطق الوسط والجنوب تعشق الجدل، وتثيرها القضايا السياسية، وتغيير المزاج الشعبي والحماس في قضايا الوطن من هنا هم اول من اندفع بالألاف في مواجمة تنظيم داعش الارهابي في منتصف عام 2014 ويطفوا على مزاج سكان تلك المناطق الطبع المتذمر من الفوضى الحزبية لاسيما بعد فترة من سيادة نمط الحكم الحزب الواحد المستبد بالسلطة، برزت حالة من الحداثة في مطالب المحتجين من المطالب الخدماتية التي تخص معالجة البطالة، وخلق فرص التعيين اطلق العراقيون في مطالبهم الاخيرة شعارات امثال:”نريد وطن” و”ما كو وطن ما كو دوام” للتعبير عن حالة وطنية شاملة لا تقتصر على مجالات الشخصية، وانما مطالب يتحقق من خلال الحكم الرشيد وسيادة القانون، وحكم الكفاءة الوطنية، وتحقيق التنمية الشاملة واحترام الانسان العراقي داخل بلده وخارجه، وهذا ما يفسر حالة الوعي في انتفاضة اكتوبر من هذا العام كانت الاقوى اضافة الى دخول شرائح الشباب على خطها لاسيما بعد الاضرابات والعصيان المدني، اذ ان اطارها العام حالة شعبية تريد النهوض بالبلد عبر التغيير السياسي وهذا ممكن في ظل ما شهدناه من تصاعد حالة الثورية في المدن العراقية لكن هذه الحالة لا تخلو من الهواجس بفعل تضارب المصالح وتحقيق الرغبات، وتتمثل هذه المخاوف بمايلي:
اولاً: التصعيد المحتمل من شرائح سياسية واجتماعية لا تزال تفكر بعقلية المكونات كما هو الحاصل مع تحذيرات ساسة اقليم كردستان من مغبة التعديلات الدستورية ، كما ان خطابات ساسة مناطق غرب وشمال بغداد لا تزال تظن ان الجماهير المنتفضة للمطالبة ببناء وطن هي جماهير خارجة على احزاب معينة وبالتالي هي غير مشمولة بالتغيير، في حين ان المراقب يرى بعين صافية ان قضيهم قضية وطن بعيدا عن لغة المكونات التي اديرت بها الدولة طوال السنوات الماضية والغاية تشكيل حكومة عادل عبد المهدي الحالية.
ثانياً: من المخاوف الاخرى دخول اطراف سياسة ترى نفسها احق بالسلطة وان الائتلافات التي اختارات عادل عبد المهدي وشكلت حكومته قد سلبت حقها بالسلطة التنفيذية.
ثالثاً: دخول جماعات دينية وسياسية متطرفة تحت عناوين وشعارات لا يهمها اقامة العدل او تحقيق سيادة القانون وانما الغرض من المشاركة وبالقوة في الاحتجاجات، وقد تكون هي من يعمل على اعمال عنف ليس في اجندات المحتجين وانما هدفها تسقيط مرجعيات دينية، وقوى وتيارات سياسية لدى الناس وخاصة الجمهور المحتج لتحل مكان هذه القوى أي تكون مرجعيات عليا للناس وكذلك فيما بعض للتصدر المشهد السياسي.
رابعاً: التدخل الخارجي الذي يبتغي استمرارية جعل العراق منطقة لتصفية الحسابات بين الدول المتخاصمة على النفوذ الاقليمي، وهزيمة الخصم من خلال الساحة العراقية لاسيما بعد تصاعد حدة الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجين من جهة وايران وبعض الجماعات من جهة اخرى، ويأتي العراق في مقدمة تلك الدول المستهدفة جراء هذا الخلاف اضافة الى سوريا واليمن والبنان الذي يعيش ابناءه حراك بناء الوطن في تعقيدات معادلة صعبة تشبه المعادلة العراقية من بعض الوجوه كعرف المحاصصة.
وبالمحصلة لا اضن ان الجهات المذكورة ستفلح في اهدافها اذا تمكن الشعب فرض محدداته وغاياته ومشروعة الوطني الاصلاحي وبصورة سلمية في تبني قضية بناء الوطن، ومؤسسات الدولة بطريقة عقلانية رشيدة. ومهما كانت تعقيدات المعادلات الداخلية والخارجية في العراق ولبنان فان الحراك الشعبي يرتقي الى الانتفاضات التي تتصاعد بها نزاعات المواطناتية التي تريد ان تنتقل في بلدانها من حالة العبثية والفساد الى بناء دول وطنية يقودها رجال دولة استثنائيين(مشرعين، منفذين، قضاة) يديرونها على اساس الشفافية، واحترام القانون، والمحاسبة القانونية، والعيش الكريم والتقدم والبناء الاقتصادي والصناعي، والعمراني، والتعليمي.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب